المهرجان كما قال الناشط حجازي لـ"العربي الجديد"، يقف على رأسه رجل أعمال من قرية أبو غوش غرب القدس، والتي تعتبرها دولة الاحتلال في نطاق حدودها، ومعروف بعدائه للوطنية الفلسطينية، إذ سبق أن اعترض على إقامة متحف يحمل اسم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وجنّد أهالي القرية ضد هذا التوجه، في حين مثّل دولة الاحتلال متفاخرا في المسابقة الدولية "غينيس" بإعداد أكبر صحن حمص في العالم، فيما يرتبط بعلاقات وثيقة مع زعماء سياسيين وأمنيين إسرائيليين.
ونجح النشطاء المقدسيون في إقناع عدد من الشركات الفلسطينية التي أعلنت بداية عن مشاركتها في المهرجان، ولم تكن تعلم بتوجهات وأهداف القائمين عليه.
ووصف المقدسيون هذا المهرجان بأنه أكبر مهرجان تطبيعي سعى القائمون عليه إلى استمالة قلوبهم من خلال بطونهم، في وقت تمنع فيه شرطة الاحتلال التي وفرت الحماية له وخصصت أعدادا كبيرة من عناصرها لحراسته، تنظيم وإقامة أية فعالية وطنية في المدينة المقدسة، حتى لو كانت مهرجاناً صغيراً للأطفال. وبالتالي استجابت شركات ومحال لدعوة النشطاء للانسحاب، بينما استمرت أخرى في المشاركة، ما زاد من غضب النشطاء، حيث قال أحدهم ويدعى ن. بدر موجهاً كلامه لممثلي إحدى الشركات المشاركة: "أنتم متعاونون مع الاحتلال.. تذكروا الشهيد حسن مناصرة.. وتذكروا ابن عمه أحمد.. قريباً من هنا استشهد حسن، وإلى جواره أصيب أحمد".
ورغم وجود عناصر الشرطة التي وفرت حماية غير مسبوقة للمهرجان، وأغلقت محاور طرق عديدة لتنظيمه، اندلعت اشتباكات بالأيدي بين عشرات النشطاء وبعض من أصروا على المشاركة والدخول إلى مكان المهرجان، فيما جرت مطاردات لهؤلاء النشطاء من قبل شرطة الاحتلال التي هرعت لاعتقالهم.
واعترف ناشط كان برفقة مجموعة من رفاقه، أن مناهضة المهرجان جاءت متأخرة. ومن حضر إلى هنا لا يدرك أهداف القائمين على المهرجان ودوافعهم، حيث لم تعلم أعداد كبيرة ممن حضروا الجهة المنظمة ولا أهدافها، وبعضهم انسحب بصمت، في حين كانت الغالبية من الحضور من أمهات اصطحبن أطفالهن للمشاركة في فقرات ألعاب وتهريج تضمنتها فعاليات المهرجان.
وتساءل ن. بدر، عن سبب غياب رد الفعل الواضح والحازم من قبل القوى الوطنية التي لم يصدر عنها موقف واضح من تنظيم هذا المهرجان، ربما خشية من اتهامها لها بالتحريض من قبل الاحتلال، بينما كانت معظم ردود الفعل خجولة ولا ترتقي لمستوى الحدث الذي عاشته المدينة المقدسة تحت غطاء دعم الحركة التجارية، في وقت تعاني فيه أسواق البلدة القديمة من ركود تجاري وحملات دهم ضريبية يومية.
أحد التجار الذي وقف على مدخل الطريق المؤدى إلى منطقة المهرجان، ويدعى نظمي الشويكي، قال لـ"العربي الجديد": "نجحوا ونحن فشلنا.. لماذا لا تنظم لنا الغرفة التجارية مثل هذه المهرجانات، أم أنه كان علينا أن نشارك هنا؟". أضاف: "بالكاد نسترزق من محلاتنا وكثير منا يفكر جدياً بإغلاقها".
لكن كل ما قاله النشطاء ورغم نجاحهم إلى حد ما في إقناع بعض المشاركين، إلا أن التدفق إليه ظل متواصلا حتى ساعة متأخرة من هذا المساء، وسط فعاليات فنية وثقافية خصصت للأطفال وكانت في معظمها ترويحية، لكنها خلت من أي لمسات وطنية، كما جرت عليه العادة في المهرجانات التي اعتاد على تنظيمها المقدسيون، في حين ظهر الغضب شديدا في بلدة شعفاط التي أقيم المهرجان على أراضيها، وعلى مسافة لا تزيد على مائتي متر من منزل الشهيد الفتى محمد أبو خضير، حيث وقف فتية وشبان يصرخون في وجه الداخلين إلى المهرجان والخارجين منه، أما هؤلاء فبدوا مصدومين من ردود فعل الفتية، دون أن يدركوا حقيقة ما جرى، ولماذا كل هذا الغضب.
الناشط السياسي والإعلامي راسم عبيدات، علق على المهرجان قائلا: "المقدسيون هم من يتحملون المسؤولية المباشرة في هذا الجانب ومرجعياتهم وعناوينهم ومؤسساتهم. وهناك من ينظر فقط إلى الأمور بشكل مصلحي وخدمة الذات، وهناك من يتم خداعه وتضليله".
ما قاله عبيدات عكس واقعاً يعيشه المقدسيون، حيث تغيب المرجعيات الوطنية أو يتم تغييبها عمدا. بينما يتم تجاهل المقدسيين في كل ما يتعلق بمعاني صمودهم وبقائهم، ويتركون فريسة سهلة للاحتلال وأعوانه، كما قال لنا نشطاء وجدوا في موقع المهرجان، وقد بات عليهم أن يحملوا الراية وحدهم بعيداً عن هذه المرجعيات التي لم يبق منها إلا الاسم فقط". هذا ما ختم به حديثه س.حجازي، ومن كانوا معه كانوا أكثر غضباً.