"أمرتُ الشرطة بإطلاق النار حدّ القتل، إذا وجدت أن حياتكم في خطر" من تفشي وباء كورونا. قد تكون الحياة والقتل وجهين لعملة واحدة لدى الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، الذي وجّه بداية شهر إبريل/ نيسان الحالي، إنذاراً إلى مواطنيه، بالتزام الحجر المنزلي، في مواجهة الجائحة. لكن إنذار دوتيرتي، الذي اعتبرت منظماتٌ حقوقية عالمية، أنه يُحرّض على العنف الشرطي، كما على تسلّح العصابات، ليس الأول والأخير في سلسلة من الممارسات القمعية، أو تلك التي تعزز قمع السلطات في عددٍ كبيرٍ من دول العالم، وتحث على العنف المؤسساتي في زمن الوباء. هذه المنظمات أبدت خشيتها من أن يفضي الوباء إلى ترسيخ وتعزيز "جائحات" أخرى، أبرزها عنف الأمن، والقتل الممنهج للأنظمة خارج القانون. فمن آسيا، إلى أوروبا، إلى أفريقيا، وأميركا اللاتينية، تتفاوت التدابير الاستثنائية للأنظمة لمحاصرة الوباء، لكنها بالمطلق قد أرست نظاماً من إدارة الدولة لحيوات الناس، قد تُساهم في إطلاق يد أنظمة ديكتاتورية، أو ديمقراطية هشّة، أو ديكتاتوريات مقنعة، لتعزيز القمع والقتل، خلال أزمةٍ قد تطول. ويرى دوغلاس روتزين، رئيس "المركز الدولي للقانون"، وهي مجموعة غير ربحية مقرها واشنطن، أن "من السهل بناء سلطات طوارئ، لكن يصعب تفكيكها في وقت لاحق". وفيما يبرز الخوف خصوصاً من توجه كهذا في القارة الأفريقية، فإن أوروبا لم تسلم منه. وتقول فيونوالا ني أولاين، المقررة الأممية الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب: "إننا قد نشهد وباءً استبدادياً وقمعياً موازياً، يسير بجانب جائحة كورونا".
وعدا عن إعلان الرئيس الفيليبيني، ووضع السلطات المحلية الأكفان أمام المنازل لنشر الهلع بين المواطنين، لم يبطئ تفشي فيروس "كوفيد 19" الحرب التي يشنّها دوتيرتي في بلاده منذ عام 2016 على تجار المخدرات، التي راح ضحيتها حتى الآن 6 آلاف شخص، أغلبهم عبر استهداف الأحياء الفقيرة والعشوائيات التي تغصّ بها البلاد. ويخشى مراقبون أن يستغل رجال الأمن الوباء لتوسيع هذه الحرب، مستهدفين مناطق جديدة. ويقول كارلوس كوندي، الناشط في منظمة "هيومن رايتس ووتش" في مانيلا، كما نقلت عنه شبكة "بي بي سي" الإخبارية، إن "من التناقض أن نشهد قتلاً خارج القانون، في وقت على الدولة التزام إنقاذ الأرواح".
وكان الكونغرس الفيليبيني قد مرّر الشهر الماضي قانوناً يمنح دوتيرتي سلطات استثنائية تنسجم مع حالة الطوارئ، بعدما أسقط مشروعاً سابقاً كان سيسمح للأخير بوضع اليد على الشركات الخاصة. واعتبرت جماعة "المحامين المعنيين بالحقوق المدنية"، المحلية، أن هذا المنح اللامحدود للسلطات مرادفٌ للاستبداد.
ولا تعتبر الفيليبين خلال أزمة كورونا، حالةً قائمة بذاتها، لكنها تفتح المجال للتوسع في مراقبة ممارسات قمعية حول العالم، تحملُ طابع الإهانة للنفس البشرية، التي قد تصيب خصوصاً الطبقات الفقيرة. وفي حالة الفيليبين مثلاً، سُجّل سجن الشرطة والمسؤولين المحليين لمنتهكي الحظر في أقفاصٍ للكلاب، بينما أُجبر آخرون على الركوع تحت حرّ الشمس خلال فترة الظهيرة في نوعٍ من العقاب. وفي جزيرة لوزون، طُلب من 40 مليون نسمة التزام الحجر المنزلي في ظروفٍ مأساوية.
