تُلاحق كاميرا فايس (vice) في تقرير نشر قبل أيام، وأثار جدلاً كبيراً، مجموعة من الناشطين في حقوق الحيوان. بصورة أدق، جماعة منّظمة من المحتجين الغاضبين الذين تحوم حولهم تُهم الإرهاب ونشر الذعر، بسبب نشاطهم اللاقانونيّ والعنيف للوقوف في وجه الصناعات الغذائيّة، والمداجن والمسالخ التي "تنتهك حقوق الحيوانات" ولا تعاملهم بـ"إنسانيّة". هذه الجماعة تسمّى "العمل المباشر في كل مكان" (direct action every where)، وساهم بتأسيسها عام 2013 واين شونف، الذي عمل محامياً وأستاذاً للحقوق وناشطاً في مجال حقوق الحيوان، والمعرض لاتهامات جنائيّة تصل عقوبتها إلى الـ60 عاماً في السجن.
يثير نشاط الجماعة الإعجاب. هم يقتحمون العنابر المظلمة و"يحررون" الحيوانات الأسيرة، تلك التي تعيش ضمن شروط مصممّة لتكون "أشياء" مثالية للاستهلاك. وإثر هذه الاعتداءات، يتعرض أعضاء الجماعة إلى الاعتقال والعنف الجسديّ من قبل الشرطة في الولايات المتحدة، فهم يدافعون عن الحيوانات بوصفها "كائنات حيّة"، ولا بد من إقناع المحلّفين والقضاء بذلك حسب تعبير شونف، فالمجموعة التي تتحصن بتشريعات رعاية الحيوان، ترى أن اقتحامها للمداجن والمسالخ فعل قانونيّ، إلا أن الصناعات الغذائيّة تضغط دوماً لسنّ تشريعات تحميها وتضمن أعلى مستوى من "الإنتاج" بأقل تكلفة، ولو كان ذلك على حساب "كرامة" الحيوانات وتهديد "حياتها".
هذا الإعجاب بتفاني أعضاء المجموعة، يرافقه غضب وحنق ينتابنا، نحن المشاهدين، الذين ندفع بحيواتنا أثمان سياسات الحكومات التي لا تراعي حقوق الحيوان. بعدها، يتحول الغضب إلى سخرية من الجماعة، واستخفاف بجهود أعضائها لتحرير الحيوانات، ودموعهم حين نرى الواحد منهم يحمل دجاجة على وشك الموت.
لا نشكك أبداً بدوافع الناشطين، وإن اختلف بعضنا معها. لكن لا بد من السؤال عن الخصائص الثقافيّة المشتركة بين الكائنات كلها، والتي يجب حمايتها والدفاع عنها، وتوفير ما يسمّى شروطا إنسانيّة، التي إن كانت حقاً مضمونة للجميع ولا بدّ من التضحيّة في سبيلها، لم لا نرى ذات هذه الجهود والعنف و"الإرهاب" ضد المؤسسات السياسية التي تضع الناس في الأقفاص على الحدود الأميركيّة؟ لِم لَم يقتحم الناشطون هذه المراكز ويحرروا "الإنسان" الذي فيها؟
الحياة حق لجميع الكائنات، لكن ماذا عن غير المواطنين، المهاجرين "غير الشرعيين"، كما يحلو للأنظمة أن تُطلق عليهم، وعديمي الأوراق. الأهم، أن الحيوانات لم تناد وتطلب المساعدة، هي بلا أصوات، بالمعنى الحرفيّ للكلمة، في حين أن المهاجرين واللاجئين، ذوو أصوات مسموعة وصور مرئية، لا حاجة لكاميرات خفية للتسلسل لاكتشاف العنف الذي يتعرضون إليه، خصوصاً أننا لا نتحدث عن حقوق إنسان، بل حقوق كائنات، بالتاليّ الجميع متساو، والأهم أن الخطر على "الإنسان" أشدّ، كونه يستعرض في الأقفاص لتبرير سياسات تقمع الآخرين من "المواطنين" ودافعي الضرائب.
ما يثير الحنق، أن الدعوات لأنسنة كل الكائنات والجهود المبذولة لتغيير القوانين والتشريعات تبدو ساذجة حين تكون موجهة لإنقاذ الدجاج، وفي ذات الوقت هناك من يفصل الأبناء عن ذويهم، ويضع منومات للرضع كي لا يبكوا، ويمنع دخول "المسلمين"، لم لا يوجد "عنف وإرهاب" موجه ضد المراكز الحدودية ودوريات المدنيين التي تطلق النار على من يعبر الحدود، بل نرى فقط ترهيباً للمزارعين وأصحاب المداجن والمسالخ الذين تلتهمهم وأموالهم ودجاجهم الشركات الكبرى.
