19 أكتوبر 2019
معضلة الهجرة في المغرب العربي
تعد ظاهرة الهجرة في المغرب العربي ثلاثية الأبعاد، فهو لا يزال مصدّراً للهجرة، بنوعيها الشرعية وغير الشرعية، وأصبح معبراً وأرضاً مستقبلة للمهاجرين الأفارقة. والمشكلة أن بلدان المنطقة غير مستعدة لهذه الظاهرة المتنامية، لا اقتصادياً ولا اجتماعياً. فهي تعاني، أصلاً، من هجرة بعض أبنائها نحو الدول الغربية، ليس بالضرورة لأسباب اقتصادية، ما جعلها تفقد باستمرار جزءاً من عمالتها المؤهلة، ومن طاقاتها الشابة. فيما تستفحل هذه الظاهرة أصبحت المنطقة وجهة للمهاجرين الأفارقة الذين يريدون العبور إلى أوروبا، لكن جزءاً فقط منهم ينجح في ذلك. بينما يلقى بعضهم حتفه في مياه المتوسط، فيما تستقر الأغلبية في البلدان المغاربية بشكل نهائي، أو في انتظار اقتناص اللحظة الملائمة لمعاودة الكرة ثانية، علها تتمكن من العبور إلى الضفة الشمالية للمتوسط.
يعرض وجود المهاجرين الأفارقة الدول المغاربية إلى ضغوط خارجية، ومشكلات محلية جمة، فأوروبا، دولاً واتحاداً، تضغط عليها لتراقب حدودها، وتقوم عملياً بحراسة حدود أوروبا عن بعد من خلال منع هجرة مواطنيها والمواطنين الأفارقة. وتقوم السياسات الأوروبية، في هذا المجال، بالدعم المالي للدول التي تتعاون معها في مكافحة الهجرة السرية، وتقبل بإعادة ترحيل المهاجرين إلى أراضيها، بما في الذين لا يحملون جنسيتها، وتفتح مراكز إيواء للمهاجرين على أراضيها. ويسمح هذا كله لأوروبا بتخفيف العبء عليها، والتقليل من حجم الظاهرة على ترابها. وبالتالي، تجنب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع وصول جحافل كبيرة من المهاجرين واللاجئين إلى أراضيها في السنوات الأخيرة، قادمين في معظمهم من الشرق الأوسط. كما تضغط أيضاً على هذه الدول، عبر آليات التعاون في إطار سياسة الجوار الأوروبية، لحمل البلدان المغاربية، وحتى الساحلية، على الرضوخ للمطالب الأوروبية في هذا المجال. أما على مستوى الخطاب والممارسات، فقد تمكّنت أوروبا من تصدير فكرة تجريم وأمننة الهجرة إلى المنطقة. وبما أن الأخيرة ديمقراطية، فإن المعالجة الأمنية تكون، بالضرورة، على حساب الحريات الفردية والأبعاد الإنسانية.
لكن، في منطقة شاسعة جغرافياً، وتقل فيها الإمكانات وينتشر فيها الفساد، تكون مهمة شبكات التهريب أيسر من مهمة مختلف أجهزة الأمن ومكافحة الهجرة السرية، حيث فاقمت الهجرة السرية من ظاهرة الجريمة المنظمة الناجمة عن نشاط شبكات التهريب من جهة، وعن استفحال الجريمة في بعض الأوساط المهاجرة، من جهة أخرى. وعليه، من الصعب على بلدان المنطقة احتواء الظاهرة بالشكل الذي تريده أوروبا، خصوصاً أن هذه الظاهرة أصبحت ورقة ضغط توظفها مختلف الأطراف في علاقاتها، فلا جدال فإن الدول المغاربية تستفيد أيضاً من جالياتها في أوروبا، من خلال تحويلاتها المالية المعتبرة التي تفوق سنوياً بالنسبة لبلدان، مثل تونس والمغرب، المساعدات المالية التي يتلقاها البلدان من أوروبا.