وليس بعيداً، مرّر برلمان كمبوديا الأسبوع الماضي، قانوناً يسمح بفرض حال الطوارئ، تقول مجموعات حقوقية، إنه قد يمنح رئيس الوزراء هون سين سلطاتٍ استثنائية، ستعزز قبضته في وجه المعارضين وجماعات حقوق الإنسان والإعلام. ويسمح القانون بفرض عقوبة السجن إلى 10 سنوات على كلّ مَن يدان بعرقلة عمل السلطات في مواجهة كورونا. وفي كوريا الجنوبية وسنغافورة، طبّقت حكومتا البلدين نظامي مراقبة صارمين للمواطنين، بحجة مراقبة إجراءات الحظر وتتبعها. واستغل رئيس وزراء تايلاند، برايوت تشان أوتشا، الوباء لفرض حظر التجول والرقابة على وسائل الإعلام.
ويسود القلق لدى منظمات إنسانية من ممارسات الحكومة الهندية والحزب الحاكم القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا"، ولا سيما تجاه الأقليات والعمال الوافدين. وانتشرت صورٌ وفيديوهات أواخر الشهر الماضي توثق تكبيل قوات الأمن الهندية عمّالاً في إحدى المدن ورشّهم بمواد كيميائية، لتطهيرهم. وعموماً، فضحت وسائل التواصل الاجتماعي ممارسات عنيفة للشرطة الهندية، وهي تضرب المنتهكين لحظر التجول. ونقلت وسائل إعلام معارضة أخباراً أفادت بسقوط قتلى نتيجة هذا العنف، الذي قالت السلطات إنها فتحت تحقيقاً فيه. لكن ما ظلّ مؤكداً، أن الحجر الأكبر في العالم، لأكثر من مليار هندي، لم يكن منظماً، وأطلقت فيه الحكومة يد الأجهزة الأمنية منذ انطلاقه، ما أحدث فوضى، أودت حتى بأرواح العمال الفقراء، وهم يسرعون للعودة إلى قراهم لالتزام الحجر. ويأتي ذلك وسط تحريض القوميين الهندوس على الأقليات المسلمة، مروجين لخطر "جهاد كورونا"، ما قد يؤجج موجة جديدة من العنف، بعد قانون الجنسية المثير للجدل.
وفيما يتصاعد القلق من ممارسات قمعية للحكومات في أميركا اللاتينية، من فنزويلا إلى التشيلي فالباراغواي، لا تزال القارة الأفريقية تحظى بالاهتمام الأكبر من المراقبين في هذا الإطار. وأكدت المفوضية النيجيرية لحقوق الإنسان (هيئة مستقلة)، يوم الأربعاء الماضي، أن قوات الأمن في هذا البلد قتلت 18 شخصاً على مدى أسبوعين، في أثناء تنفيذ إجراءات العزل العام التي فُرضت لوقف انتشار كورونا. وقالت المفوضية إن هناك "ثماني حالات موثقة لأعمال قتل خارج نطاق القضاء أفضت إلى 18 حالة وفاة" بين 30 مارس/ آذار و13 إبريل/ نيسان، مؤكدة أن قوات من الجيش والشرطة نفذتها.
وكان مقتل فتى في الثالثة عشرة من عمره برصاص الشرطة في مدينة كيامايكو في كينيا، الشهر الماضي، قد سلّط الضوء على العنف المفرط الذي تمارسه الشرطة الكينية بحق من تصفهم بمنتهكي حظر التجول المفروض لمحاصرة تفشي الفيروس. وبحسب منظمات حقوقية، فقد قُتل 12 شخصاً على الأقل نتيجة هذا العنف، منذ أن رُصد الوباء في هذا البلد. وفي مومباسا، أطلق تسجيل مصور انتشر أواخر الشهر الماضي للشرطة، وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على ركاب حافلة، ما دفع بعض هؤلاء إلى السعال في وجوه بعضهم الآخر، تحذيراتٍ من أن يكون عنف الشرطة بحد ذاته عاملاً من عوامل نقل العدوى.
وفي أوروبا، التي لم تسلم من الانتقادات الحقوقية، وجد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المعروف بتوجهاته القومية، في وباء "كوفيد 19"، فرصته لتعزيز قبضته في البلاد، من خلال تمرير قانون الطوارئ الذي منحه صلاحيات الحكم لفترة غير محددة.
وأخيراً، وفيما تتنوع وتتفاوت أشكال القمع في ظلّ الوباء، من العنف المفرط إلى الديكتاتورية المقنعة، التي جسّدتها حتى الولايات المتحدة، تظل الخشية مُصوّبة على حالتين: الفلسطينيون في زمن كورونا في ظلّ قمع الاحتلال، وأوضاع اللاجئين حول العالم.