وعلى الرغم من تأكيدات مختلف المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال الأشهر الأخيرة، عدم وجود أي نوايا للتوجّه إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، إلا أنه، وكما جرت العادة بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة، جاءت الشرارة من حليف حزب "العدالة والتنمية" في التحالف الجمهوري، زعيم "الحركة القومية"، دولت بهجلي، الثلاثاء الماضي، بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في 26 أغسطس/آب المقبل، تلاها اجتماع بين بهجلي وأردوغان في القصر الرئاسي في العاصمة التركية أنقرة، تم على أثره اتخاذ قرار بإجراء الانتخابات في 24 يونيو/حزيران المقبل.
وعلمت "العربي الجديد" بأن مبادرة بهجلي لم تكن من دون تنسيق مسبق مع "العدالة والتنمية"، بل جاءت بعد زيارة قام بها وزير العدل التركي، عبد الحميد غول، لبهجلي، قبل ثلاثة أسابيع، وتم خلالها مناقشة أمر التوجّه لانتخابات مبكرة.
دوافع تقديم الانتخابات
وعلى الرغم من تبريرات المسؤولين الأتراك وكذلك قيادات "الحركة القومية"، التوجّه لانتخابات مبكرة بالمؤامرات التي تحاك ضد تركيا وأيضاً لحماية التحالف الجمهوري بين الحزبين، والذي تم من خلاله تعديل الدستور، إلا أن أياً من التصريحات لم توضح ما هي هذه المؤامرات.
وبدا واضحاً أن الحزبين يودان استغلال ارتفاع شعبيتهما، بعد نجاح عملية "غصن الزيتون" ضد حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) في عفرين السورية، وتوجيه ضربات قوية لـ"العمال الكردستاني" داخل البلاد. وكذلك لتجنّب ترافق الانتخابات مع التبعات السلبية على شعبية الحزبين في حال تفاقم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد التركي، خصوصاً انخفاض الليرة التركية بشكل كبير والذي ترافق مع ارتفاع في معدلات التضخم، وأزمة كبيرة يشهدها القطاع العقاري التركي، الذي يُعتبر واحداً من أكبر محركات الاقتصاد. بينما بات القصر الرئاسي يسيطر إلى حد كبير على مختلف وسائل الإعلام التركية، بعد إنهاء صفقة بيع أكبر مجموعة إعلامية معارضة، مجموعة "دوغان" الإعلامية، لمجموعة شركات دمير أوران، المعروفة بقربها من الرئاسة.
ويبدو أن التوجّه لانتخابات مبكرة، جاء بشكل مدروس بعد انتهاء حزب "العدالة والتنمية" من تحضيراته لها، إثر إجرائه عملية تجديد واسعة لكوادره على مستوى الفروع في معظم الولايات، من خلال المؤتمرات التي تم إجراؤها خلال الأشهر الستة الأخيرة، والتي نتج عنها إبعاد جميع المشكوك بولائهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الحزب، سواء ممن عارضوا بشكل مستتر التحوّل للنظام الرئاسي من أنصار رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، والرئيس التركي السابق، عبدالله غول، أو من شبكات وموالي حركة "الخدمة" المتهمة الأولى بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز 2016.
وعلى الرغم من المصالحة التي حصلت في وقت سابق من العام الحالي، بين أردوغان وداوود أوغلو، وتم إظهارها عبر دخول الأخيرين برفقة رئيس الوزراء التركي الحالي، بن علي يلدرم، إلى أحد الاجتماعات الأسبوعية لكتلة الحزب البرلمانية، إلا أن المحسوبين على داوود أوغلو لا زالوا مبعدين بشكل كامل عن دوائر الحزب.
وضع صعب للمعارضة
في غضون ذلك، تبدو آمال المعارضة بتحقيق أي انتصار في الانتخابات المقبلة ضئيلة للغاية إن لم تكن معدومة، في ظل العجز المستمر لحزب "الشعب الجمهوري" (الكماليين وأكبر أحزاب المعارضة) عن إنتاج أي مشاريع سياسية أو مصالحات تاريخية مع الأوساط الاجتماعية المحافظة والمتديّنة التي نالها الكثير من الظلم خلال الحقب التي سبقت وصول "العدالة والتنمية" إلى الحكم. وكذلك في ظل سيطرة زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو، والذي لا يبدو بأنه يتمتع بأي كاريزما قادرة على كسر حلقة الهزائم المتواصلة وتجاوز نسبة 25 في المائة من الأصوات التي يحصل عليها منذ أكثر من عقد.
وبعد إعلان التوجّه لانتخابات مبكرة، بدت المعارضة وعلى رأسها "الشعب الجمهوري" وكأنها في ورطة كبيرة، إذ يجب حسم أمر تحالف مختلف أحزاب المعارضة لمواجهة التحالف الجمهوري وكذلك اسم مرشح التحالف الجديد للرئاسة الذي سيواجه أردوغان.
ولا زالت حتى الآن قائمة المرشحين المحتملين لمواجهة أردوغان غير واضحة، ويبدو أن السيناريو المتعلق بإمكانية ترشيح الرئيس التركي السابق عبدالله غول، للرئاسة عن تحالف معارض بين "الشعب الجمهوري" وحزب "السعادة" الذي أسسه رئيس الوزراء التركي الراحل نجم الدين أربكان، ليس محسوماً بعد، بل يواجه الكثير من العقبات، وعلى رأسها صعوبة إقناع قواعد حزب "السعادة" من أنصار حركة "ميلي غروش" بالتحالف مع العدو التاريخي ممثلاً بالكماليين. ونقلت صحيفة "حرييت" التركية واسعة الانتشار عن كلجدار أوغلو، قوله إن "ترشيح غول ليس على الأجندة حتى الآن"، مشيراً إلى أن لديه قائمة من المرشحين المحتملين في رأسه مكوّنة من ثلاثة إلى خمسة أسماء.
