وشهد اجتماع اليومين الماضيين إعلاناً مصرياً هو الأول من نوعه عن التراجع عن بعض الثوابت السابقة، حيث أعلن وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي استعداد بلاده لما وصفه بـ"إعادة النظر في جوانب معينة" من موقفها ونقاط المعارضة السابق ذكرها في الاجتماعات الماضية، وأنها "مستعدة للمشاركة في إنتاج أفكار إبداعية للحلول".
من جهته، أعلن وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي، أن بلاده ستبدأ حجز المياه في بحيرة التخزين الرئيسية لسد النهضة في يوليو/ تموز المقبل، وهي خطوة اعتبرتها مصادر دبلوماسية مصرية "إيجابية، وتعكس مرونة طارئة على الموقف الإثيوبي"، على عكس ما قد يتبادر إلى أذهان المتابعين. وبحسب المصادر، فإن من المشاكل التي كانت تعرقل في الماضي التوصل إلى حلول واقعية، اعتبار إثيوبيا هذه المعلومة "سرّية"، وأن تحديد توقيت معين لبدء التخزين سيتيح للدول الثلاث البدء في تجريب آليات التحكم الدورية أو غير الدورية، التي سيُتَّفَق عليها، في مسألة حجز كميات المياه في أوقات الفيضان والجفاف، دون الارتباط بعدد معين من السنوات، وهي الفكرة الجديدة التي يقوم عليها المقترح المصري، المدعوم من الولايات المتحدة.
وأضافت المصادر أن إعادة النظر التي تحدث عنها وزير الري المصري ترتبط بموضوعين أساسيين: الأول، أن يتم الاتفاق على آلية ترشيد الحجز في فترات الجفاف فقط، وليس في فترات الفيضان والرخاء، حيث كانت تطالب مصر بتحديد كميات المياه المحجوزة والكميات المسموح بمرورها من السد، عاماً بعام، من خلال آلية رقمية وكمية يجري تطبيقها استناداً إلى حجم الفيضان السنوي للنيل الأزرق، على أن يكون هناك خطة زمنية واضحة اليوم لملء السد، تُطبَّق بصورة طبيعية في سنوات الفيضان، وعلى أن تتفق الدول الثلاث على آلية معينة يجري اتباعها في سنوات الجفاف. والأمر الثاني، تحديد سلطة اتخاذ القرار وتطبيقه، حيث تتجه المفاوضات أيضاً إلى أن تكون إثيوبيا الدولة المنوط بها تنفيذ هذه الآلية، مع استثناء، هو إعطاء الفرصة لكل من مصر والسودان للتدخل في سنوات الجفاف لإدخال تعديلات على هذه الآلية بناءً على اتفاق مشترك.
وبينما أعلن الجانب السوداني سلفاً أنه تقدم بمقترح وسط بين الموقفين المصري والإثيوبي، ذكرت مصادر مطلعة على مجريات التفاوض أن هذا المقترح طالب الإثيوبيين بأن يحددوا بوضوح موعد البدء في التخزين، حتى توضَع الاحتمالات بناءً على المواعيد المقررة.
وكانت مصر تقترح سابقاً تحديد كميات التدفق والتخزين بالنسبة إلى قياس منسوب المياه في بحيرة ناصر، بينما كانت أديس أبابا تتمسك بأن الحفاظ على منسوب المياه في البحيرة عند 165 أو 170 متراً قد يؤدي إلى حرمانها إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً إلى تدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وسبق لمصادر في وزارة الري المصرية أن أكدت عقب اجتماع واشنطن الأخير بين وزراء الخارجية والمياه خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أن الاجتماعات المقبلة ستخصص لبحث وضع خريطة زمنية معقولة بناءً على حجم فيضان النيل الأزرق المتوقع في السنوات القادمة، وهو أمر سيستغرق نقاشاً طويلاً بين القاهرة التي كانت ترغب في ألا تقل عدد سنوات الملء الأول عن سبع، وأديس أبابا التي كانت ترغب في تحديدها بثلاث فقط، والسودان التي تقترح خمس سنوات. ويأخذ النقاش في الاعتبار أن المقترح المصري الجديد لا يتمسك بعدد معين لسنوات الملء، لكن التطوير الطارئ على المقترح وفقاً لمخرجات المفاوضات يلزم الجميع بتحديد خطة زمنية، ولو مبدئية، وعلى الأقل موعد لبداية الملء الفعلي، في ضوء بيانات الفيضان. ووفقاً للحسابات المصرية، إن ملء سد النهضة إذا كان قد بدأ في العام الحالي، الذي شهد ارتفاعاً في منسوب الفيضان، لم يكن منسوب المياه في السد العالي سيتضرر على الإطلاق.
أما الملف الثاني الذي سيُبحَث في ما بقي من وقت، فهو كيفية وضع الآلية البديلة في حالة الجفاف، والمبادئ التوجيهية والقواعد التي يجب أن توضع بعناية وحسم لتحكم إدارة الإثيوبيين للسد، وتحديد دواعي تدخل مصر والسودان وكيفية التواصل بين الدول الثلاث في هذه الحالة.
وكان وزراء خارجية الدول الثلاث قد أعلنوا في واشنطن في العاشر من الشهر الحالي "إحراز تقدم على صعيد المفاوضات الفنية"، مؤكدين أن "هناك فوائد كبيرة لجميع البلدان الثلاثة في وضع قواعد ومبادئ توجيهية لمعالجة ظروف الجفاف، ستشمل تدابير تخفيف الجفاف بناءً على التدفق الطبيعي في سنة معينة ومعدلات إطلاق المياه من السد، وأن إثيوبيا هي التي ستطبق هذه القواعد والمبادئ التوجيهية التقنية لملء وتشغيل السد، ويمكن تعديلها من قبل الدول الثلاث، وفقاً للظروف الهيدرولوجية في سنة معينة".
ومن المقرر ضرورة الوصول إلى اتفاق بتحديد قواعد ملء وتشغيل السد بحلول منتصف يناير المقبل، وفي حالة الفشل تكون مصر قد نجحت في تمرير اتفاق على تطبيق المادة 10 من إعلان المبادئ، التي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير أو تنفيذ الاتفاقية، ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة على النظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.