21 فبراير 2018
من هنا خرج "داعش"
النار التي أحرقت الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على يد تنظيم داعش، نار اشتعلت في المنطقة العربية منذ سنوات طويلة. والآن فقط، أصبحت ظاهرة للعيان، تصدم الرأي العام، وتزرع الخوف في نفوس البشر، وتذكّر العالم بتاريخ البربرية الذي انقضى، ولم يعد له وجود، سوى في المتاحف وكتب التاريخ.
داعش، وعلى الرغم مما قيل عنه، وعن أيدي المخابرات السورية والإيرانية والسعودية والأميركية في ميلاده، هو ابن شرعي للنظام العربي، خرج مسلحوه ووحوشه من رحم المنطقة، أنظمة ومجتمعات، هذه هي الحقيقة التي نهرب منها. ليس الفكر القابع خلف داعش مستوردا ولا دخيلاً، إنه صناعة محلية، نعم جرى تركيز محلوله القوي في منطقة واحدة، وجرى تسليحه في مناخٍ، سمح بنموه وتطوره، لكنه موجود، منذ عقود، في المنطقة، صرفنا عليه ميزانيات ضخمة لتربيته وتنشئته، حتى اشتد عوده، وها هو يأكلنا، بعد أن خرج عن طوعنا.
داعش نبتة لها جذور في أرض الاستبداد العربي الذي قتل الحرية والتعددية والديمقراطية، وأعدم الحاسة النقدية تجاه السياسة والدين في العالم العربي. النظام العربي الذي جرف الحياة السياسية بالمطلق، حتى لم يعد في يد المهمشين والمقصيين سوى سلاح الدين، يخرجونه من الفهم الحرفي للنصوص، ومن أكثر أنماط التدين تشدداً وتطرفاً وتنطعاً، ليؤدي وظيفة احتجاجية، سياسية وعسكرية وأيديولوجية، في حرب غير متكافئة.
كان منظّر الحرب الأبرز في التاريخ الحديث، نابليون بونابرت، يقول حكمة عسكرية ملخصها: لا تدفع بعدوك إلى الزاوية الضيقة، بحيث لا يستطيع أن يهرب، وقد يدمرك ويدمر نفسه ساعتها. دائماً، اترك لعدوك مخرجاً، يغطي به بعض خساراته. هذا، بالضبط، ما لم تأخذ به الأنظمة العربية، حيث حشرت شعوبها في مأزق كبير، فلم تعد أمام قطاعات واسعة من الشباب خيارات كثيرة.
داعش الذي يحرق البشر أحياء، ويأكل قلوب ضحاياه أمام الكاميرا، ويرجم النساء في الشوارع، ويعلن البيعة لأمير المؤمنين، أبوبكر البغدادي، سمعاً وطاعةً، بلا جدال، ولا انتخاب.. داعش هذا ابننا المسجل في الحالة العائلية للتطرف والتشدد والجمود الديني الذي ما زال يقيد فكر المجتمعات العربية التي ما زالت تطبع كتب فقه الحرب، العائدة إلى القرون الوسطى، وتحفظ أدبيات الحروب الصليبية، وتروج فتاوى ابن تيمية، وآراء فقهاء من زمن مضى، وتحكِّم الأموات الذين اندثرت قبورهم في شؤون الأحياء الذين يواجهون عصراً آخر وثقافة أخرى، وموازين قوى مغايرة تماماً للتي كانت سائدةً أيام الصحابة والتابعين، ومن تبعهم، هذا السفر في التاريخ هو هروب من الحاضر، وعجز عن مواجهة استحقاقات المستقبل.
قرأت الكثير عن قصة نشوء داعش وتركيبتها وأيدولوجيتها، وحاورت بالبريد الإلكتروني سوريين يعيشون تحت جحيم الراية السوداء في بلدهم. والخلاصة التي خرجت بها أن الداعشي مجرم وضحية، في الوقت نفسه، فاعل ومفعول به، مقاتل لا يعرف ساحة المعركة الحقيقية في عالم معقد، ميلشيا جهادية عابرة للحدود، مسلحة بآخر ما أنتجت المصانع الأميركية والأوروبية من سلاح، لكن عقلها أعزل من أي سلاح فكري، أو علمي أو سياسي. لهذا، تنظيم الدولة، اليوم، أكبر من يضر المسلمين وصورتهم حول العالم، وأكبر من يضر الربيع العربي الذي لاح قبل أربع سنوات، وأعطى الشباب خياراً ثالثاً، غير الخضوع للاستبداد، أو الارتماء في أحضان القاعدة وأخواتها.
داعش ثمرة في شجرة الدولة العربية الفاشلة. داعش الفاتورة الثقيلة التي يؤديها العرب جراء التأخر في ورش الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني. داعش رد فعل على جرائم إسرائيل مدة 60 سنة في فلسطين. داعش هو القيح الذي يخرج من الجرح السوري الذي ظل مفتوحا مدة طويلة.
داعش، وعلى الرغم مما قيل عنه، وعن أيدي المخابرات السورية والإيرانية والسعودية والأميركية في ميلاده، هو ابن شرعي للنظام العربي، خرج مسلحوه ووحوشه من رحم المنطقة، أنظمة ومجتمعات، هذه هي الحقيقة التي نهرب منها. ليس الفكر القابع خلف داعش مستوردا ولا دخيلاً، إنه صناعة محلية، نعم جرى تركيز محلوله القوي في منطقة واحدة، وجرى تسليحه في مناخٍ، سمح بنموه وتطوره، لكنه موجود، منذ عقود، في المنطقة، صرفنا عليه ميزانيات ضخمة لتربيته وتنشئته، حتى اشتد عوده، وها هو يأكلنا، بعد أن خرج عن طوعنا.
داعش نبتة لها جذور في أرض الاستبداد العربي الذي قتل الحرية والتعددية والديمقراطية، وأعدم الحاسة النقدية تجاه السياسة والدين في العالم العربي. النظام العربي الذي جرف الحياة السياسية بالمطلق، حتى لم يعد في يد المهمشين والمقصيين سوى سلاح الدين، يخرجونه من الفهم الحرفي للنصوص، ومن أكثر أنماط التدين تشدداً وتطرفاً وتنطعاً، ليؤدي وظيفة احتجاجية، سياسية وعسكرية وأيديولوجية، في حرب غير متكافئة.
كان منظّر الحرب الأبرز في التاريخ الحديث، نابليون بونابرت، يقول حكمة عسكرية ملخصها: لا تدفع بعدوك إلى الزاوية الضيقة، بحيث لا يستطيع أن يهرب، وقد يدمرك ويدمر نفسه ساعتها. دائماً، اترك لعدوك مخرجاً، يغطي به بعض خساراته. هذا، بالضبط، ما لم تأخذ به الأنظمة العربية، حيث حشرت شعوبها في مأزق كبير، فلم تعد أمام قطاعات واسعة من الشباب خيارات كثيرة.
داعش الذي يحرق البشر أحياء، ويأكل قلوب ضحاياه أمام الكاميرا، ويرجم النساء في الشوارع، ويعلن البيعة لأمير المؤمنين، أبوبكر البغدادي، سمعاً وطاعةً، بلا جدال، ولا انتخاب.. داعش هذا ابننا المسجل في الحالة العائلية للتطرف والتشدد والجمود الديني الذي ما زال يقيد فكر المجتمعات العربية التي ما زالت تطبع كتب فقه الحرب، العائدة إلى القرون الوسطى، وتحفظ أدبيات الحروب الصليبية، وتروج فتاوى ابن تيمية، وآراء فقهاء من زمن مضى، وتحكِّم الأموات الذين اندثرت قبورهم في شؤون الأحياء الذين يواجهون عصراً آخر وثقافة أخرى، وموازين قوى مغايرة تماماً للتي كانت سائدةً أيام الصحابة والتابعين، ومن تبعهم، هذا السفر في التاريخ هو هروب من الحاضر، وعجز عن مواجهة استحقاقات المستقبل.
قرأت الكثير عن قصة نشوء داعش وتركيبتها وأيدولوجيتها، وحاورت بالبريد الإلكتروني سوريين يعيشون تحت جحيم الراية السوداء في بلدهم. والخلاصة التي خرجت بها أن الداعشي مجرم وضحية، في الوقت نفسه، فاعل ومفعول به، مقاتل لا يعرف ساحة المعركة الحقيقية في عالم معقد، ميلشيا جهادية عابرة للحدود، مسلحة بآخر ما أنتجت المصانع الأميركية والأوروبية من سلاح، لكن عقلها أعزل من أي سلاح فكري، أو علمي أو سياسي. لهذا، تنظيم الدولة، اليوم، أكبر من يضر المسلمين وصورتهم حول العالم، وأكبر من يضر الربيع العربي الذي لاح قبل أربع سنوات، وأعطى الشباب خياراً ثالثاً، غير الخضوع للاستبداد، أو الارتماء في أحضان القاعدة وأخواتها.
داعش ثمرة في شجرة الدولة العربية الفاشلة. داعش الفاتورة الثقيلة التي يؤديها العرب جراء التأخر في ورش الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني. داعش رد فعل على جرائم إسرائيل مدة 60 سنة في فلسطين. داعش هو القيح الذي يخرج من الجرح السوري الذي ظل مفتوحا مدة طويلة.