بغض النظر عن أهمية هذا البعد الخارجي، ومخاطر توظيفه على حساب مصالح البلدان
المغاربية، فإن البعد المحلي هو الأكثر إشكالية، فالمجتمعات المغاربية حديثة العهد بالهجرة (إفريقية كانت أو صينية) ما يتسبب في ردود فعل غير لائقة، بل وعنصرية أحياناً، حيال الأجانب. وبما أن هذه الدول غير ديمقراطية، فإنها تفتقر لمعايير دولة القانون التي تحمي المواطن والأجنبي في الآن نفسه. ولا نبالغ إذا قلنا إن البلدان المغاربية تندّد بأسلوب تعامل الدول الأوروبية مع المهاجرين المغاربة، لكنها تعامل المهاجرين الأفارقة بالأسلوب نفسه تقريباً، فهذه البلدان تفتقر لتقاليد استقبال الأجانب. وترسانتها التشريعية، في هذه المجال، تم تعديلها وتحديثها. لكن، في شقها الأمني دون شقيها الاقتصادي والاجتماعي.
لذا، يعاني المهاجرون الأفارقة من سوء المعاملة والإقصاء والرفض في المجتمعات المغاربية، فيما تعتمد عليهم بعض المؤسسات كعمالة رخيصة، للقيام بأعمال يرفض السكان المحليون القيام بهم. ومن هنا، تأتي المفارقة المغاربية: بلدان تعاني من نسب مرتفعة من البطالة توظف عمالة وافدة متعاقدة (تأتي مع المؤسسات الصينية العاملة في هذه البلدان) وعمالة وافدة أخرى وصلت بشكل غير شرعي إلى أراضيها. ويتسبب هذا كله في توترات اجتماعية في بعض المناطق، بل وفي مواجهات بين التجار المحليين والتجار الصينيين، كما حدث في عدة أحياء تجارية في بعض المدن المغاربية. وهذه الظاهرة مرشحة للتطور، من حيث الانتشار والحدة، خصوصاً إذا لم تتخذ الحكومات المغاربية الإجراءات الضرورية بشكل يطبق فيه القانون على الجميع. فضلاً عن الأبعاد التجارية والاقتصادية، هناك أبعاد اجتماعية تطرح، هي الأخرى، إشكالات لم تعهدها المجتمعات المحلية، منها الزواج المختلط بين مواطنات مغاربيات وصينيين، وانتشار ظاهرة ممارسة العبادات المسيحية، فالكنائس التي كانت فارغة تشهد إقبالاً من المهاجرين الأفارقة من المسيحيين. ومن ثم، بدأ المشهد الاجتماعي المغاربي يتطور هو الآخر. لكن، في سياق غير متسامح على الصعيدين؛ على صعيد العلاقة البينية (المغاربية محلياً وإقليمياً) وعلى صعيد العلاقة مع الآخر الإفريقي (المسلم والمسيحي على حد السواء).
لذا، فالهجرة الإفريقية والصينية في المغرب العربي معضلة متعددة الأبعاد، بحاجة إلى سياسة محكمة لاستباق أي توترات اجتماعية-اقتصادية مستقبلية. وسيكون من الصعب فك الترابط مستقبلاً، أخلاقياً وسياسياً، بين وضعي الجاليتين المغاربية في أوروبا والإفريقية والصينية في المغرب العربي، بيد أن هذه المسألة مرتبطة بالديمقراطية أساساً، لأنه لا يمكن لدول تنتهك حقوق مواطنيها في أرضهم وأرض أجدادهم أن تحترم حقوق الأجانب الذين يعيشون على أراضيها.
يعرض وجود المهاجرين الأفارقة الدول المغاربية إلى ضغوط خارجية، ومشكلات محلية جمة، فأوروبا، دولاً واتحاداً، تضغط عليها لتراقب حدودها، وتقوم عملياً بحراسة حدود أوروبا عن بعد من خلال منع هجرة مواطنيها والمواطنين الأفارقة. وتقوم السياسات الأوروبية، في هذا المجال، بالدعم المالي للدول التي تتعاون معها في مكافحة الهجرة السرية، وتقبل بإعادة ترحيل المهاجرين إلى أراضيها، بما في الذين لا يحملون جنسيتها، وتفتح مراكز إيواء للمهاجرين على أراضيها. ويسمح هذا كله لأوروبا بتخفيف العبء عليها، والتقليل من حجم الظاهرة على ترابها. وبالتالي، تجنب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع وصول جحافل كبيرة من المهاجرين واللاجئين إلى أراضيها في السنوات الأخيرة، قادمين في معظمهم من الشرق الأوسط. كما تضغط أيضاً على هذه الدول، عبر آليات التعاون في إطار سياسة الجوار الأوروبية، لحمل البلدان المغاربية، وحتى الساحلية، على الرضوخ للمطالب الأوروبية في هذا المجال. أما على مستوى الخطاب والممارسات، فقد تمكّنت أوروبا من تصدير فكرة تجريم وأمننة الهجرة إلى المنطقة. وبما أن الأخيرة ديمقراطية، فإن المعالجة الأمنية تكون، بالضرورة، على حساب الحريات الفردية والأبعاد الإنسانية.
