تحلّ الذكرى السبعون لانتصار الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية في 9 مايو/أيار 1945، أو "يوم النصر"، غداً السبت، وسط محاولات حثيثة للولايات المتحدة لتكريس مقاطعة واسعة للاحتفال الذي تقيمه روسيا في موسكو. تعتمد واشنطن على نموذج المقاطعة الذي أرسته في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي أُقيمت في موسكو في عام 1980، على خلفية دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان في العام عينه. مع العلم أن النموذج نفسه فشل في تأمين مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي الروسية، العام الماضي، على خلفية دعم موسكو للانفصاليين في النزاع الأوكراني. بالتالي تعمل الولايات المتحدة على حشد مقاطعة كبيرة لإفشال العرض العسكري، الذي أعدته موسكو من أجل الاحتفال بأحد أهمّ محطات تاريخها الوطني.
وكانت روسيا قد وجّهت دعواتها إلى زعماء 68 دولة لحضور الاحتفال، وأكد أكثر من 30 زعيماً منهم حضوره، من بينهم جميع رؤساء رابطة الدول المستقلة تقريباً، ومصر، والهند، وكوبا، والصين، وفييتنام، وفنزويلا، واليونان، وفلسطين، وغيرها. لكن عيد هزيمة النازية لم ينجُ من آثار المواجهة الجيوسياسية بين الغرب الأطلسي وروسيا، كما لم ينج من اصطفاف الجمهوريات السوفييتية السابقة بينهما. وفي حين أن دول البلطيق السوفييتية السابقة انضمت إلى الأطلسي، والتزمت بمواقف واشنطن، فإن جورجيا وأوكرانيا تطمحان إلى ذلك، وتصعّدان ضد روسيا.
في المقابل ذلك، تعدّ جمهوريات أخرى معنية بالذكرى، مثل رئيس كازاخستان، نور سلطان نازارباييف الذي أكد مشاركته في الاحتفال، واعتبر أن 9 مايو عيد لبلاده أيضاً. وقال "كان عدد سكان كازاخستان قبل الحرب 8 أو 9 ملايين نسمة، دُعي منهم مليونان إلى الحرب، ولا أحد يتحدث عن ذلك اليوم. نصفهم لم يعودوا. لذلك نحتفل بيوم النصر باعتباره عيدنا".
أما الموقف الأكثر تطرفاً ضد موسكو، فجاء على لسان رئيس المفوضية الأوروبية، رئيس وزراء بولونيا السابق، دونالد توسك، الذي لم يكتف برفض القدوم إلى موسكو، بل نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن صحيفة "غازيتا فيبورتشا" البولونية، قوله "تلقيت الدعوة، لكنني لن أذهب". ووصف "التواجد في استعراض عسكري إلى جانب مُعتدٍ يؤيد أولئك الذين يستخدمون السلاح ضد المدنيين في شرق أوكرانيا، ازدواجية".
اقرأ أيضاً بوتين يبحث عن ثأره: ألمانيا البداية والنهاية
أما فرنسا فتحلّت بالدبلوماسية أكثر، إذ اعتذر الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، عن عدم الحضور، وعلّل قصر الإليزيه ذلك بمواعيد أخرى كانت مقررة سابقاّ في هذا اليوم. ومن بين الزعماء الذين لن يلبوا دعوة الكرملين: رؤساء الولايات المتحدة، ومونتينيغرو، وبلغاريا، وسلوفينيا، وبولندا، وإسرائيل، وفنلندا، ولاتفيا، وليتوانيا، واليابان، وأستونيا. كما ذكرت قناة "برافدا" أن "المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لا تستطيع زيارة موسكو غداً، ويُنتظر أن تأتي إلى العاصمة الروسية في العاشر منه. وتخطط ميركل لوضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول في زيارتها".
ومن الأقربين، أصحاب المواقف الإشكالية، رئيس روسيا البيضاء، ألكسندر لوكاشينكو، الذي أعلن أنه سيكون يوم الاحتفال في مينسك، حيث سيُشرف على العرض العسكري هناك. ونقلت وكالة "بيلتا" الروسية البيضاء قوله إنه "أمر غير مقبول أن يغيب القائد العام للقوات المسلحة، فوفقاً للدستور لا يُمكن لأحد غير القائد العام أن يستقبل العرض العسكري".
وأضاف أنه "على الأرجح سنتمكن مع وفد من روسيا البيضاء من زيارة موسكو، ونستعرض وحدتنا مع الشعب الروسي وغيره". وأضاف أن "موسكو تشهد نشاطات في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ورابطة الدول المستقلة واتفاقية الأمن الجماعي، وسأشارك فيها".
وفيما يتعلق بردود الفعل الروسية الرسمية على مقاطعة احتفالاتها من قبل واشنطن وحلفائها، نقل موقع وزارة الخارجية الروسية الرسمي عن الوزير سيرغي لافروف قوله "لا أود أن أجعل من المقاطعة مشكلة كبيرة، فهناك من يمتنع لأسباب أيديولوجية، محاولاً استغلال هذا اليوم المقدس لخدمة نهجه لتحجيم روسيا وعزلها، وهناك من تبعهم، وهناك من خاف. ولكن ذلك لا يؤثر بالمطلق في حقيقة أن هذا العيد عيدنا جميعاً".
بالنسبة إلى أوكرانيا التي شكّل النزاع المسلّح فيها، وتدخّل روسيا فيه، سبباً مباشراً للمقاطعة، فقد شارك رئيسها، بيترو بوروشينكو، في احتفالات "انتهاء الحرب العالمية الثانية" في مدينة غدانسك البولندية، في وقتٍ تبدو فيه بولندا من أكثر الدول الأوروبية الرافضة لروسيا وإزعاجاً لها.
ولم تقف كييف عند الخطوة المشبعة بالرمزية نحو وارسو، بل ذهب البرلمان الأوكراني نحو إقرار قوانين لاجتثاث الشيوعية، وتدمير رموز العهد السوفييتي، وتحظر حمل شرائط غيورغي، والميداليات التي نالها قدامى المحاربين بدمائهم. تدرك كييف كم تعمّق هذه الخطوة عداء الروس لها.
اقرأ أيضاً 6 يونيو/ حزيران: نكسة عربية ونصر أوروبي