تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي مواطنين فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة من السفر بالرغم من حاجتهم الماسة للعلاج في مستشفيات الخارج والقدس والداخل المحتل، وذلك بحجج أمنية غير مفهومة، ما يزيد من معاناة المرضى المنتظرين
كان الأسير الفلسطيني المحرر، بلال استيتي، يجلس في مقهى بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، بما يشبه استراحة المحارب، وهي استراحة بين عدد من الزيارات للمؤسسات والمستشفيات والعيادات. يضع إلى جانبه عكازين لا يتحرك من دونهما، وبالرغم من جلوسه على كرسي، فقد كان تنفسه صعباً.
استيتي يبحث عن أيّ طريقة تؤمّن له السفر إلى الأردن، بعدما أعادته سلطات الاحتلال من معبر الكرامة شرقي الضفة الغربية الذي يربط بين الضفة الغربية والأردن، في التاسع عشر من أغسطس/ آب الماضي، ومنعته من السفر، بالرغم من حصوله على تحويلة طبية من وزارة الصحة الفلسطينية للعلاج في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان. يقول استيتي لـ"العربي الجديد": "تعرضت للإعاقة داخل سجون الاحتلال خلال التحقيق معي في عام 2006، بالإضافة إلى إهمال طبي. اعتقلت لمدة خمسة أعوام، وخرجت من المعتقل ووضعي الصحي صعب. عانيت أيضاً من أمراض في الرئتين (انخفاض جهد الرئتين بنسبة 46 في المائة)، واختناق تنفسي، والتهاب الكبد الوبائي (ب)".
الأسير المحرر بلال استيتي (العربي الجديد) |
أيّ تدخل طبي أو فحص يستلزم إجراء خزعة أو جراحة، يحتاج معه بلال إلى أجهزة خاصة للرئتين، لضمان استمرار تنفسه، وعدم دخوله في غيبوبة، وهذا السبب الرئيس، كما يقول، لحاجته للسفر إلى الأردن أو القدس لتوفر الأجهزة هناك، لكنّ الاحتلال يمنعه من الحصول على تصريح لدخول القدس حتى. كتب استيتي مؤخراً على حسابه في "فيسبوك": "إن كتب الله موتي بسبب عدم توفر العلاج المناسب فانثروا الورود في نواحي الوطن لتبقى ذكرى في عالم النسيان". جملة تظهر ما يعانيه، ففي خلال عام فقد من وزنه 40 كيلوغراماً، ويعاني مؤخراً من ضعف عام وهزال، وصعوبة في التنفس، وارتفاع في ضغط الشريان الرئوي، وفقدان للوعي أحياناً.
على معبر الكرامة لم يسمع منه جنود الاحتلال أي شيء، فقط أخبروه بمنع السفر، فحاول شرح وضعه الصحي وتقديم الأوراق والتقارير الطبية من دون جدوى. عاد ليبدأ رحلة جديدة من البحث عن الحلّ، عبر مؤسسات حقوقية. وهي رحلة مماطلة تحتاج إلى ثمانية أسابيع للحصول على رد من استخبارات الاحتلال، بينما ينتظر استيتي رداً من هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية حول السماح له بالسفر، ويؤكد أنّ حالته لا تحتمل الانتظار أكثر. يعلق: "هذه ليست المرة الأولى التي يحرمني الاحتلال الإسرائيلي فيها من العلاج، فمنذ عام 2015 حتى الآن، حاولت في أربع مرات العلاج في القدس، ولم أحصل على تصريح إلّا مرة واحدة في عام 2016، ودخلت مرة أخرى إلى القدس تهريباً، مع خطر الاعتقال، فقد جازفت بذلك لحاجتي الماسة إلى العلاج".
