وتعهدت الدول المانحة المشاركة في اجتماع "تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن"، والذي عُقد أمس الثلاثاء في مدينة جنيف السويسرية بتقديم نحو مليار دولار من أصل 2.1 مليار دولار طلبتها الأمم المتحدة لمواجهة المجاعة في اليمن وتمويل العمليات الإنسانية.
وقالت منظمات دولية عاملة في مجال الإغاثة باليمن، إنّ المبلغ الذي تعهدت الدول المانحة بتقديمه إلى اليمن يعبّر عن فشل المجتمع الدولي في دعم اليمنيين، ولا يستوفي سوى احتياجات 12 مليوناً من أصل 18.8 مليون يمني فقط للمساعدات الإنسانية، ما يعني أن ستة ملايين يمني لن تصلهم المساعدات.
وأوضحت المنظمات، في بيان صحافي مشترك تلقّى "العربي الجديد" نسخة منه، أنه على الرغم من الاعتراف الواسع بمستوى الحاجة المأساوي فإن التعهّدات المالية لم تصل إلى نصف المبلغ المطلوب (2.1 مليار دولار حسب تقديرات الأمم المتحدة).
وقال شين ستيفنسون، مدير البرامج في منظمة أوكسفام لليمن: "على الرغم من أن الكثير من الأموال قد تم التعهد بها اليوم، فإن أفضل طريقة لمنع المجاعة في اليمن هي وقف القتال المسلح وأن تعود أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات. منع حدوث المجاعة يجب أن يكون هو الأولوية وليس المكاسب العسكرية، المشاركة الدبلوماسية ضرورية مع جميع الأطراف والضغط بشكل فوري على وقف جميع العمليات العسكرية التي تعرقل وصول الإمدادات الغذائية أو نقلها بشكل آمن".
وأكدت إيزابيل مسارد كارلسن، مديرة العمليات في منظمة مكافحة الجوع: أنه "يتعين على الحكومات التوقف عن تقويض الاستجابة الإنسانية عن طريق تأجيج الصراع بالأسلحة والعنف. الجوع ليس استراتيجية مقبولة. يجب على الجهات المانحة أن تسارع على الفور لتمول خطة الاستجابة الإنسانية بشكل كامل، وأن تشارك كل المعنيين من أجل تسهيل إيصال المعونة قبل وصول اليمن إلى نقطة التحول ونشهد مجاعة واسعة النطاق".
من جانبه أشار معتصم حمدان، مدير مكتب المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، إلى "أن التعهدات المالية تعني الفرق بين الحياة والموت لملايين الأشخاص في اليمن، ولكن المانحين يغادرون جنيف من دون أن يكونوا قد خصصوا ما يكفي من التمويل لتلبية احتياجات 12 مليوناً فقط أكثرهم ضعفاً من أصل 19 مليون شخص في حاجة، ولا أعرف كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يرى هذه الأزمة تتدهور من دون أن يبذلوا قصارى جهدهم للحد من المعاناة التي يواجهها اليمنيون".
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إن المنظمة الدولية تحتاج إلى مساعدات ضخمة لتفادي مجاعة في اليمن، كذلك يتحتم على الأطراف المتحاربة هناك ضمان وصول الإمدادات الإنسانية.
ودعا غوتيريس، خلال تدشين الاجتماع، إلى "تحرك دولي فوري" من أجل إنقاذ الأرواح في اليمن، لافتاً إلى أن 50 طفلاً يمنياً يموتون كل يوم بسبب الأوضاع الإنسانية، وأكد أن نحو 19 مليون شخص، أي ثلثي السكان، بحاجة إلى مساعدات عاجلة، مجدداً الدعوة لإجراء محادثات سلام، وحثّ جميع الأطراف على "تسهيل المرور السريع ودون عوائق للمساعدات جواً وبحراً وبراً".
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أطلقت، مطلع فبراير/شباط الماضي، نداء لجمع 2.1 مليار دولار لمواجهة المجاعة وتوفير مساعدات واحتياجات ضرورية لنحو 12 مليون شخص مهددين بالموت جوعاً بسبب نقص الغذاء.
وأوضح أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن يوسف سعيد، أن اليمنيين باتوا يعتمدون على المساعدات في ظل الحرب وتوقف الأعمال والرواتب ومصادر الدخل، وأي نقص في كمية الاحتياجات والمبالغ المرصودة للمساعدات سينعكس في عدم حصول ملايين اليمنيين على الغذاء.
وقال سعيد لـ "العربي الجديد": "يعاني اليمنيون من النساء والرجال ظروفاً معيشية غاية في الصعوبة، بعد مرور عام على الحرب التي أدت إلى تعطل النشاط الاقتصادي وتراجع الناتج والدخل إلى المستوى الحرج، إذ أصبح ثلث السكان يعانون من جوع حقيقي ويعتمدون في غذائهم على المساعدات الإنسانية، وأي نقص في المساعدات أو سوء في توزيعها سينعكس في حرمان الناس من الغذاء".
ويعاني اليمن أزمة إنسانية حادة، وبدأت بوادر مجاعة بالظهور في مديريات الساحل الغربي للبلاد مع دخول الحرب عامها الثالث وتزايد أعداد النازحين داخلياً، وفاقم توقف الرواتب منذ ستة أشهر من معاناة الناس.
وأكد الناشط الميداني في محافظة الحديدة عبد الله الدروبي، أن مظاهر الجوع تظهر بشدة في مديريات محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين (غرب البلاد)، وفاقم توقف الرواتب وتعطل الأعمال من معاناة الناس.
وقال الدروبي لـ"العربي الجديد": "في مديرية زبيد كمثال، الوضع مأساوي فعلاً، خصوصاً مع توقف المرتبات لسبعة أشهر. بات الموظف يغبط غير الموظف على تحرّكه لجلب رزقه وتسببت هذه الأزمة في مزاحمة العمال ذوي الدخل اليومي من قبل الموظفين، وإجمالاً فإن الأغلبية يعيشون يوميات الجوع ويكتفون بوجبة واحدة في اليوم، ولم تصلهم أية مساعدات".
وأكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي أواخر الشهر الماضي، أن "كثيراً من اليمنين مجبرون على تفويت وجبات الطعام وتناول وجبات ذات قيمة غذائية منخفضة للغاية".
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعاني 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعاني نصفهم من الانعدام الشديد للأمن الغذائي، فهم ليسوا قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كافٍ.
ودعا مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى توزيع المساعدات في جميع المناطق بما يحقق العدالة، وإلى صرف المعاشات لمستحقي الرعاية الاجتماعية والرواتب للمعلمين الذين لم يتسلموا مرتباتهم، وصرف نقدي للسكان الذين فقدوا مصادر عيشهم.
وتسبّبت الحرب في حرمان نحو 1.5 مليون حالة فقيرة من الإعانات النقدية لصندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية 2015، ما عرضهم للمزيد من الضغوط المعيشية، خاصة أن 63 في المائة منهم يعانون أصلاً من انعدام الأمن الغذائي، وفق بيانات رسمية عام 2014. وتبلغ المتطلبات التمويلية للإعانات النقدية للفقراء نحو 22.7 مليار ريال كل ثلاثة أشهر (90 مليون دولار).