مقترحات عراقية بالتحول للنظام الرئاسي: الهيمنة الإيرانية أبرز الهواجس

05 نوفمبر 2019
يجد الشارع أن القوى غير مؤهلة للمهمة(حيدر همداني/فرانس برس)
+ الخط -

مع إقرار البرلمان العراقي، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وضمن حزم الوعود والقرارات الإصلاحية لتلبية مطالب المحتجين، لجنة برلمانية خاصة لبحث تعديل الدستور، تصاعدت دعوات سياسية لاعتماد النظام الرئاسي في البلاد بدلاً من البرلماني الحالي، في وقت يعارض فيه آخرون هذا التوجه. ولكل فريق أسبابه ومخاوفه، سواء بالتأييد أو الاعتراض، وسط غياب رأي الشارع نفسه، الذي يجد أن البرلمان الحالي والقوى المشاركة في العملية السياسية ككل غير مؤهلة للمهمة بسبب توجهاتهم الطائفية والمناطقية اللاوطنية.

آخر الدعوات كانت من زعيم تحالف "الفتح"، الذي يضم القوى السياسية المسلحة المقربة من إيران، هادي العامري، إذ قال، في بيان، إن "الحل الحقيقي يكون في ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور، ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية". واعتبر أن "النظام البرلماني ثبت فشله، ولم يعد يجدي نفعاً، ولذلك لا بد من تعديله إلى نظام آخر يناسب وضعنا"، في إشارة واضحة إلى تغيير نظام الحكم في العراق إلى رئاسي. وأقر العراق النظام البرلماني في دستوره الجديد، الذي كتب في العام 2005، برعاية أميركية، وبطريقة المحاصصة الطائفية، حيث انتدبت شخصيات سياسية بخلفيات طائفية، سنية وشيعية وكردية، في لجنة واحدة لكتابته، وهو ما نتج عنه دستور يرسخ عملية المحاصصة الطائفية، ويضمن مكاسب ومصالح القوى السياسية بعد الاحتلال الأميركي للعراق، من خلال جملة من البنود والقوانين التي تضمنها الدستور.

وقالت المتحدثة باسم ائتلاف "النصر"، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، آيات مظفر نوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلل في أداء الشخصيات التي تتبوأ المناصب، وليس في شكل النظام، فالنظام الرئاسي له ايجابيات وعليه سلبيات أيضاً، فهو يعطي للرئيس صلاحيات واسعة قد تُستغل ضد فئة معينة، ونحن في بلد متعدد الطوائف والأعراق، مثلما وصفته المرجعية". وأوضحت نوري "كما أن للنظام الرئاسي برلماناً منتخباً، وستكون الأحزاب موزعة فيه حسب ما تحصده من أصوات، وبالتالي فإن التشريعات والرقابة هي للبرلمان، ومحاربة الفساد تعتمد على القضاء. إن وجود شخصيات كفوءة لهذه المناصب سيُفعل عملها، ونرى نتائج إيجابية على أرض الواقع". وتابعت "إننا في ائتلاف النصر مع إجراء إصلاحات وتطوير النظام السياسي بما يخدم البلد وشعبه، ونعتبر أن الواجب الشرعي والأخلاقي يحتم علينا أن نوضح للشعب الآلية المعقدة لتغيير النظام، إذ إنه من الممكن أن يتم رفض أي تعديل بعدم موافقة 3 محافظات على الاستفتاء الشعبي لمسودة الدستور الجديد، ومنها محافظات لن تجد أن من مصلحتها تغيير النظام. وهنا سندور في حلقة مفرغة وإضاعة للوقت والجهد، وحرف البوصلة عن تحقيق المطالب الخدمية والقضاء على الفساد إلى خلافات سياسية حول تغيير النظام".

