31 أكتوبر 2017
معيقات تحرّك ترامب وإسرائيل ضد إيران
استبدّ الحماس بنخب اليمين الحاكم في تل أبيب، في أعقاب صعود دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، وعلقت على العهد الجديد في واشنطن آمالاً عريضة بإحداث تحول فارق على السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً تجاه إيران. وقد رفعت المواقف التي عبر عنها ترامب تجاه إيران، سواء خلال حملته الانتخابية، وبعد توليه مقاليد الحكم، سقف التوقعات لدى صناع القرار في تل أبيب، حيث راهنوا على استنفار الإدارة الجديدة لتبني سياساتٍ تجاه طهران، تستند بالأساس إلى محدّدات الموقف الإسرائيلي. وقد راهنت تل أبيب على دور ترامب في مساعدتها على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: ضمان عدم حدوث أي تآكل على التزام طهران بالاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه مع الدول العظمى، التوافق على استراتيجية مشتركة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بعد انتهاء مدة نفاذ الاتفاق التي تمتد عشر سنوات، بشكل يضمن منظومة القيود على المناشط النووية الإيرانية، وإرغام إيران على وقف تدخلاتها في المنطقة، مع العلم أن كل ما يعني إسرائيل هو التدخل الإيراني في سورية ولبنان. وتحت وطأة خطاب ترامب المتشدد تجاه طهران، أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لرئيس الموساد، يوسي كوهين، وكبار موظفي مجلس الأمن القومي، في ديوانه بالتواصل مع فريق ترامب لوضع آليةٍ تضمن تحقيق هذه الأهداف.
لكن، عند إمعان النظر في السلوك والتحرّكات الإسرائيلية، يمكن الاستنباط أنه قد حدث، أخيراً، تراجع على سقف التوقعات الإسرائيلية من إدارة ترامب، في كل ما يتعلق بالتحرك ضد إيران. وقد عكس هذا التراجع، بشكل خاص، زيادة تل أبيب جهودها السياسية والدبلوماسية الهادفة للتأثير على الموقف الروسي من إيران وتدخلاتها في سورية.
اكتشف الإسرائيليون حقيقة أن رهاناتهم على ترامب مبالغ فيها، حيث أدركوا أن خطه المتشدّد تجاه إيران يتعارض مع رهاناته على تطوير علاقة الولايات المتحدة مع روسيا؛ ما يعني أن
أية سياسات أميركية جديدة تجاه طهران ستأخذ بالاعتبار الموقف الروسي. ولما كانت موسكو تراهن على العوائد الاقتصادية لعلاقاتها مع إيران، المتمثلة في صفقات السلاح الهائلة، وبناء المفاعلات الذرية، إلى جانب العوائد الإستراتيجية المتمثلة في مساعدة موسكو على ضمان تأثيرها على الأحداث في المنطقة، فإن محافل التقدير الإستراتيجي في إسرائيل تستبعد أن تتعاون موسكو مع أي تحرك أميركي، يستهدف إيران في الساحة المهمة لها، وهي سورية. وفي حال أجبرت الانتقادات القاسية التي توجهها النخب السياسية ووسائل الإعلام الأميركية إلى ترامب، بسبب الاتصالات مع روسيا، في أثناء الحملة الانتخابية، إلى اتخاذه سياسة متشددة تجاه موسكو لذب الاتهامات عن نفسه وفريقه، فإن محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب تخشى أن مثل هذا التطور قد يدفع روسيا إلى تعزيز شراكتها الاستراتيجية مع طهران. في الوقت نفسه، يرى الإسرائيليون أن الخطاب المتشدد تجاه إيران الذي يتبناه ترامب يتناقض مع التوجهات الانعزالية لإدارته، ما يقلص من فرص اندفاعها لاستثمار مقدرات عسكرية وبشرية لمواجهة إيران. إلى ذلك، يرصد الإسرائيليون بعض مظاهر تشابك المصالح بين إدارة ترامب وإيران، ولا سيما في العراق ومحاربة "داعش". وفي الوقت نفسه، تراجعت رهانات تل أبيب على إمكانية أن يسهم ترامب في بلورة بيئة دولية تساعد على فرض عقوبات دولية على طهران. ولعل الكاتب الإسرائيلي، شمعون شامير، قد عبر عن خيبة الأمل الصهيونية هذه، عندما اعتبر أن "خطاب ترامب الفظ" تجاه الدول الأخرى والمؤسسات الدولية يقلص من فرص استجابتها لأي تحرك دولي، يمكن أن تقوده الولايات المتحدة ضد إيران (معاريف، 4/3/2017).