يتابع عدد من المؤسسات الحقوقية انتهاكات الاحتلال لحق التنقل وحرمان الفلسطينيين من السفر، لكنّ تلك المتابعة لا تراعي الأوقات الحرجة لحالات مثل حالة بلال استيتي. يقول مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، وهو مركز يتابع حالات منع السفر، حلمي الأعرج لـ"العربي الجديد": "المركز يتابع منذ بداية هذا العام ملفات 95 حالة منع سفر توجه إلينا أصحابها، لكنّ حالات منع السفر تصل إلى المئات منذ بداية العام، من بين أصحابها مرضى، وراغبون في الحج والعمرة والدراسة والعمل". يشير إلى أنّه "تبدأ المتابعة عبر المحامي في مكاتب الارتباط الإسرائيلية، وتستغرق الإجراءات الروتينية للردّ ثمانية أسابيع، يمكن بعدها التوجه إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية، ويمكن بعد الانتهاء من إجراءات المحكمة المركزية التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، للاعتراض على منع السفر". أما في الحالات الاضطرارية كما هي حالة بلال استيتي فيمكن التوجه إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية مباشرة من دون انتظار الأسابيع الثمانية، لكنّ عملية التقاضي أمام المحكمة المركزية، ثم العليا، تحتاج إلى نحو شهر.
أحياناً تنجح تلك الجهود القانونية، لكنّها لا تنجح في حالات أخرى، فكما يقول الأعرج: "لا يجرى أخذ المرض بعين الاعتبار، إنّما تنظر المحكمة إلى الادعاء بدرجة خطورة هذا الشخص على دولة الاحتلال، بمعنى أنّ الأمر يعود إلى تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، فقد يتبين في المحكمة أنّ الادعاء الأمني لمنع السفر مزيف، أو مبالغ فيه، فيسمح للشخص بالسفر، لكنّ القرار ليس له علاقة بالوضع الصحي، أو بظروف العمل، أو ظروف الدراسة وموعدها، فهذه تشكل بالنسبة لنا كمتابعين عامل ضغط، لكنّ الاحتلال لا يأخذ ذلك بعين الاعتبار".
يذكر الأعرج إحدى الحالات لمواطن يحتاج إلى عملية جراحية في عينيه، وهو ممنوع أيضاً من الوصول إلى القدس بسبب الحجج الأمنية، وقد وصلت قضيته إلى محكمة الاحتلال العليا، لكنّ تلك الجهود القانونية لم تثمر في الحصول على إذن لسفره.
هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية تؤكد أنّها تواجه كثيراً من حالات منع السفر، ومنها العديد من الحالات من قطاع غزة، حيث يحرمون من العلاج في القدس أو داخل المستشفيات الإسرائيلية. ويوضح الناطق باسم هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية وليد وهدان لـ"العربي الجديد" أنّ الإجراءات التي تتخذها الهيئة في ما يتعلق بالمنع الأمني لا تختلف بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فيجرى التطرق إليه أكثر من مرة، وأحياناً ننجح وأحياناً لا. يتابع أنّه ليست هناك إجراءات واضحة في هذا الخصوص، ولا مواعيد للرد، كما هي الحال بالنسبة إلى مسار المتابعة القانونية، فالهيئة تتابع الملفات، وقد يأتي الرد خلال أيام أو أسبوع أو شهر. وبالرغم من أنّ الحصول على العلاج حق مكفول لأيّ إنسان، فهو في ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، خصوصاً ظروف الحصار في غزة، يبدو الحصول على هذا الحق صعباً جداً. يوضح وهدان: "مئات الحالات ترفضها إسرائيل بذرائع أمنية، من دون النظر لما يعانيه المواطن وما نتيجة القرار عليه، وهو ما يكلف المرضى حياتهم أحياناً".
بدوره، يؤكد الأعرج أنّ تلك الإجراءات تشكّل عقاباً جماعياً لهذه الفئات من المواطنين بذرائع جاهزة، فالمريض يبلغ أنّه ممنوع بحجج أمنية لكن من دون إعطاء أيّ تفاصيل: "المواطنون الذين يعادون من معبر الكرامة هم في الأساس يمارسون الحق الطبيعي بالسفر، لغايات وأغراض خاصة وكلّها تعبر عن حقوقهم الأساسية المدنية، وفي مقدمتها الحق في العلاج والتعليم والتواصل والحج والعمرة وغيرها".