وأسفر قصف طائرات النظام السوري المتجدد على حلب، بعد ظهر الجمعة، عن مجزرتين جديدتين أدتا إلى مقتل نحو خمسة عشر من سكان أحياء المدينة التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية. وقالت مصادر طبية في حلب لـ"العربي الجديد"، إن قصفا جوياً بالألغام البحرية قامت به طائرة مروحية تابعة للنظام السوري على منطقة سكنية قرب جامع أبو هريرة في حي الفردوس في القسم الشرقي من مدينة حلب، تسبب بدمار ثلاثة أبنية سكنية وتضرر أبنية أخرى مجاورة، ما أدى إلى مقتل عشرة مدنيين وإصابة عشرين آخرين بجراح في حصيلة أولية.
وأطلق الناشطون تغريدة عبر مواقع التواصل تحت عنوان "أوباما عرّاب القتل الروسي"، أمس الجمعة، التي أعقبت أسبوعاً كاملاً من قصف ممنهج على الأحياء الخاضعة للمعارضة السورية المسلحة في مدينة حلب، في مسعى من قبل النظام وحلفائه لمحاصرتها كخطوة أولى نحو اقتحام هذه الأحياء التي خرجت عن سيطرة النظام بدءا من منتصف عام 2012.
وقالت لجان التنسيق المحلية إنّ "الهجمات البربرية المدمرة" على مدينة حلب أدت، لغاية يوم الخميس، إلى مقتل 170 شخصاً، بينهم 36 طفلاً، و5 من عناصر الدفاع المدني، وممرضة وعائلتها، وطبيبين، أحدهما طبيب أطفال في حلب. وأشارت إلى أن هذه "الحملة الهستيرية كسابقاتها تأتي في سياق الضغط على الشعب السوري وقواه الثورية للتنازل عن مطالبه المشروعة التي أكدتها الهيئة العليا للمفاوضات في الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف". ورأت لجان التنسيق أن ما يجري "إبادة ممنهجة للسوريين لمصلحة بشار الأسد، وقوى التطرف والإرهاب، التي تنمو مع التخاذل الدولي تجاه جرائم الحرب المفتوحة في سورية"، وفق بيان للجان.
وصُبغت حسابات عدد كبير من الناشطين السوريين باللون الأحمر على وسائل التواصل، مطلقين أكثر من وسم (هاشتاغ) على موقعَي فيسبوك وتويتر، مطالبين المجتمع الدولي بسرعة التحرك لإنقاذ مدينة حلب من حرب إبادة تتعرض لها الأحياء التي تقع تحت سيطرة المعارضة من قبل طيران النظام ومقاتلات روسية. كما طالبوهم بإيقاف آلة الموت التي حصدت خلال أقل من أسبوع أرواح أكثر من مائة مدني جلّهم من الأطفال والنساء، في حملة قصف جوي وصفها ناشطون بـ"البربرية"، لم تستثن مستشفيات، ومراكز حيوية، وأسواقاً شعبية، ومدارس أطفال، ومساجد.
وتفاعل عدد كبير من السوريين مع حملات على مواقع التواصل تدعو المجتمع الدولي ومنظمات دولية متخصصة للتدخل ولجم النظام عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين في المدينة، مشيرين إلى أن #حلب_تحترق بكل أنواع الأسلحة بما فيها الألغام البحرية والبراميل والصواريخ الموجهة والقنابل العنقودية، ما يُنذر بكارثة ربما تكون الأفظع منذ خمس سنوات من حرب مفتوحة على السوريين.
ووصف صحافيون وناشطون من حلب ما يجري في مدينتهم بـ"المقتلة الحقيقية" التي تستهدف أهالي المدينة وشجرها وحجرها، لتغيير المعادلات السياسية وفرض تسوية على السوريين، تُبقي الأسد في السلطة وتشرعن الاحتلالَين الروسي والإيراني لسورية. ويرى الصحافي فراس ديبة، وهو من أبناء مدينة حلب، أن الهدف الحقيقي من وراء الحملة المتوحشة على المدينة "تصفية الحواضن الثورية في سورية"، مشيراً إلى أن النظام وحلفاءه يسعون إلى محاصرة المدينة تمهيداً لاقتحامها، ما يهدّد أكثر من 500 ألف مدني موجودين في الأحياء التي تقع تحت سيطرة المعارضة بـ"الإبادة الجماعية" على يد قوات النظام ومليشياته.
ويعتبر ديبة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موسكو تسعى للضغط على الهيئة العليا للتفاوض التي تمثّل المعارضة السورية لترضخ لـ"الإملاءات الروسية"، وتوقّع اتفاقاً سياسياً لا يرضي الشارع الثوري السوري، ويعيد إنتاج نظام الأسد. ويستبعد الصحافي ذاته رضوخ الهيئة العليا للتفاوض لهذه الإملاءات، لافتاً إلى أن حلب "قادرة على الصمود" أمام القصف الجوي "المتوحش" من قبل طيران النظام والمقاتلات الروسية.
وطلب المجلس الشرعي في حلب من القائمين على مساجد المدينة، أمس، تعليق فريضة صلاة الجمعة، وإقامة صلاة الظهر عوضاً عنها، بسبب "الحملة الدموية الأفظع التي يشنها أعداء الإنسانية والدين على محافظة حلب، متمثلة بقصف النظام السوري والروس للتجمعات المدنية، ومنها الأسواق والمشافي والمساجد والمدارس، بكافة الأسلحة وفي كل الأوقات، وبتأييد وإغراء غربي تام"، وفق بيان المجلس.
وتوقفت معظم أسواق المدينة عن العمل، وتعطّلت المدارس، وتوقفت خدمات الكهرباء بنسبة كبيرة. كما أنّ انقطاع المياه المستمر عن المدينة لفترات طويلة يعمّق أزمة عشرات الآلاف من الحلبيين، الأمر الذي يعده الصحافي الحلبي أحمد العقدة "أكبر أزمة أخلاقية في التاريخ المعاصر". ويشير العقدة إلى أن العالم "لا يكترث بمأساة إنسانية تصوّر تفاصيلها كل وسائل الإعلام"، لافتاً إلى أن ما حدث ولا يزال يحصل في حلب "إجرام ممنهج" من قبل الروس والنظام والإيرانيين. ويرى العقدة أن مدينة حلب تتجه إلى مزيد من الدمار "ما لم تتدخل القوى الإقليمية والكبرى لإيقاف شلال الدم"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك "تغوّلاً من داعش، وبعض الأحزاب الكردية، والنظام، والروس، والإيرانيين، وحزب الله. الجميع يتسابق لإنهاء هذه المدينة، وإبادة أهلها"، على حدّ تعبيره.
ومن داخل مدينة حلب، يؤكد الناشط الإعلامي جعفر محب الدين، أن الخوف هو "سيد الموقف داخلها"، من القصف المتواصل والبراميل المتفجرة، وهناك خشية من إغلاق طريق الكاستيلو، وهو شريان الأحياء التي تقع تحت سيطرة المعارضة الوحيد إلى خارج حلب باتجاه ريفها الغربي، ومنه إلى الحدود السورية ـ التركية.