المثير للاهتمام أن هذه الدعوات للمساواة بين الكائنات وأنسنة كل ما هو "حيّ" تنجح ضمن سياسات ما بعد الاستعمار، كونها تنتصر للسكان الأصليين الذين تمت إبادتهم من قبل الأنظمة الاستعماريّة، لكن حين تحضر في "الدول البيضاء" تتحول إلى نوع من الإهانة، وكأن النشطاء يعيدون ترتيب الأوليات، متناسين أولئك الذين استثنوا سياسياً، والذين تتحول أجزاء من أموال الضرائب لنفيهم وإبعادهم وتهديد حياتهم.
حين ننظر إلى هذه الأعمال الاحتجاجية كشكل محق للتغيّر، وانتصار لفئة مظلومة على حساب أخرى، نرى أن سلسلة الإنتاج بأكملها التي تنتهك حقوق الدجاجة، تحوي المئات من "البشر" الذين هم أنفسهم ضحايا لذات النظام، والذين يتعرضون في الكثير من الأحيان إلى معاملة لا إنسانيّة، وتغيير هذا الهرم من الأسفل، يكشف لنا أن ضحاياه من البشر أكثر بكثير من ضحاياه من "الحيوانات". نعم هناك هيمنة بشريّة على الكوكب وكائناته، لكن لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار، أنها هيمنة بيضاء، رأسماليّة، استعماريّة، تتجلى بمفهوم "الدولة" ذاته، والتغيير والحماية القانونية لكل الكائنات لا بد أن يكون من الأعلى، عبر تغير الوثيقة التأسيسية التي تضمن هيمنة الدولة والإنسان؛ أو ببساطة، الدستور. فحين نقرأ مثلاً أن كل الكائنات ولدت متساويّة، يصبح تحرير الدجاج منطقياً، بعد الانتهاء من تحرير كلّ البشر.
اقــرأ أيضاً
يثير نشاط الجماعة الإعجاب. هم يقتحمون العنابر المظلمة و"يحررون" الحيوانات الأسيرة، تلك التي تعيش ضمن شروط مصممّة لتكون "أشياء" مثالية للاستهلاك. وإثر هذه الاعتداءات، يتعرض أعضاء الجماعة إلى الاعتقال والعنف الجسديّ من قبل الشرطة في الولايات المتحدة، فهم يدافعون عن الحيوانات بوصفها "كائنات حيّة"، ولا بد من إقناع المحلّفين والقضاء بذلك حسب تعبير شونف، فالمجموعة التي تتحصن بتشريعات رعاية الحيوان، ترى أن اقتحامها للمداجن والمسالخ فعل قانونيّ، إلا أن الصناعات الغذائيّة تضغط دوماً لسنّ تشريعات تحميها وتضمن أعلى مستوى من "الإنتاج" بأقل تكلفة، ولو كان ذلك على حساب "كرامة" الحيوانات وتهديد "حياتها".
هذا الإعجاب بتفاني أعضاء المجموعة، يرافقه غضب وحنق ينتابنا، نحن المشاهدين، الذين ندفع بحيواتنا أثمان سياسات الحكومات التي لا تراعي حقوق الحيوان. بعدها، يتحول الغضب إلى سخرية من الجماعة، واستخفاف بجهود أعضائها لتحرير الحيوانات، ودموعهم حين نرى الواحد منهم يحمل دجاجة على وشك الموت.