لكن، في منطقة شاسعة جغرافياً، وتقل فيها الإمكانات وينتشر فيها الفساد، تكون مهمة شبكات التهريب أيسر من مهمة مختلف أجهزة الأمن ومكافحة الهجرة السرية، حيث فاقمت الهجرة السرية من ظاهرة الجريمة المنظمة الناجمة عن نشاط شبكات التهريب من جهة، وعن استفحال الجريمة في بعض الأوساط المهاجرة، من جهة أخرى. وعليه، من الصعب على بلدان المنطقة احتواء الظاهرة بالشكل الذي تريده أوروبا، خصوصاً أن هذه الظاهرة أصبحت ورقة ضغط توظفها مختلف الأطراف في علاقاتها، فلا جدال فإن الدول المغاربية تستفيد أيضاً من جالياتها في أوروبا، من خلال تحويلاتها المالية المعتبرة التي تفوق سنوياً بالنسبة لبلدان، مثل تونس والمغرب، المساعدات المالية التي يتلقاها البلدان من أوروبا.
بغض النظر عن أهمية هذا البعد الخارجي، ومخاطر توظيفه على حساب مصالح البلدان
لذا، يعاني المهاجرون الأفارقة من سوء المعاملة والإقصاء والرفض في المجتمعات المغاربية، فيما تعتمد عليهم بعض المؤسسات كعمالة رخيصة، للقيام بأعمال يرفض السكان المحليون القيام بهم. ومن هنا، تأتي المفارقة المغاربية: بلدان تعاني من نسب مرتفعة من البطالة توظف عمالة وافدة متعاقدة (تأتي مع المؤسسات الصينية العاملة في هذه البلدان) وعمالة وافدة أخرى وصلت بشكل غير شرعي إلى أراضيها. ويتسبب هذا كله في توترات اجتماعية في بعض المناطق، بل وفي مواجهات بين التجار المحليين والتجار الصينيين، كما حدث في عدة أحياء تجارية في بعض المدن المغاربية. وهذه الظاهرة مرشحة للتطور، من حيث الانتشار والحدة، خصوصاً إذا لم تتخذ الحكومات المغاربية الإجراءات الضرورية بشكل يطبق فيه القانون على الجميع. فضلاً عن الأبعاد التجارية والاقتصادية، هناك أبعاد اجتماعية تطرح، هي الأخرى، إشكالات لم تعهدها المجتمعات المحلية، منها الزواج المختلط بين مواطنات مغاربيات وصينيين، وانتشار ظاهرة ممارسة العبادات المسيحية، فالكنائس التي كانت فارغة تشهد إقبالاً من المهاجرين الأفارقة من المسيحيين. ومن ثم، بدأ المشهد الاجتماعي المغاربي يتطور هو الآخر. لكن، في سياق غير متسامح على الصعيدين؛ على صعيد العلاقة البينية (المغاربية محلياً وإقليمياً) وعلى صعيد العلاقة مع الآخر الإفريقي (المسلم والمسيحي على حد السواء).
لذا، فالهجرة الإفريقية والصينية في المغرب العربي معضلة متعددة الأبعاد، بحاجة إلى سياسة محكمة لاستباق أي توترات اجتماعية-اقتصادية مستقبلية. وسيكون من الصعب فك الترابط مستقبلاً، أخلاقياً وسياسياً، بين وضعي الجاليتين المغاربية في أوروبا والإفريقية والصينية في المغرب العربي، بيد أن هذه المسألة مرتبطة بالديمقراطية أساساً، لأنه لا يمكن لدول تنتهك حقوق مواطنيها في أرضهم وأرض أجدادهم أن تحترم حقوق الأجانب الذين يعيشون على أراضيها.