وقال القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أثيل النجيفي، لـ"العربي العربي"، إنه "قبل الحديث عن تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، لا بد من السؤال عما إذا كان الوقت مهيأ لتغيير الدستور، ومن سيكتب الدستور الجديد. نحن نعتقد أن العقليات الموجودة الآن في السلطة لن تستطيع تغيير الدستور، كما أن الشعب العراقي لن يتقبل أن تكون هي التي تُغير الدستور، خصوصاً أن هذه الجهات، حتى الساعة، مختلفة على كثير من الجزئيات في الدستور العراقي، ولم تتوصل، منذ سنين، إلى أي اتفاق حول تفسير المواد الدستورية". وبين النجيفي أن "الشعب العراقي يريد أن يحظى بفئة جديدة تعدل وتكتب الدستور الجديد، وليس الطبقة السياسية الحالية، التي هي سبب الأزمة التي يمر بها العراق حالياً. لهذا فإن الحديث عن تغيير النظام إلى رئاسي في غير موضعه. يجب أن يكون الحديث كيف سنعدل الدستور، خصوصاً أن الشعب لا يثق بالطبقة السياسية الحالية حتى تكتب دستوراً جديداً، كما أنها غير قادرة على تطبيق القانون، فكيف إذا تحدثنا عن تغيير دستوري كبير". وأضاف "كل هذا الكلام ليست له قيمة، إلا إذا كانت هناك جهات تريد إقناع الشعب والإطاحة بالدستور العراقي، خصوصاً من قبل الجهات الموالية لإيران، التي تريد الإطاحة بالدستور كلياً والإتيان بنظام رئاسي لوضع شخصية تعتمد عليها، وبالتالي توقف الإجراءات الدستورية الأخرى، مثل الانتخابات، أو توقف تمثيل الشعب ومجلس النواب والرقابة عليها". وتابع القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية" أنه "بتقديرنا إذا كان هذا الذي تريده تلك الجهات، فإن العراق سيذهب إلى الفوضى. فإقليم كردستان لن يعترف بنظام غير دستوري، وسيتصرف لوحده. كما أن بعض المناطق، الجنوبية والغربية، سترى أن هذا النظام غير دستوري، وتتصرف لوحدها أيضاً. وقد يعترف العالم بأن النظام غير دستوري، وهنا سيدخل العراق في مأزق كبير".


بدوره، قال القيادي في "تحالف القوى العراقية" حيدر الملا، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق ما بعد الأول من أكتوبر (تشرين الأول) غير الذي كان قبل هذا التاريخ. فالعراق، ما بعد 2003، كانت تحكمه ثلاثة عناصر، طهران والنجف وواشنطن، لكن بعد الأول من أكتوبر دخل فاعل سياسي جديد اسمه الشعب الفتي، وبالنتيجة فإن اللاعب الأكثر تأثيراً في عملية تعديل الدستور هو الشعب الفتي". واعتبر أن "التظاهرات الحالية استفتاء واضح للشعب العراقي، وفي هذا الاستفتاء عناوين واضحة، مثل رفض التدخل الإيراني والإسلام السياسي الشيعي تحديداً، والمحاصصة والسلاح المنفلت خارج إطار سلطة الدولة، تحت أي عنوان كان". وأضاف "نعتقد أنه سيكون هناك دور للأكاديميين والشعب الفتي ولأساتذة القانون ومنظمات المجتمع المدني لإبرام عقد اجتماعي جديد، تحت عنوان الدستور، لتحديد شكل النظام في العراق". وتابع "إذا كانت البيئة السياسية ضعيفة، فبكل تأكيد التغلغل الإيراني سيجد له مكاناً، حتى لو كان النظام رئاسياً أو برلمانياً. وإذا كانت البيئة السياسية قوية ورصينة، فلا إيران ولا أي دولة أخرى ستجد منفذاً للتغلغل في المصالح العراقية".

بدوره، أكد رئيس كتلة "الوركاء الديمقراطية" جوزيف صليوا، لـ"العربي الجديد"، أن "الذين كونوا أنفسهم على أساس فكر ونفس دكتاتوري، وغايات تؤطر مستقبلهم بعقلية دكتاتورية، فشلوا فشلاً ذريعاً، كونهم هم دكتاتوريون، وذيول لأجندات خارجية، فهم يريدون إلقاء فشلهم الشخصي وغاياتهم على الأنظمة، برلمانية كانت أو رئاسية". واعتبر أنه "لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية من دون نظام برلماني تعددي، وبقية المؤسسات الأخرى، التي تصاحب النظام بأكمله. إن الدعوات إلى تغيير نظام الحكم في العراق إلى رئاسي تأتي من أجل اغتصاب هذا الموقع، وحصره بيد جهات معينة، من خلال بث فكرة: نحن من أعطى الشهداء ودافع عن الأرض والعرض، ومن يمثل الأغلبية، لكي يمارسوا استبدادهم مرة أخرى، بعد تخلص العراق من استبداد الحكم الأحادي واختزال النظام بشخص واحد". وأضاف "بعد دفع العراقيين كل هذه الأنهر من الدماء، لا يمكن السماح بالعودة إلى النظام الرئاسي، وهذا بسبب التخوف من الذهاب إلى دكتاتورية جديدة".