لا نشكك أبداً بدوافع الناشطين، وإن اختلف بعضنا معها. لكن لا بد من السؤال عن الخصائص الثقافيّة المشتركة بين الكائنات كلها، والتي يجب حمايتها والدفاع عنها، وتوفير ما يسمّى شروطا إنسانيّة، التي إن كانت حقاً مضمونة للجميع ولا بدّ من التضحيّة في سبيلها، لم لا نرى ذات هذه الجهود والعنف و"الإرهاب" ضد المؤسسات السياسية التي تضع الناس في الأقفاص على الحدود الأميركيّة؟ لِم لَم يقتحم الناشطون هذه المراكز ويحرروا "الإنسان" الذي فيها؟
الحياة حق لجميع الكائنات، لكن ماذا عن غير المواطنين، المهاجرين "غير الشرعيين"، كما يحلو للأنظمة أن تُطلق عليهم، وعديمي الأوراق. الأهم، أن الحيوانات لم تناد وتطلب المساعدة، هي بلا أصوات، بالمعنى الحرفيّ للكلمة، في حين أن المهاجرين واللاجئين، ذوو أصوات مسموعة وصور مرئية، لا حاجة لكاميرات خفية للتسلسل لاكتشاف العنف الذي يتعرضون إليه، خصوصاً أننا لا نتحدث عن حقوق إنسان، بل حقوق كائنات، بالتاليّ الجميع متساو، والأهم أن الخطر على "الإنسان" أشدّ، كونه يستعرض في الأقفاص لتبرير سياسات تقمع الآخرين من "المواطنين" ودافعي الضرائب.
ما يثير الحنق، أن الدعوات لأنسنة كل الكائنات والجهود المبذولة لتغيير القوانين والتشريعات تبدو ساذجة حين تكون موجهة لإنقاذ الدجاج، وفي ذات الوقت هناك من يفصل الأبناء عن ذويهم، ويضع منومات للرضع كي لا يبكوا، ويمنع دخول "المسلمين"، لم لا يوجد "عنف وإرهاب" موجه ضد المراكز الحدودية ودوريات المدنيين التي تطلق النار على من يعبر الحدود، بل نرى فقط ترهيباً للمزارعين وأصحاب المداجن والمسالخ الذين تلتهمهم وأموالهم ودجاجهم الشركات الكبرى.
المثير للاهتمام أن هذه الدعوات للمساواة بين الكائنات وأنسنة كل ما هو "حيّ" تنجح ضمن سياسات ما بعد الاستعمار، كونها تنتصر للسكان الأصليين الذين تمت إبادتهم من قبل الأنظمة الاستعماريّة، لكن حين تحضر في "الدول البيضاء" تتحول إلى نوع من الإهانة، وكأن النشطاء يعيدون ترتيب الأوليات، متناسين أولئك الذين استثنوا سياسياً، والذين تتحول أجزاء من أموال الضرائب لنفيهم وإبعادهم وتهديد حياتهم.
حين ننظر إلى هذه الأعمال الاحتجاجية كشكل محق للتغيّر، وانتصار لفئة مظلومة على حساب أخرى، نرى أن سلسلة الإنتاج بأكملها التي تنتهك حقوق الدجاجة، تحوي المئات من "البشر" الذين هم أنفسهم ضحايا لذات النظام، والذين يتعرضون في الكثير من الأحيان إلى معاملة لا إنسانيّة، وتغيير هذا الهرم من الأسفل، يكشف لنا أن ضحاياه من البشر أكثر بكثير من ضحاياه من "الحيوانات". نعم هناك هيمنة بشريّة على الكوكب وكائناته، لكن لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار، أنها هيمنة بيضاء، رأسماليّة، استعماريّة، تتجلى بمفهوم "الدولة" ذاته، والتغيير والحماية القانونية لكل الكائنات لا بد أن يكون من الأعلى، عبر تغير الوثيقة التأسيسية التي تضمن هيمنة الدولة والإنسان؛ أو ببساطة، الدستور. فحين نقرأ مثلاً أن كل الكائنات ولدت متساويّة، يصبح تحرير الدجاج منطقياً، بعد الانتهاء من تحرير كلّ البشر.
الشروحات النظريّة واتهامات النفاق المحقة التي تطاول الناشطين المتشددين في مجال حقوق الحيوان لا يمكن مقارنتها بعاطفيّة وأثر احتجاجاتهم، واستماتتهم في حماية الحقوق الإنسانيّة للكائنات، في تجاهل للملاين الذين هم أنفسهم المحرك الرئيسي لهذه الصفات، كالخوف، والألم والحياة، لكن نظرة مختلفة تكشف لنا أن هذه الصفات الإنسانيّة تضمن للمُستعمر سيادته على الأدنى، سواء كان دجاجة أو لاجئاً أو مهاجراً غير شرعي، ولا فرق في إنقاذ أي منهم، كونهم جميعاً كتلة متجانسة، تفتقد للخصائص الإنسانيّة، التي لا بدّ من "تحريرهم" كي يتمتعوا بها.