تدرك حكومة تل أبيب المعيقات التي تمت الإشارة إليها، وتحاول تقليص تأثيرها من خلال
الاعتماد على حلفائها الجمهوريين داخل الكونغرس، وتجنيدهم من أجل تمرير مزيد من مشاريع القوانين التي تنص على فرض عقوبات جديدة على إيران؛ إلى جانب أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ يدفعون نحو سن قانونٍ يعتبر الحرس الثوري الإيراني تشكيلاً إرهابياً، وذلك لإرغام الإدارة على تشديد إجراءاتها ضد إيران. وهناك دعوات في إسرائيل لتوظيف الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، في محاولة "إغراء" بوتين بفك ارتباطه بإيران، بمقايضته بإلغاء العقوبات الأميركية التي فرضت على روسيا في أعقاب احتلال شبه جزيرة القرم. لكن فرص قبول هذه الدعوة تؤول إلى الصفر، في ظل الضجيج الإعلامي الذي يحدثه الكشف عن اتصالات فريق إدارة ترامب مع روسيا خلال الحملة الانتخابية.
من هنا، يمكن النظر إلى زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي لروسيا، وهي الخامسة من نوعها، على أنها تأتي نتاج تراجع سقف التوقعات الإسرائيلية من إدارة ترامب، فنتنياهو يحاول الحصول على ضماناتٍ روسية بألا تفضي مخرجات مفاوضات أستانة بين قوى المعارضة السورية والنظام إلى إضفاء شرعية على وجود إيران وحزب الله في سورية، ولا سيما في منطقة الجولان. ومن الواضح إن الإسرائيليين غير مطمئنين للتطمينات التي قدمها لهم نائب وزير الخارجية الروسي، أولغ سيرمولوطوف، الذي تعهد بإخراج الحرس الثوري وحزب الله من سورية بمجرد انتهاء المواجهة هناك (جيروسالم بوست، 21/2/2017).
ما تقدم يشي ببؤس رهان بعض الدول العربية على دور إدارة ترامب في التصدي لإيران، فإذا كانت إسرائيل، الحليف الاستراتيجي الأقرب للولايات المتحدة، غير مطمئنة إلى قدرة هذه الإدارة على مواجهة أطماع إيران في المنطقة؛ فهل من المعقول أن تضع الدول العربية التي يتعاطى معها ترامب بقدرٍ كبير من الابتزاز والعنصرية والاستخفاف، كل البيض في السلة الأميركية.
اكتشف الإسرائيليون حقيقة أن رهاناتهم على ترامب مبالغ فيها، حيث أدركوا أن خطه المتشدّد تجاه إيران يتعارض مع رهاناته على تطوير علاقة الولايات المتحدة مع روسيا؛ ما يعني أن
تدرك حكومة تل أبيب المعيقات التي تمت الإشارة إليها، وتحاول تقليص تأثيرها من خلال
من هنا، يمكن النظر إلى زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الخميس الماضي لروسيا، وهي الخامسة من نوعها، على أنها تأتي نتاج تراجع سقف التوقعات الإسرائيلية من إدارة ترامب، فنتنياهو يحاول الحصول على ضماناتٍ روسية بألا تفضي مخرجات مفاوضات أستانة بين قوى المعارضة السورية والنظام إلى إضفاء شرعية على وجود إيران وحزب الله في سورية، ولا سيما في منطقة الجولان. ومن الواضح إن الإسرائيليين غير مطمئنين للتطمينات التي قدمها لهم نائب وزير الخارجية الروسي، أولغ سيرمولوطوف، الذي تعهد بإخراج الحرس الثوري وحزب الله من سورية بمجرد انتهاء المواجهة هناك (جيروسالم بوست، 21/2/2017).
ما تقدم يشي ببؤس رهان بعض الدول العربية على دور إدارة ترامب في التصدي لإيران، فإذا كانت إسرائيل، الحليف الاستراتيجي الأقرب للولايات المتحدة، غير مطمئنة إلى قدرة هذه الإدارة على مواجهة أطماع إيران في المنطقة؛ فهل من المعقول أن تضع الدول العربية التي يتعاطى معها ترامب بقدرٍ كبير من الابتزاز والعنصرية والاستخفاف، كل البيض في السلة الأميركية.