30 سبتمبر 2015
من سيذبح المماليك في القاهرة؟
تذكر كتب التاريخ أن حاكم مصر، محمد علي باشا، وافق على طلب الباب العالي لتسيير حملة إلى نجد، للقضاء على الحركة الوهابية، وهو، لهذه الغاية، أعد جيشاً على رأسه ابنه طوسون. وفي يوم وداع الجيش، دعا محمد علي إلى احتفال كبير في قلعة باب العزب في القاهرة، لباها جميع أعيان القاهرة ورجالاتها، ومنهم حوالى خمسمائة مملوك، جاؤوا بأبهى حللهم وزينتهم. انتهى الحفل، وسارت طلائع الجيش مغادرةً القلعة، لكن محمد علي كان قد أعد العدة لذبح جميع المماليك الذين حضروا الحفل، وفعلاً أغلقت أبواب القلعة، وبدأت عمليات القتل التي طالت المماليك الخمسمائة، ولم ينج منهم سوى واحد، استطاع الفرار من أسوار القلعة.
كان هذا الحدث في يوم 1 مارس/ آذار من عام 1811، أدرك محمد علي أن حاجة الدولة العثمانية له في القضاء على الحركة الوهابية ستجبرها على السكوت عن فعلته، وهو، بالتالي، ضمن حكم مصر بشكل فردي بلا منازع، وهذا ما تم له فعلاً.
التاريخ لا يعيد نفسه أبداً، وإن فعل فإنه يعيد نفسه بطريقة أكثر سخرية، وأكثر مرارة. تتشابه الظروف بين الماضي والحاضر، وإن اختلفت أطراف اللعبة وسببها، لكن الغاية واحدة، حاكم فرد أحد صمد، يدخل اللعبة الإقليمية لتثبيت عرشه، قافزاً فوق بحر من الدماء والأشلاء.
يدرك والي مصر الجديد أن حكم مصر لا يكون عبر تفاعلات الداخل المصري وموازين القوى فيه، بل عبر خارجٍ أصبح يمثل المحرك الأساسي للعبة السياسة الداخلية، فالوالي جاء عبر انقلاب مدعوم وممول ومرتب له من جهات إقليمية، وهذا بالضبط ما يجعله أكثر وثوقاً من أن بقاءه مرتبط بقدرته على أن يكون لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه في اللعبة الإقليمية التي تدور رحاها الآن.
أدرك الوالي أن التغيير في أداء السياسة السعودية قد يحمل في طيّاته انتهاء دوره وعصره وكرسيه المسنود بمليارات "الرز"، فقد انتقلت السعودية من مرحلة الدبلوماسية الصامتة وتحريك الأدوات عن بعد إلى الفعل المباشر، وهي مجبرة في هذا السياق على إعادة صوغ تفاهمات كبرى مع قوى الإقليم، التي تشاركها همومها ومخاوفها، وهذا بالضبط سيقود حتماً للتفاهم مع المحور القطري التركي، والذي يعني، بشكل مباشر، إمكانية أن يكون حكم الوالي جزءاً من هذا التفاهم.
فما إن تنتهي السعودية من انشغالاتها في مصر، حتى يكون أمام أجندتها ترتيب الأوضاع في سورية، بما يتفق مع مصالحها الاستراتيجية والأمنية، وسيكون ترتيب الأوضاع في سورية ومصر وليبيا أساساً لبناء شبكة الأمان السعودية التي تسعى المملكة جاهدة إلى وضع أسسها العامة في هذه المرحلة.
ربط والي مصر مصير حكمه بمصير وديعة طهران في دمشق، من دون أن يدري أن الدعم الخفي والظاهر الذي يقدمه اليوم لبشار (وديعة طهران) سيجعل من الصدام المباشر مع السعودية أمراً لا مفر منه، وهو حاصل اليوم على المستوى الإعلامي، كما يعبر عنه إعلاميو دولة "عباس باشا" ملك التسريبات.
إن مناكفة السياسة التركية في سورية وإصرار والي مصر على تأمين مخرج لـ "وديعة طهران" سيقود حكماً إلى تثبيت النفوذ الإيراني في سورية، وبالتالي، في المنطقة، الأمر الذي بات أشبه بخط أحمر سعودي هذه المرة.
عمل والي مصر، منذ أكثر من عام، على إضعاف موقف جامعة الدول العربية من المسألة السورية، وهذا الأمر بات واضحاً لكل مراقب، فمواقف الجامعة، بعد كل المجازر والتضحيات والدماء التي قدمها السوريون، باتت أخفض سقفاً مما كانت عليه في بداية الثورة السورية. من هذا المنطلق، يعمل والي مصر على تصنيع معارضة في القاهرة، تقبل بنصف حل، وتوافق على بقاء "وديعة طهران في دمشق" عامين إضافيين، الأمر الذي سيتم في اجتماع القاهرة يوم الثامن من الشهر المقبل، حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك.