في المقابل، قال سعد المطلبي، القيادي في "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، لـ"العربي الجديد"، إن "ضمانات عدم عودة الدكتاتورية إلى العراق، في حال تحول النظام إلى رئاسي، تأتي من خلال تفاصيل وصلاحيات رئيس الجمهورية وضمن آلية المحاسبة". وأضاف "من غير الممكن تحول الديمقراطية إلى دكتاتورية خلال أربع سنوات. كما أن هناك نظرية تقول إن الديمقراطية هي دكتاتورية لمدة أربع سنوات، وإذا الشعب رضي عنها يكررها، وإذا كان غير ذلك فهو سيتخلى عنها". وأضاف "تحديد مدة الرئاسة دائماً ما تكون بدورتين، وهذا ما يقلل عودة الدكتاتورية. يبقى الأمر عبر اختيار الرئيس من قبل الشعب، فالتصويت عليه يكون بشكل مباشر. وحتى لو كانت الأحزاب قوية، وهناك تأثير للمليشيات أو تأثير مسلح، فإنه لا يمكن التأثير على كل الشعب". وتابع أن "المشكلة في تغيير نظام الحكم إلى رئاسي هي أن إقليم كردستان وقف موقفاً معارضاً جداً، فهذا الأمر يضعف هيمنة قادة الإقليم على الوضع السياسي في العراق، إذ إنه عند كتابة الدستور حصلوا على مكاسب لم يكونوا يحلمون بها". وأكد أن "الكثير من الجهات تدعو إلى تغيير النظام في العراق إلى رئاسي بسبب فشل النظام البرلماني"، معتبراً أن "مرض النظام البرلماني لا يعني موته، إذ من الممكن إيجاد آلية لإعادة إنعاشه، من خلال تعديل بعض المواد الدستورية، خصوصاً أن هناك بنوداً تفرض التوافق والمحاصصة، وهذا يجب تعديله".

وقال الباحث والمختص بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني إن "الدعوات للتحول إلى نظام رئاسي تنطلق من كتل المعسكر الإيراني أكثر من غيره، وهو مطلب قديم، وقد يكون بسبب رغبتها في حصر الصلاحيات الحالية بشخص واحد، يكون مسبقاً مدعوماً أو قريباً من إيران. إن النظام الحالي تتوزع صلاحياته بين رؤساء البرلمان والجمهورية والوزراء والقضاء، وبالتالي لا يوجد استفراد مطلق. فحتى (رئيس الحكومة الأسبق نوري) المالكي كان مقيداً بسبب البرلمان، على الرغم من كل ما فعله من انتهاكات حقوقية وإنسانية وقانونية ومخالفات وهدر وفساد". واعتبر أن "العراقيين، والمتظاهرين خصوصاً، لا يعنيهم شكل النظام في العراق بقدر ما يعنيهم أن تكون هناك دولة مدنية، لا دكاكين طوائف وأحزاب".

وقال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، لـ"العربي الجديد": "نحن نقسم الأنظمة من حيث شكلها وإدارتها إلى دكتاتورية وديمقراطية. فالأنظمة الديمقراطية لها شكلان، الرئاسي والبرلماني، والبرلماني من أقدم الأنظمة الديمقراطية في العالم. الخطأ في العراق أننا الآن نسمع أصواتاً تنادي بإلغاء النظام البرلماني، لكن الخلل ليس في النظام بل في التطبيق. نحن من طبق النظام بشكل خاطئ، ولم نجعل أي معارضة في البرلمان، فالنظام البرلماني يجب أن تكون فيه معارضة قوية، تشكل حكومة الظل، والنموذج البريطاني واضح". وأضاف "ما حصل في العراق تقاسم للسلطة وفساد، وحتى من يريد نظاماً رئاسياً فإنه لم يغير أي شيء، فالجميع يريد حصته. النظام الرئاسي أيضاً مقيد، وليست هناك حرية مطلقة ودكتاتورية، كما يحذر من ذلك الأكراد". واعتبر أن "دعوات تغيير النظام الى رئاسي تأتي من القوى السياسية وليس الشعب، كمحاولة لامتصاص غضب المواطنين. لكن في الواقع، هل تستطيع تلك القوى تعديل الدستور؟ فالدستور اشترط عدم تعديله في حال اعترضت عليه 3 محافظات. فمحافظات الإقليم ستنسف أي تعديل على الدستور، كون الحالي يخدمها". وتابع "أكرر المشكلة ليست في النظام، لكن في ظل الوجوه الموجودة، حتى النظام الرئاسي لن يغير أي شيء على أرض الواقع".