ولا يبدو أن كلجدار أوغلو قد حسم أمر ترشحه للرئاسة من عدمه، إذ من المنتظر أن يعقد مجلس قيادة الحزب اجتماعاً الأسبوع المقبل، لتحديد الأمر. ومقابل تأكيد المتحدث باسم "الشعب الجمهوري" النائب بولنت تزجان، يوم الخميس الماضي، أن "كلجدار أوغلو أكبر مرشح بالنسبة للشعب الجمهوري"، تُظهر تصريحات رئيس الحزب أنه لم يحسم قراره بعد، إذ بدت تصريحاته يوم الخميس ضبابية في رده حول احتمال كونه مرشحاً للرئاسة من عدمه، بالقول: "إن من يحدد مرشح الشعب الجمهوري ليس أنا ولكن الأجهزة الحزبية، في الأيام المقبلة سيجتمع مجلس قيادة الحزب، وسنجتمع مع باقي قيادات الأحزاب وسنحدد المرشح"، وذلك بينما أكد نائب كلجدار أوغلو، أوزتورك يلماز، أمس الجمعة، أنه سيكون مرشحاً للرئاسة في حال لم يترشح رئيس الحزب.
في غضون ذلك، أكد منافس أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2014، أكمل الدين إحسان أوغلو، والذي بات نائباً عن "الحركة القومية"، أنه سيلتزم بقرار حزبه، وسيصوّت للمرشح الذي يختاره الحزب، علماً بأن زعيم "الحركة القومية" أعلن منذ أشهر أن حزبه سيؤيد أردوغان.
يأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) من ضعف كبير، بسبب فشله في اتخاذ موقف يدين هجمات "العمال الكردستاني" في الداخل التركي، وكذلك بعد أن تم إسقاط عضوية معظم قياداته في البرلمان وسجنهم بتهم دعم إرهاب "العمال الكردستاني"، وكان آخرهم يوم الخميس، النائب عثمان بايدمير، الذي أسقطت عضويته البرلمانية، وهو واحد من آخر القيادات الكبيرة المتبقية خارج السجن.
وعلى الرغم من تداول الشارع التركي الحديث عن وجود حظوظ كبيرة لـ"الحزب الجيد" برئاسة النائبة السابقة، ميرال أكشنر، والمكوّن بشكل أساسي من منشقين عن "الحركة القومية"، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي، شهدت يوم الخميس، تداولاً لبيان منسوب للهيئة العليا للانتخابات التركية يظهر أن "الحزب الجيد" لا يمكن أن يشارك في الانتخابات، بسبب عدم مضي ستة أشهر على تأسيسه، غير أن الهيئة العليا قامت بتكذيب البيان، ومن المنتظر أن تقوم بحسم أمر مشاركة الحزب من عدمه في الأيام المقبلة.
ويفرض قانون الأحزاب التركية على أي حزب أن يمضي ستة أشهر على تأسيسه للمشاركة في الانتخابات. وأكدت أكشنر، يوم الخميس، أن حزبها يستوفي الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات، إذ "سيُكمل مدة ستة أشهر على تأسيسه في العاشر من يونيو". يُذكر أن أكشنر ورفاقها في الحزب خاضوا معركة كبيرة ضد زعيم "الحركة القومية"، دولت بهجلي، على المستوى القانوني وداخل الحزب، وبعد مسيرة معقّدة وصعبة لمحاولة إزاحة بهجلي عن قيادة الحزب، اضطرت أكشنر لتأسيس حزب جديد.
وأشار كبير مستشاري أكشنر، جيهان باجاجي، يوم الخميس الماضي، إلى أن الحزب يمتلك خططاً أخرى في حال لم يتم السماح له بخوض الانتخابات، مشدداً على أن الأخير أتم الشروط القانونية، وأن أكشنر هي المرشحة للرئاسة. وقال باجاجي: "بانعقاد الجمعية العامة للحزب في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، يكون الحزب قد أتم الشروط القانونية لخوض الانتخابات، أما مدة الستة أشهر، فالحزب سيتمها في 22 يونيو/حزيران المقبل، وإن تصرفت الهيئة العليا للانتخابات بموضوعية فالحزب سيشارك في الانتخابات، وهناك خطة باء للحزب وأيضاً خطة جيم".
ويبدو أن "الخطة باء" تقوم على أن يتّحد "الحزب الجيد" مع "الحزب الديمقراطي" (حزب يميني صغير)، ويعقد خلال 15 يوماً جمعية عامة، وبالتالي تحصل المشاركة تحت اسم "الحزب الديمقراطي". أما "الخطة جيم"، فتقوم على أن يعمد "الحزب الجيد" إلى التعاون مع حزب "الشعب الجمهوري"، وتقوم مجموعة من 15 نائباً في الأخير بالانضمام لمجموعة "الحزب الجيد" المكوّن من 5 أعضاء، وبالتالي تشكيل مجموعة برلمانية لـ"الحزب الجيد" في البرلمان الحالي، بما يجعل منعه من المشاركة أمراً مستحيلاً بحسب القانون.