وتُعقد القمة بين الحادية عشرة صباحاً والثامنة مساء، في الواجهة البحرية لبيروت، وسط إغلاق أمني شلّ العاصمة اللبنانية، وتذمر واسع النطاق من المواطنين بسبب تضييق الحركة بحجة انعقاد القمة، رغم أن الواجهة البحرية تُعتبر منطقة شبه معزولة عن الأحياء السكنية في بيروت، وقد بُنيت قبل سنوات بعد ردم البحر خصوصاً لاستقبال الأحداث الكبرى التي تحتاج مساحة ووضعاً أمنياً خاصاً.
ورغم أن تنظيم القمة كلف الخزينة اللبنانية نحو عشرة ملايين دولار، إلا أنه مجرد مناسبة بروتوكولية لا تخرج عنها أي قرارات اقتصادية أو تنموية حقيقية.
وانشغلت وسائل الإعلام بخبر مشاركة أمير قطر، ففتحت بثها المباشر منذ الصباح الباكر، كانعكاس للارتياح اللبناني الرسمي لمشاركة رئيس دولة عربية رفيع المستوى ينقذ القمة من المقاطعة غير المعلنة التي واجهتها على خلفية أسباب عديدة، منها إقليمية، مثل الانقسام السياسي الكبير في المنطقة بين محوري السعودية وإيران، والوضع الأمني ــ السياسي اللبناني المنهار، وهو ما ظهر في حرق أعلام ليبيا ومنع إصدار إذن دخول للوفد الليبي الذي كان مقرراً مشاركته في القمة، وذلك من قبل أنصار حركة أمل، حزب رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، على خلفية قضية اختفاء الإمام موسى الصدر منذ عام 1978، من قبل سلطات العقيد معمر القذافي في حينه، وأيضاً بسبب عدم جدوى القمة تاريخياً، وعلى خلفية استمرار غياب حكومة لبنانية منذ تسعة أشهر.
وكان لافتاً أن المقاطعة غير المعلنة على مستوى رؤساء الوفود شملت محوري السعودية وإيران معاً، فغاب التمثيل الرفيع عن العراق والسعودية والإمارات ومصر مثلاً، كذلك تونس والجزائر والمغرب وفلسطين.
وحظيت مشاركة أمير قطر في القمة، كأرفع رئيس دولة حاضر، بتحليلات كثيرة في الصالونات السياسية اللبنانية.
ويعتبر البعض أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أراد التأكيد من خلال مشاركته بأن قطر خارجة عن الانقسام بين محوري السعودية وإيران في المنطقة، كما رأى آخرون أنه رغب من خلال حضوره إلى بيروت بعث رسالة بأن الطريقة الفضلى للتعاطي مع لبنان تقوم على عدم مقاطعته وزيادة بؤرة توتر إضافية في العالم العربي، وخصوصاً أن الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني في هذا البلد يعتبر كارثياً حالياً.
وكان أمير قطر قد تبرع قبل أيام بخمسين مليون دولار للاجئين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية التي تستضيف نحو 100 ألف مواطن سوري. ونفت الرئاسة اللبنانية عبر المتحدث الإعلامي رفيق شلالا، ما أشيع من أنباء عن أن أمير قطر تبرع بكل تكاليف القمة (10 ملايين دولار)، وأنه ينوي وضع مليار دولار في المصرف المركزي اللبناني كدعم مباشر للاقتصاد اللبناني.
كذلك، أجمعت تحليلات عديدة على أن مشاركة أمير قطر في القمة تشدد في مغزاها على أن قطر لا تزال مقتنعة بضرورة إبقاء جامعة الدول العربية على قيد الحياة، رغم كل ما يعتريها من مشاكل ومن انعدام للجدوى.
وافتتحت القمة بكلمة لعون، وبعدها كلمة لرئيس الوفد السعودي وزير المال، محمد بن عبدالله الجدعان، ثم أبو الغيط، قبل أن تلقي الشخصيات التي تطلب الكلام خطاباتها، ثم ينصرف المشاركون إلى مأدبة غداء، ثم يجتمعون بشكل مغلق للاتفاق على البيان الختامي الذي ينتظر أن يعلن عنه قرابة الثامنة مساءً بتوقيت بيروت والقدس المحتلة، لتتسلم موريتانيا بعدها رئاسة الدورة المقبلة للقمة، وهو السبب الرئيسي لحضور الرئيس الموريتاني القمة.
وانقسم لبنان بسبب الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية جبران باسيل أمس السبت، في اجتماع وزراء خارجية القمة، وحملت موقفاً غير متفق عليه في هذا البلد حيال النظام السوري وضرورة عودته بلا شروط وفوراً إلى جامعة الدول العربية، وهو ما يؤيده بشدة باسيل ورئيسه عون على عكس أطراف سياسية أخرى في هذا البلد.
وسيكون بند عودة اللاجئين السوريين من لبنان، من دون التوصل إلى حل سياسي، مثلما يريده باسيل وعون، الموضوع الرئيسي للخلاف في البيان الختامي، وقد تحول الموضوع إلى سجال شرس داخل حكومة تصريف الأعمال في بيروت، فنال طرح باسيل تأييداً مستغرباً من رئيس الحكومة سعد الحريري، على عكس مواقف وزراء تابعين لحزبه (المستقبل) مثل معين المرعبي مثلاً، الذي اتهم باسيل بمخالفة إجماع الحكومة.
كذلك، روّجت أوساط رئاسة الجمهورية أجواء تمهيدية لكلمة عون في افتتاح القمة، لناحية أنه سيطرح مبادرة إنشاء هيئة تنموية في الجامعة العربية، مع أن الوضع العربي العام لا يبشر بالخير لناحية احتمالات نجاح مبادرات من هذا النوع.
وعاش لبنان فترة هدنة سياسية مؤقتة بسبب الانشغال بالقمة الاقتصادية، على أن تعود السجالات الحادة فور انتهائها، وسط استمرار العجز عن تأليف الحكومة بسبب خلافات على الحصص الوزارية في الظاهر، وربما على خلفية انتظار الأطراف الرئيسية ما ستؤول إليه الأوضاع الإقليمية لتحديد موازين القوى الذي سينعكس في الحكومة العتيدة إن وُلدت.