مفاوضات "حامية" بين صندوق النقد ولبنان تشي ببرنامج مالي مشروط بإصلاحات جذرية

بيروت

حيدر عبدالله الحسيني

avata
حيدر عبدالله الحسيني
24 فبراير 2020
9E5760A3-128B-4545-9944-C8E26A768E3C
+ الخط -
أكدت مصادر وزارية لـ"العربي الجديد" أن تمديد بعثة "صندوق النقد الدولي" إقامتها في لبنان، وعقدها اجتماعات متلاحقة مع المسؤولين انتهت مساء اليوم الاثنين، إنما تؤكد ما كشفته سابقاً من أن المفاوضات تذهب أبعد من المشورة باتجاه طلب برنامج مالي مشروط بإصلاحات جذرية، ولو بعد حين.

وقالت مصادر في بعثة "صندوق النقد الدولي"، فضلت عدم التصريح حول مضامين الزيارة، لـ"العربي الجديد" أن بياناً صحافياً سوف يصدر عن الصندوق، صباح غد الثلاثاء، يشير إلى خلاصة مباحثات الوفد الذي ينتقل إلى واشنطن لإطلاع مديري الصندوق على الآراء التي كوّنها من اجتماعاته البيروتية.

أما المصادر فقد قالت، في معلومات خاصة، إن وفد الصندوق استطلع أجواء مختلف الاتجاهات السياسية استجلاء لمدى جدية الحكومة اللبنانية بالتعاون مع السلطات الأُخرى، لا سيما التشريعية، أي مجلس النواب، لتمرير إصلاحات عملية يتقبّلها الرأي العام اللبناني بدعم (أو ضغط) من كبار المسؤولين، قبل أن يقرر طبيعة الدعم "الإنقاذي" وما إذا كان سيكتفي بتقديم المشورة الفنية، كما هو مُعلن، أم أن الاتجاه سيذهب أكثر باتجاه طلب برنامج نقدي يُلزم لبنان بتدابير "غير شعبية".

ومع أن المصدر فضّل عدم الغوص في تفاصيل الإصلاحات المقصودة، إلا أنه رجّح أن تشمل مجموعة أمور أساسية، يتصدّرها إصلاح قطاع الكهرباء وتعويم سعر الليرة اللبنانية، الذي أصبح أكثر مقبولية بعدما فقدت العملة الوطنية أكثر من 60% من قيمتها، فضلاً عن "ترشيق" القطاع العام، ومكافحة التهريب والتهرّب الضريبي، وزيادة بعض الضرائب والرسوم، لا سيما ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار المحروقات.

وينسجم ما قالته مصادر "العربي الجديد" مع ما قاله وزير مالية فرنسا، برونو لومير، في أبوظبي اليوم الاثنين، من أن باريس تدرس خيارات مختلفة لمساعدة لبنان على التعافي من أزمته المالية، ومن بينها برنامج لـ"صندوق النقد الدولي"، إذا سعت الحكومة اللبنانية إلى ذلك، مشيراً إلى أنه بحث الوضع في لبنان مع القيادة الإماراتية.

وبعدما كان متوقعاً أن تغادر البعثة بيروت مع نهاية الأسبوع المنصرم، على أن يعود وفد إلى بيروت عند الضرورة في أقرب وقت، أرجأت البعثة رحلتها إلى واشنطن، وأجرت مجموعة لقاءات واجتماعات شملت رئيس الحكومة حسّان دياب وفريقه الاقتصادي وعدداً من الوزراء.

كما التقت بعثة الصندوق، لأكثر من ساعة، رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، إبراهيم كنعان، والنائب ياسين جابر في مجلس النواب.

كنعان قال بعد اللقاء: "استمعنا إلى أعضاء الوفد وما توصّلوا إليه حتى اليوم نتيجة لقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقوهم. وكانت مناسبة لعرض مشاريع الإصلاحات والتوصيات التي أصدرتها لجنة المال والموازنة منذ عام 2010 في معرض دراستها للموازنات السابقة والحالية، إن على صعيد تخفيض النفقات وضبط العجز ومكافحة الهدر والفساد في الإدارة اللبنانية والمؤسسات العامة، أو الإصلاحات البنيوية التي ضمّنتها موازنة 2020، وإعادة تكوين الحسابات المالية وتدقيقها".