يهدف هذا المؤتمر، من وجهة نظر الوالي، إلى تحقيق مكاسب خاصة بالنسبة له، فهو، من ناحية، يريد مناكفة التوجه السعودي الجديد في المنطقة، بعد "عاصفة الحزم". ومن ناحية أخرى، يريد لطهران أن تبقى قوية، لأن وجودها يعني إضعاف الدور السعودي الإقليمي. ومن ناحية ثالثة، يريد التشويش على إمكانية وجود تفاهم تركي سعودي قطري لحل القضية السورية، وهذا التفاهم لن يتم إلا بعد حسم مصير الوالي نفسه.
هذه الاعتبارات يمكن فهمها لأي حاكم جاء بقوة التأثير الإقليمي، وليس بناء على رغبة شعبية وشرعية، تستند إلى نظم قانونية ثابتة وغير متحركة، لكن ما لا يمكن فهمه هو الاعتبارات التي تقود هؤلاء "المعارضين لنظام مستبد" إلى الذهاب في خيارات الوالي المصري، التي تتعارض بوضوح مع أهداف الثورة السورية.
هذا الحماس من بعض الذين يسمون أنفسهم "معارضة وطنية ديمقراطية" للذهاب في خيار تدميري للقضية السورية، غايته الاصطفاف وراء محور معني بالحفاظ على دور إيران ونفوذها، بما يعني، حكماً، الاصطفاف خلف بشار الأسد، بعد كل الذي جرى في السنوات الماضية، وهذا يدل في الحد الأدنى (إن سلّمنا بصدق النيات) على جهل أولئك "المعارضين" بتفاصيل توازنات القوى ولعبة المحاور اليوم.
في الحالة السورية، تتلاقى محاولات بشار، باستخدام "داعش" المغضوض الطرف عنها أميركياً، ومحاولات والي مصر، باستخدام "معارضة مملوكية جديدة"، في هدف واحد، هو إضعاف الموقف السعودي في الإقليم، وهذا بالضرورة يؤمن فرصة لـ "وديعة طهران" بالبقاء.
ما أشبه اليوم بالبارحة، بين دعوة والي مصر محمد علي باشا المماليك لحضور احتفال تدشينه متصدياً للحركة الوهابية، وبين دعوة والي مصر ما تسمى "معارضة سورية"، لتدشين تصديه للسياسة السعودية الجديدة.
الفارق بين الحدثين هو كم السخرية والمرارة بينهما. في الأول، غدر الوالي محمد علي باشا بالمماليك، ومنحهم شرف الموت بحد سيفه. وفي الحالة الثانية، لن يمنح المماليك الجدد شرف الموت بسيف عدوهم، بل سيترك لهم فقط عار الانتحار بأيديهم، وهذا ما سيفعلونه.
التاريخ لا يعيد نفسه أبداً، وإن فعل فإنه يعيد نفسه بطريقة أكثر سخرية، وأكثر مرارة. تتشابه الظروف بين الماضي والحاضر، وإن اختلفت أطراف اللعبة وسببها، لكن الغاية واحدة، حاكم فرد أحد صمد، يدخل اللعبة الإقليمية لتثبيت عرشه، قافزاً فوق بحر من الدماء والأشلاء.
يدرك والي مصر الجديد أن حكم مصر لا يكون عبر تفاعلات الداخل المصري وموازين القوى فيه، بل عبر خارجٍ أصبح يمثل المحرك الأساسي للعبة السياسة الداخلية، فالوالي جاء عبر انقلاب مدعوم وممول ومرتب له من جهات إقليمية، وهذا بالضبط ما يجعله أكثر وثوقاً من أن بقاءه مرتبط بقدرته على أن يكون لاعباً لا يمكن الاستغناء عنه في اللعبة الإقليمية التي تدور رحاها الآن.
أدرك الوالي أن التغيير في أداء السياسة السعودية قد يحمل في طيّاته انتهاء دوره وعصره وكرسيه المسنود بمليارات "الرز"، فقد انتقلت السعودية من مرحلة الدبلوماسية الصامتة وتحريك الأدوات عن بعد إلى الفعل المباشر، وهي مجبرة في هذا السياق على إعادة صوغ تفاهمات كبرى مع قوى الإقليم، التي تشاركها همومها ومخاوفها، وهذا بالضبط سيقود حتماً للتفاهم مع المحور القطري التركي، والذي يعني، بشكل مباشر، إمكانية أن يكون حكم الوالي جزءاً من هذا التفاهم.
