في نهاية مارس/ آذار الماضي، وبعد صعوبات كبيرة، استطاع المجلس الرئاسي دخول العاصمة طرابلس بحرا، بعد أن أغلقت حكومة المؤتمر الأجواء أمامه، وقدّر عدد من المتابعين للشأن الليبي أن المؤتمر وحكومته في طريقهما إلى الاختفاء من المشهد تماما، لكن الواقع يؤكد عكس هذا التقدير، حيث أصدر المؤتمر الوطني بيانا، أمس الأول الجمعة، وعد فيه من وصفهم بـ"الثوار الشرفاء" بأنه "ماض في طريقه، عاقدا العزم على الوفاء للثورة"، متهما "بعض المجالس البلدية وكتائب محسوبة على الثورة بالعمل ضد ممثلي الثوار، وهرعها إلى المبعوث الأممي تستجدي رضاه، دون إبداء أي اعتبار للسلطة الشرعية للدولة".
وأعلنت حكومة المؤتمر براءتها من "خذلان رفقاء الأمس وانتكاستهم عن الوفاء لثورتهم"، محملة كامل المسؤولية إلى "أطراف بعينها أصبحت شوكة في خاصرة الثورة و الثوار"، وخصت بالذكر "الأحزاب السياسية المتنفذة وأذرعها الإعلامية، وعلى رأسها حزب "العدالة والبناء"، الذي مكن الانقلابيين وحيّد الثوار وممثلهم السياسي بجرة قلم"، بحسب لغة البيان.
وإن كان البيان يعد الخروج الأول للمؤتمر منذ ثلاثة أشهر، إلا أن حكومته لم تغب عن المشهد في ليبيا، فموقعها الرسمي وصفحاتها على صفحات التواصل لا تزال تنشر مراسيمها وقراراتها بتنحية مسؤولين من مناصبهم وتعيين آخرين، كما تصدر تعزيات لعائلات ضحايا القتال في سرت، وتواكب أحداثه، وتعلق على الأحداث السياسية على الساحة المحلية والدولية.
مصادر متطابقة أكدت لـ"العربي الجديد" أن رئيس حكومة المؤتمر، خليفة الغويل، لا يزال يعقد اجتماعاته ببعض وزراء حكومته من داخل فندق البركة بمصراتة، وفندق توباكتس وسط طرابلس، وهما فندقان يملكهما أحد أبرز أعضاء المجلس الرئاسي، مما يثير أسئلة حول رابط خفي بين حكومة المؤتمر، التي ينحدر رئيسها من مصراتة، والمجلس الرئاسي، الذي يحتضن أحد أعضائه الحكومة في فنادقه.
وبما أن استمرار وجود هذه الحكومة، المعطّلة دوليا وداخليا، يتطلب أن يكون لديها نطاق حماية ليتيح لها حرية الحركة، يطرح سؤالا عن النطاق الجغرافي الذي تشتغل فيه بحرية، سيما وأنها تتواجد في فندق شهير وسط العاصمة، إذ "كيف لحكومة معطلة داخليا ودوليا، بل رئيسها الغويل ملاحق بعقوبات دولية، أن تتحرك بحرية وعلنا في نطاق جغرافي من المفترض أنه تحت إمرة المجلس الرئاسي؟".
وفي ظل حالة الالتباس بشأن سماح المجلس الرئاسي لحكومة أخرى معارضة بالعمل بحرية بالقرب منه، جرى، الثلاثاء الماضي، الكشف عن مراسلة يطالب فيها المجلس إدارة الموازنة بوزارة المالية، التي لم تنضم بعد لحكومة الوفاق، بوقف "تحويل مرتبات وزراء ووكلاء الحكومة السابقة"، مما يشير بوضوح إلى أن حكومة الغويل لا تزال تصرف لها الأموال اللازمة للتحرك و"ممارسة مهامها"، سيما وأن وزارة المالية المخاطبة من المجبري، عضو الرئاسي، لم تعلن بعد اعترافها بحكومة الوفاق، حيث لم تعلن سوى خمس وزارات من أصل عشر وزارات في حكومة الغويل السابقة انضمامها للمجلس الرئاسي.
وفي السياق ذاته، يتساءل مراقبون عن قدرة المجلس الرئاسي، الذي لم يغادر مقره المؤقت في قاعدة عسكرية على البحر، على بسط سيطرته على العاصمة، وإخضاع الوزارات المتبقية للعمل معه، وإنهاء حالة وجود حكومة ووزارات وهيئات موازية تعمل مضادة له وفي نطاقه الجغرافي داخل العاصمة.
متابعون للشأن الليبي يرون أن أطرافا متنفذة لديها روابط بدول إقليمية ودولية أجبرت "الرئاسي" على التغاضي عن استمرار وجود جزء من الحكومة السابقة في طرابلس ومصراتة، سيما وأن الخصم السياسي والعسكري في شرق البلاد لا يزال متعنتا.