يُعرّف موقع "ويكيبيديا" الغصّة بأنها "حالة انسداد لمجرى الهواء تؤدي إلى النقص الشديد في المعروض من الأوكسيجين إلى الجسم، والذي ينشأ من عدم القدرة على التنفس بشكل طبيعي"، وهو تعريف يختلف جوهراً ومضموناً عن التعريف السياسي اللبناني لهذه العملية الخانقة.
للغصّة السياسية في لبنان تعاريف بعدد وزارات حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية له، والأولى في عهد الرئيس ميشال عون. 30 وزارة بالتمام والكمال اختارها الحريري لتُمثّل أوسع دائرة من التوافق السياسي الذي قام على ركيزتين اقتصاديتين، هما: الاستثمار في قطاعي النفط والاتصالات. وعلى هامش هذا التوافق تقع حياة المواطنين ورفاه العيش لهم. بحسب وزير السياحة، أفيديس كيدانيان، "لن يغص المواطنون" عند رفع تعرفة خدمة ركن السيارة في بيروت الإدارية إلى 6.5 دولارات أميركية، في بلد لا يؤمن الحدود الدنيا من التنظيم المدني، ويبلغ الحد الأدنى للأجور فيه نحو 450 دولاراً أميركياً. وبعكس ما يظن القُراء العرب فإن خدمة ركن السيارة لا تُعتبر رفاهية في بيروت التي تندر المواقف فيها.
لن يغُصّ اللبنانيون أيضاً بوعد مُتجدد منذ تاريخ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990، بعودة التيار الكهربائي طوال ساعات اليوم، بعيداً عن جدول التقنين المُستمر. الوعد لوزير الداخلية والبلديات، نهاد المشنوق، "وبعد 6 أشهر". قد يستغرب أي من سكان الكوكب، المُقيمين خارج الشرق الأوسط، أن يتدخل وزير الداخلية في ملف الكهرباء (من اختصاص وزير الطاقة والمياه)، ولكن قاعدة "لا أحد يعمل في مجال اختصاصه" لا تطاول خريجي الجامعات فقط، بل جميع الوزراء أيضاً.
لم يغُصّ اللبنانيون بوجبة الضرائب الدسمة التي طاولت جيوبهم قبل شهر واحد فقط. زادت الحكومة من إيرادات الدولة بواقع 300 مليون دولار، إلى جانب تغطية كلفة الرواتب المُعدلة لموظفي القطاع العام بقيمة مليار دولار سنوياً. خضع مليون و50 ألف مواطن يعملون في القطاع الخاص لاقتطاعات ضرائبية لتدفع الدولة رواتب 340 ألف موظف في القطاع العام. ولم يغصّوا. حتى "المعارضون" في لبنان يغُصّون أيضاً. للمعارضة أيضاً تعريف خاص، لأن مُعظم المعارضين - وهم قلّة - يُعارضون الحُكم في الملفات الإقليمية وبعض التفاصيل التقنية الداخلية، وليس في جوهر الحكم أو في ما يمسّ المواطنين. غصّ وزير العدل السابق، أشرف ريفي، أو كاد، عندما أحرجه القائم بالأعمال السعودي في لبنان، وليد البخاري، خلال زيارة مُشتركة للقائم بالأعمال السعودي وسفير الإمارات، حمد الشامسي، إلى منزل ريفي في مدينة طرابلس. سحب البخاري يده من يد ريفي عندما حاول الوزير السابق وأحد المُنافسين على وراثة "نهج الرئيس رفيق الحريري" رفع يديه المشبوكتين بيدي البخاري والشامسي. حرم سحب اليد السعودي ريفي من فرصة تسجيل نقطة على رئيس الحكومة، سعد الحريري، الذي غصّ بتزايد قوة منافسيه ضمن الطائفة قبيل الانتخابات. على أي حال لن يغُصّ معظم اللبنانيين إذا تأجلّت الانتخابات مُجدداً.