فما إن تنتهي السعودية من انشغالاتها في مصر، حتى يكون أمام أجندتها ترتيب الأوضاع في سورية، بما يتفق مع مصالحها الاستراتيجية والأمنية، وسيكون ترتيب الأوضاع في سورية ومصر وليبيا أساساً لبناء شبكة الأمان السعودية التي تسعى المملكة جاهدة إلى وضع أسسها العامة في هذه المرحلة.
ربط والي مصر مصير حكمه بمصير وديعة طهران في دمشق، من دون أن يدري أن الدعم الخفي والظاهر الذي يقدمه اليوم لبشار (وديعة طهران) سيجعل من الصدام المباشر مع السعودية أمراً لا مفر منه، وهو حاصل اليوم على المستوى الإعلامي، كما يعبر عنه إعلاميو دولة "عباس باشا" ملك التسريبات.
إن مناكفة السياسة التركية في سورية وإصرار والي مصر على تأمين مخرج لـ "وديعة طهران" سيقود حكماً إلى تثبيت النفوذ الإيراني في سورية، وبالتالي، في المنطقة، الأمر الذي بات أشبه بخط أحمر سعودي هذه المرة.
عمل والي مصر، منذ أكثر من عام، على إضعاف موقف جامعة الدول العربية من المسألة السورية، وهذا الأمر بات واضحاً لكل مراقب، فمواقف الجامعة، بعد كل المجازر والتضحيات والدماء التي قدمها السوريون، باتت أخفض سقفاً مما كانت عليه في بداية الثورة السورية. من هذا المنطلق، يعمل والي مصر على تصنيع معارضة في القاهرة، تقبل بنصف حل، وتوافق على بقاء "وديعة طهران في دمشق" عامين إضافيين، الأمر الذي سيتم في اجتماع القاهرة يوم الثامن من الشهر المقبل، حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك.
يهدف هذا المؤتمر، من وجهة نظر الوالي، إلى تحقيق مكاسب خاصة بالنسبة له، فهو، من ناحية، يريد مناكفة التوجه السعودي الجديد في المنطقة، بعد "عاصفة الحزم". ومن ناحية أخرى، يريد لطهران أن تبقى قوية، لأن وجودها يعني إضعاف الدور السعودي الإقليمي. ومن ناحية ثالثة، يريد التشويش على إمكانية وجود تفاهم تركي سعودي قطري لحل القضية السورية، وهذا التفاهم لن يتم إلا بعد حسم مصير الوالي نفسه.
هذه الاعتبارات يمكن فهمها لأي حاكم جاء بقوة التأثير الإقليمي، وليس بناء على رغبة شعبية وشرعية، تستند إلى نظم قانونية ثابتة وغير متحركة، لكن ما لا يمكن فهمه هو الاعتبارات التي تقود هؤلاء "المعارضين لنظام مستبد" إلى الذهاب في خيارات الوالي المصري، التي تتعارض بوضوح مع أهداف الثورة السورية.
هذا الحماس من بعض الذين يسمون أنفسهم "معارضة وطنية ديمقراطية" للذهاب في خيار تدميري للقضية السورية، غايته الاصطفاف وراء محور معني بالحفاظ على دور إيران ونفوذها، بما يعني، حكماً، الاصطفاف خلف بشار الأسد، بعد كل الذي جرى في السنوات الماضية، وهذا يدل في الحد الأدنى (إن سلّمنا بصدق النيات) على جهل أولئك "المعارضين" بتفاصيل توازنات القوى ولعبة المحاور اليوم.
في الحالة السورية، تتلاقى محاولات بشار، باستخدام "داعش" المغضوض الطرف عنها أميركياً، ومحاولات والي مصر، باستخدام "معارضة مملوكية جديدة"، في هدف واحد، هو إضعاف الموقف السعودي في الإقليم، وهذا بالضرورة يؤمن فرصة لـ "وديعة طهران" بالبقاء.
ما أشبه اليوم بالبارحة، بين دعوة والي مصر محمد علي باشا المماليك لحضور احتفال تدشينه متصدياً للحركة الوهابية، وبين دعوة والي مصر ما تسمى "معارضة سورية"، لتدشين تصديه للسياسة السعودية الجديدة.
الفارق بين الحدثين هو كم السخرية والمرارة بينهما. في الأول، غدر الوالي محمد علي باشا بالمماليك، ومنحهم شرف الموت بحد سيفه. وفي الحالة الثانية، لن يمنح المماليك الجدد شرف الموت بسيف عدوهم، بل سيترك لهم فقط عار الانتحار بأيديهم، وهذا ما سيفعلونه.