هل نرفع الصوت عالياً ليعرف القاصي والداني حجم الأمية في عالمنا العربي؟ أم نهمس لنستر هذا الواقع ونخفيه؟
نحن نراوح مكاننا في موضوع الأمية منذ عام 2007 تقريباً، والواقع أن ملايين العرب لا يعرفون حروف أبجديتهم.
نجد أنفسنا ماهرين في الكلام والتحليل، نكتب الأطروحات عن أسباب الأمية ونتائجها وسبل حلّها، ونعقد المؤتمرات ونخرج بتوصيات تؤكد أن الأمية والتنمية عدوان لدودان لا يتلازمان أبداً، وبأن نهضتنا مرتبطة بالتعليم، لكن الكلام يبق كلاماً.
ومتابعة موضوع الأمية مبكية ومضحكة في آن، إذ إن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألسكو" استهلت بيانها العام 2014 بكلمة "نحتفل باليوم العربي لمحو الأمية". مع العلم أن الأرقام التي تضمنها البيان لاحقاً لا تدعو للاحتفال مطلقاً، بل تستوجب تنكيس الأعلام حزناً.
مهمة شبه مستحيلة
استند بيان "الألسكو" إلى تقارير التنمية البشرية للعام 2013 والتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2012، ليشير إلى أن عدد سكان الدول العربية البالغ 353.8 مليون نسمة، بينهم 96.836 مليون أمّي، ومنهم 63.57865 مليون أنثى".
والخلاصة بحسب هذه التقارير أن نسب الأمية في الدول العربية تقترب من 60.60 في المئة بين الإناث ومن 39.42 في المئة بين الذكور. كما أن أعداد الأميين استمرت بالتزايد بشكل مضطرد، بفعل الزيادة السريعة في عدد السكان. فقد ارتفع عددهم من 50 مليوناً عام 1970 إلى 61 مليوناً عام 1990 ثم 75 مليوناً بحلول عام 2008 ليستقر عددهم عند 97 مليونا العام الجاري.
وتشير المنظمة إلى أن هناك قرابة 6.188 ملايين طفل وطفلة غير ملتحقين بالتعليم في الدول العربية ممن هم في سن المدرسة، وهذا العدد يمثل رافداً دائما للأميين العرب، يضاف إلى ذلك ظاهرة التسرب من التعليم في مرحلته الأولى التي تعتبر من أعلى النسب في العالم.
أما معهد اليونسكو للإحصاء فقد أشار إلى أن هناك أكثر من 30 مليون طفل خارج المدرسة في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى. معظم هؤلاء الأطفال لم يدخلوا المدارس، ومن دخلها كان معرضاً للتسرب منها. وهناك أكثر من واحد من كل ثلاثة أطفال من الذين دخلوا المدرسة في العام 2012 في هذه المنطقة، تركوها قبل إنهاء مرحلة التعليم الابتدائي.
ويحتل الأردن، وفقاً لوزارة التربية والتعليم الأردنية، المرتبة 49 بين 125 دولة، ويأتي في المرتبة الثانية عربياً بعد البحرين، وضمن الفئة ذات الاحتمالية العالية في تحقيق أهداف التعليم للجميع. في حين تأتي السعودية في المرتبة 100 والإمارات 90 وعمان 82 والجزائر 81 ومصر 79 وتونس 74 وسورية 73 ولبنان 61 وفلسطين 56 والكويت 51 والمغرب 102 وموريتانيا 104 واليمن 117.
الأرقام على موقع الهيئة العامة لتعليم الكبار المصرية، تشير إلى أن نسبة الأميين في مصر حتى شهر يوليو/تموز 2014 من الفئة العمرية 10 سنوات وما فوق، بلغت 15 في المائة بين الذكور و28.5 في المئة بين الإناث.
لم نتخط تعريف الأمية
لم تعد الأمية اليوم تعرّف بالقدرة على قراءة وكتابة جملة أو نص بسيط في الكثير من دول العالم. فالقراءة بشكلها المبسط قد لا تفيد صاحبها في إيجاد وظيفة يقتات منها، أو من يستطيع كتابة اسمه فقط لن يتمكن من تعبئة طلب توظيف أو استبيان.
تغيرت سمات الأمية، حيث يتم تصنيف الأمية إلى: أمية وظيفية وأمية تكنولوجية وغيرها، وتجري الإحصاءات والدراسات وفق تلك التصنيفات للتعرف إلى مستوى المواطنين وقدراتهم المعرفية، حتى يتم وضع برامج مناسبة لمحو أميتهم حسب نوعها.
وفي بلداننا العربية، المدارس يكثر عددها ومعدلات الأمية تزداد. مؤسسات تعليمية تستخدم أحدث التكنولوجيا في التعليم، وملايين الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة أصلاً. برامج حكومية ودعم وتمويل لمحو الأمية، والأبجدية لا تزال عصية على أكثر من ثلث سكان العالم العربي. الهوة تكبر وتتسع لغياب العدالة الاجتماعية، والجهود المبذولة غير فعالة ولا منتجة.
أعداد الأميين
أنشئ الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار في العام 1966، في حين أقرت جامعة الدول العربية في العام 1970، يوم 8 يناير/كانون الثاني من كل عام يوماً عربياً لمحو الأمية. وعلى مدى أكثر من 40 عاماً، نتذكر المناسبة ونستعرض واقع الأمية المتردي، ونمني النفس بالتغيير.
ويشير معهد اليونسكو للإحصاء إلى وجود 781 مليوناً من البالغين و126 مليون شاب، ثلثاهم من النساء، لا يستطيعون قراءة أو كتابة جملة بسيطة، مقابل 793 مليون شخص من الراشدين يفتقرون إلى المهارات القرائية؛ وأغلبهم من الفتيات والنساء في العام 2011.
وتظهر بيانات معهد اليونسكو للإحصاء أن 58 مليون طفل في العالم تقريبا الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و11 عاما لم يدخلوا المدارس في العام 2012، وهو تغيير لا يكاد يذكر منذ العام 2007.
وقدّرت بيانات المعهد أن نحو 43% من الأطفال الذين هم خارج المدرسة، 15 مليون فتاة و10 ملايين صبي، لن تطأ أقدامهم الفصول الدراسية إذا استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه.