الحارس القشاش
تُمنح صفة "الحارس القشاش" للاعب الذي يدير شؤون المنطقة خلف آخر خط دفاع في فريقه. والهدف هو اللعب بأسلوب متقدم عن المرمى والاقتراب من المدافعين أكثر من الوضع الطبيعي. ويعمل هذا الحارس بيقظة كبيرة خصوصاً في الكرات المرتدة السريعة، كما أنه يُساعد في بناء الهجمة من الخلف في حال قطعها من خارج منطقة الجزاء (الهجمة المعاكسة السريعة).
وبالمختصر فإن "الحارس القشاش" هو اللاعب رقم 11 على أرض الملعب وتحديداً خارج منطقة مرماه. هو الحارس الذي لا يخاف ترك مرماه والخروج بسرعة لقطع الكرة مهما كلف الأمر، وهو اللاعب الأكثر تركيزاً خلال 90 دقيقة من المباراة، خصوصاً أنه اللاعب الأخير في المجموعة الذي يلعب في ظهر المدافعين الأساسيين.
يجب أن يتمتع "الحارس القشاش" بحس عال من المهارة الفردية بالكرة ويملك ثقة كبيرة لإنقاذ فريقه في المواقف الحرجة. وربما أول من ابتكر هذه الصفة هو الحارس الروسي ليف ياشين الذي ظهر في المباريات الدولية ومثل هذا الدور بشكل رائع.
البداية مع ليف ياشين
اشتهر ليف ياشين الحارس الوحيد الذي تُوج بجائزة الكرة الذهبية تاريخياً، بأنه الحارس القادر على ترك منطقة جزائه ومساعدة زملائه على أرض الملعب من دون خوف. حتى أنه الحارس الذي كان يُساهم في صناعة الهجمات المرتدة السريعة وإعطاء دفع كبير لخط الوسط والهجوم من خلال النقل السريع للكرة على أرض الملعب.
اكتسب ياشين سهرة كبيرة ومُنح صفة "الحارس القشاش" آنذاك، لتبدأ هذه الصفة بالانتشار سريعاً بين حراس المرمى، ولعل أبرزهم هو الحارس المجري غيولا غروسيس. نجح غروسيس في اقتباس دور ياشين مع تميز كبير عبر التمريرات في عرض الملعب وتسليم اللاعبين الكرات بشكل مُميز من دون أخطاء.
حتى أن المنتخب المجري مع بداية الخمسينيات كان يعتمد على الفكر الهجومي لصناعة الفارق أمام أي منتخب، والبداية دائماً كانت من الحارس غيولا غروسيس، الذي يستلم الكرة من على حدود منطقة الجزاء ويضبط الإيقاع ويُحرك اللاعبين ويدفعهم إلى الأمام ثم يُمرر وينطلق المنتخب المجري بالهجمة.
واستمر دور "الحارس القشاش" حتى بداية التسعينيات والذي تطور كثيراً مع المدرب الهولندي يوهان كرويف، الذي قدم لوحة كروية رائعة مع برشلونة بفضل أفكاره التدريبية والتكتيكية المُميزة، والتي حولت برشلونة إلى واحد من أفضل أندية العالم في كرة القدم آنذاك، وهو الأمر الذي نسخه المدرب الإسباني بيب غوارديولا مع برشلونة وبايرن ميونخ ومانشستر سيتي حالياً.
حقبة نوير وتير شتيغن
أراد بيب غوارديولا نسخ فكر يوهان كرويف في ما يتعلق بحارس المرمى ودوره كصانع للعب من الخلف، وبالتالي الحفاظ على الكرة لأطول فترة ممكنة حتى لو شارك الحارس في اللعبة لأكثر من مرة واحدة. هذه النظرية طبقها غوارديولا مع برشلونة عندما كان فيكتور فالديز حارساً آنذاك، وهو الدور الذي نجح فيه فالديز وكان اللاعب رقم 11 ومُحرك اللعب من الخلف.
ويلعب هذا الدور اليوم كل من مانويل نوير في بايرن ميونخ الألماني ومارك أندري تير شتيغن في برشلونة. إذ يلعب الحارسان الألمانيان في موقع متقدم دائماً يميل إلى خارج منطقة الجزاء، ويشاركان في صناعة اللعب دائماً، حتى أن المدربين يعتمدون عليهم كثيراً في بناء الهجمات الصحيحة، وذلك بفضل رؤيتهم الواسعة من الخلف.
في المقابل اقتبس دور "الحارس القشاش" أيضاً حراس كثيرون في قارة أميركا الجنوبية، مثل أماديو كاريزو، خوسيه لويس شيلافيرت والحارس الكولومبي الشهير ريني هيغيتا. كل هؤلاء لعبوا هذا الدور الجديد في حراسة المرمى وقادوا أنديتهم لصناعة الفارق في كرة القدم الحديثة.
وقد يكون دور "الحارس القشاش" سلاحاً ذا حدين بالنسبة لأي مدرب، وذلك لأن تطبيقه على حارس مرمى غير مقتدر أو متسرع قد يتسبب بكارثة لأي فريق. ويمكن ذكر هنا ما حصل مع المدرب بيب غوارديولا عندما وصل إلى مانشستر سيتي وتعاقد مع الحارس التشيلي كلاوديو برافو.
أخطأ كلاوديو برافو كثيراً في تسليم الكرات والتمرير، وكلف فريقه عددا من الأهداف، ولهذا السبب لا يمكن الاعتماد فقط على هذا الدور لبناء الهجمات السريعة في المباريات، خصوصاً في حال كان حارس المرمى ضعيفاً فنياً ولا يتمتع بمهارات فردية جيدة بالقدم.
وربما أفضل من يُطبق دور "الحارس القشاش" حالياً هم مانويل نوير وتير شتيغن، فالأول اكتسب شهرة كبيرة في عالم كرة القدم بسبب خروجه المبالغ فيه الذي قد يصل إلى حدود وسط الملعب، وهدفه الأول هو قطع الإمدادات من أمام الخصم في أسرع وقت ممكن وفي أقل مسافة.
وهو الدور الذي يلعبه حالياً الحارس الألماني مارك أندريه تير شتيغن مع برشلونة، حيثُ يقدم تير شتيغن أداءً رائعاً حتى الآن، خصوصاً على صعيد صناعة اللعب من الخلف، إذ إن المدرب الإسباني إرنستو فالفيردي يعتمد على الحارس الألماني كثيراً في معظم المباريات لكي تبدأ كل الهجمات من عنده أولاً. فمن سيخلف كل من نوير وتير شتيغن ويقتبس دور ليف ياشين في المستقبل؟