من جَلَد رائف بدوي ولمصلحة من؟
منذ يناير/كانون الثاني الفائت، حيث نفّذت الدفعة الأولى من جلد المدون السعودي، رائف بدوي؛ في بلاده، وأنا أتساءل: من أعطى الأمر المباشر لجلد رائف؟ ومن أمر بإيقاف الجلد حتى الآن؟
يجيب على سؤالي الأول سفير المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة؛ عبدالله المعلمي، في مقال نشر له بعد حادثة الجلد بثلاثة أيام، في جريدة محلية سعودية (المدينة)؛ حيث يسأل القضاة عن الهدف من عقوبة الجلد التي حكموا بها على رائف، وعن الحكمة في تكرارها عشرين مرة وبشكل علني. وخلص المقال إلى ما نصه: "لن أحدثكم عن تناقض عقوبة الجلد مع الأعراف والمواثيق الدولية التي تعتبر الجلد نوعاً من أنواع التعذيب المحظور دولياً، ولو كان الحكم الصادر مبنياً على حد من حدود الله القطعية، لسلّمنا به، ودافعنا عنه إيماناً بشرع الله".
وهنا، يخاطب السفير القضاء بلهجة الاستهجان والاستغراب، وبشكل غير مسبوق، يوضح حجم غضب الحكومة السعودية من تنفيذ جلد رائف الذي يتنافى مع الأعراف والمواثيق الدولية التي تعتبر الجلد من أنواع التعذيب المحظور دولياً، حسب السفير. إذاً، ما الذي يحدث، وكيف يصدر مثل هذا الكلام من شخص بحجم ومنصب سفير مهم وحساس، مثل السفير عبدالله المعلمي، وبعد الجلد مباشرة؟
يقول لي مصدر سعودي رفيع إن كل المسؤولين الكبار صدموا، حقيقة، عند سماعهم خبر الجلد، بل تحدث بعضهم من شدة الغضب علناً، مثل السفير المعلمي؛ وعندما سألته عمّن أمر بتنفيذ عملية الجلد، لم يجب، وحاول تطميني بأن جلد رائف لن يتكرر أبداً.
كما خرج أيضاً، أخيراً، رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط السعودية، سلمان بن يوسف الدوسري، وقال، في حديث تلفزيوني لقناة فرانس 24، إن أطرافاً في الحكومة السعودية غير راضين عن جلد رائف بدوي وضد هذا القرار؛ والمعروف أنه مقرب جدا من النظام السياسي السعودي، فضلا عن أنه رئيس تحرير جريدة يملكها أبناء الملك سلمان بن عبد العزيز.
وعندما بحثت عمّن هي الشخصية التي كانت وراء أمر جلد رائف؛ اتضحت لي أمور كثيرة، لم أفصح بها إلا في مقالي هذا. بعد بحث دقيق، توصلت، يقيناً، إلى أن رئيس المحكمة الجزائية في جدة، الشيخ عبد العزيز الشثري، هو الذي أصر على تنفيذ الجلد العلني، وفي ذلك اليوم تحديداً، وقد مارس كل ما يستطيع، حتى يتم التنفيذ، من دون أن يعود إلى الجهات العليا في البلاد. وتحت الضغط، استجابت إدارة سجن جدة لطلب رئيس المحكمة، وفعلاً تم تنفيذ الجلد الوحشي.
وهنا، خالف رئيس المحكمة النظام، حينما أمر بالتنفيذ، على الرغم من علمه المسبق بوجود ملف القضية للدراسة في أعلى محكمة في البلاد، وهي المحكمة العليا؛ وخالف كل المواثيق الدولية الموقعة عليها المملكة في هذا الشأن، حسب ما كتب السفير عبدالله المعلمي.
إذاً، وبعد كل هذه الفترة الطويلة التي تم تأجيل الجلد فيها التي لا نعرف منها غير أنها لأسباب صحية؛ هل فعلاً هناك أشخاص في الحكومة ضد جلد رائف بدوي؟ أعتقد، وببساطة، أن الجواب نعم، والدليل مقال السفير المعلمي، وتأجيل الجلد حتى الآن. لكن، هل فعلاً هؤلاء الأشخاص أصحاب قرار؛ وإذا كانوا كذلك، فلماذا لم يصدر عفو حتى الآن، أو على أقل تقدير إيقاف رسمي لعقوبة الجلد؟
أعتقد، وبعد معرفتي بالشخصية التي تقف خلف تنفيذ الجلد، أن كبار مشايخ الدين يضغطون على الحكومة السعودية للتنكيل برائف. وللأسف الشديد، يبدو أن هناك من يستمع لهم، بل ويحرّض على الاستماع لهم. وكل ما أتمناه أن يتدخل العقلاء من المتنفذين، لإنهاء هذه الأزمة التي طالت الجميع، وأوصلت معها الأمور إلى تصعيد عالمي، لم يسبق له مثيل. كل الأمر من البداية لا يستحق كل هذا، فرائف بدوي إنسان مسالم، ومحب لوطنه، وفضل المواجهة وعدم الهرب، لعلمه أنه لم يخطئ، مع أنه كان في بريطانيا بداية القضية عام 2008، وكان في وسعه اللجوء هناك، لكنه آثر المواجهة، لعلمه أنه لم يقترف خطأ، وعاد طواعية إلى بلاده، مع علمه المسبق بأنه هدف لرجال الدين.
لا أحاول، في هذه السطور، أن أتهم أحداً، أو أنفي التهمة عن آخر؛ وإنما أحاول، فقط، أن أقرأ من يقف خلف كل هذا الكابوس.