وأضاف: "أكدنا دعمنا فريق العمل الحكومي لجهة صياغة خطة متكاملة تشمل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الدين العام، خطة اقتصادية مالية شاملة تؤدي إلى استعادة الثقة بلبنان وماليته وقطاعه المصرفي".

سندات اليوروبوند

ومع اقتراب 9 مارس/آذار المقبل، موعد استحقاق سندات دولارية (يوروبوند) على الحكومة اللبنانية بقيمة 1.2 مليار دولار، نقلت رويترز عن مصدر قريب من الحكومة اللبنانية، اليوم الاثنين، قوله إن لبنان سيعين "كليري غوتليب ستين أند هاملتون" لتقديم المشورة القانونية بخصوص سنداته الدولية، بينما يتوقع المستثمرون ووكالات التصنيف الائتماني أن يعيد البلد المثقل بالدين هيكلة ديونه.

وقال المصدر إن المسؤولين في المراحل الأخيرة لاختيار الشركة التي سيتقرر تعيينها بشكل منفصل كمستشار مالي.

في السياق، عقد مجلس إدارة "تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم" اجتماعاً خُصّص لمناقشة استحقاقات "اليوروبوند، وقال رئيس التجمع فؤاد زمكحل بعد اللقاء، إن "جوهر المسألة ليس بالدفع أو الامتناع عن الدفع، لأنه واجب على كل مدين أن يسدد مستحقاته، أو المصارحة والتفاوض مع الدائنين، وإلا سيضطر إلى مواجهة دعاوى قضائية دولية، قد تؤذي البلد ككل والمواطنين والشركات".

واعتبر أن "الأولوية القصوى يجب أن تكون مصارحة حاملي السندات ودعوتهم إلى مناقشة شفافة حول الوضع الراهن، والتفاوض البناء معهم، لإيجاد حل لإعادة جدولة هذه الديون، أو حتى دفع قسم منها، مع جدول زمني على المدى القصير، المتوسط والبعيد".

ورأى أن "قرار الدفع أو التعثر حيال الاستحقاقات يجب ألا يكون قراراً مستقلاً، بل أن يكون ضمن إستراتيجية متكاملة متضامنة تضمن الإصلاحات المرجوة والموعودة منذ مؤتمر باريس-1، وخطة إنقاذ استثنائية، واستراتيجية متكاملة على المدى القصير، المتوسط والطويل".
وشدّد على أن "أزمتنا الأساسية هي أزمة ثقة بامتياز. لذا يجب إدراك هذا الأمر الخطير بالشفافية التامة والتواصل مع المجتمع الداخلي والخارجي، والقبول بالواقع المؤلم، للبدء في المواجهة والخروج من الأزمة في أسرع وقت ممكن".

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قال، الأسبوع الماضي، إن إعادة هيكلة الدين هي الحل الأمثل لاستحقاقات السندات الدولية الوشيكة، كما أعلنت وزارة المالية، يوم الجمعة الماضي، أنها طلبت مقترحات من 12 شركة لتقديم المشورة المالية بخصوص إعادة هيكلة محتملة للدين.

وأوضحت أن الشركات هي "لازارد" و"روتشيلد" و"غوغنهايم بارتنرز" و"هوليهان لوكي" و"سيتي بنك" و"جيه. بي مورغان" و"بي. جيه. تي بارتنرز" و"نيوستيت بارتنرز" و"ستاندرد تشارترد" و"جي. إس. إيه كابيتال بارتنرز" و"دويتشه بنك" و"وايت أوك".

في غضون ذلك، لا يزال الدولار يحوّم حول مستويات تناهز عتبة 2500 ليرة التي بلغها عدة مرات، في حين أن سعر الصرف الرسمي لا يزال ثابتاً عند 1507.5 ليرات سعراً وسطياً.

وبدا تأثير أزمة الديون واضحاً في تصنيفات لبنان الدولية، حيث خفضت "ستاندرد أند بورز"، الأسبوع الماضي، تصنيف لبنان السيادي توقعا لإعادة هيكلة الدين. وأخذت "موديز" خطوة مماثلة، قائلة إن التصنيف ينسجم مع توقعات بأن يتكبد الدائنون من القطاع الخاص خسائر كبيرة في أي إعادة هيكلة للدين. كذلك، قالت "فيتش" هي الأخرى إن وضع لبنان المالي يشير إلى إعادة هيكلة الدين.

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون