يحاول "مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ"، رغم المصاعب كلّها التي يواجهها منذ سنين عدة، أن يتماهى بما تفعله مهرجانات سينمائية دولية، في المستويات المتنوّعة لمضمونه وشكله معاً. يريد، في حفلتي الافتتاح والختام، صناعة مشهدية استعراضية، لكنه يخفق في تحقيق شيء منها على الأقلّ. يسقط في هفوات يعتبرها البعض عادية، لكن تكرارها، وهي بديهية، يُسيء إليه، وإلى مكانته في المشهد الدولي، التي يُدافع عنها، ويجتهد لحماية نفسه من فقدانها. والبديهيات لا تقف عند حفلتي الافتتاح والختام، بل تتعداهما إلى مسائل أخرى، كالأدوات الأساسية، التي يُفترض بالمهرجان تقديمها لضيوفه عند وصولهم، وبعضهم يصل قبل الافتتاح بساعات طويلة.
بعيداً عن التعميم، يأتي افتتاح الدورة الـ 38 للمهرجان، مساء 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، في مناخٍ يشي بتراجعٍ ملحوظ في بديهيات، يُفترض بهذا المهرجان أن يمارسها بشكل طبيعي للغاية. فتكرار ألقابٍ، بعضها يحتوي على تفخيمٍ نافر، توصف بها شخصيات مسؤولة في الدولة المصرية ومهرجان القاهرة، مملّ. والأغنية الافتتاحية ـ المأخوذ لحنها من "صوت الموسيقى"، التي تُسقَط عليه أسماء ممثلين وسينمائيين غربيين وعرب، على خلفية بورتريهات لهم ـ مُسطّحة وساذجة وغير سوية في احتفالٍ بالسينما (غناء "أوبرالي" لنسمة محجوب، إخراج خالد جلال، إعداد موسيقي أحمد طارق يحيى، ديكور محمد غرباوي، أزياء مروة عودة، إضاءة ياسر شعلان، إخراج تنفيذي علا فهمي). واختلاط الموسيقى الصاخبة بتقديم المُكرَّمين، يعكس لامبالاة فظيعة في تنظيم عرضٍ، لا بأس في أن يكون متواضعاً للغاية ومن دون أخطاء، لحفلة افتتاح عادية وبسيطة.
حتى أن التحية الموجَّهة إلى الممثل محمود عبد العزيز، الراحل قبل ثلاثة أيام فقط على افتتاح هذه الدورة الجديدة، لا يرتقي إلى مصافِ المكانة السينمائية والتلفزيونية الخاصة به، ولا يليق بمهرجانٍ يريد أن يكون دولياً، ولا يتناسب مع المعنى الأصلي للسينما، المتمثّل بإعمال المخيّلة والعقل، لابتكارٍ خلّاقٍ، وإبداعٍ مثير لمتعة القلب ودهشة العين. علماً أن هناك لقطاتٍ، مستلّة من أدوار سينمائية وتلفزيونية له، موضوعة على مدخل "دار الأوبرا"، ومعطوفة على جملة يتفوّه بها في مسلسل "جبل الحلال" للثنائي عادل أديب إخراجاً وناصر عبد الرحمن كتابةً: "الموت خوّاف، عشان بيجي مستخبّي. أقولّك، هُوَّ مُشْ خوّاف، هُوَّ خجول، لدرجة مش عاوز حَدّ يشوفه".
المدعوون إلى حفلة الافتتاح كثيرون. الصالة الكبيرة في "دار الأوبرا المصرية" ممتلئة بهم. رئيسة المهرجان ماجدة واصف لم تُلق كلمة، وهذا أمرٌ يُحسَب لها، إذْ يبدو ذلك خطّةً لعدم إضاعة الوقت بالكلام، فالأهم هو السينما؛ تماماً كاختزالِ وزير الثقافة حلمي النمنم كلمته ببضعة تعابير، أبرزها دعوة الجميع إلى الوقوف دقيقة صمت على روح الراحل عبد العزيز، وإعلانه افتتاح الدورة الجديدة.
لكن الخلل كامنٌ في كيفية تقديم المُكرَّمين، وفي كيفية تكريمهم، وفي عدم التنسيق الدقيق في ظهورهم على خشبة المسرح، واستلامهم درع التكريم، وفي إلقائهم كلمات موصوفة بالثناء على المهرجان وشكره، وبالتعبير عن إعجاب بالمدينة والبلد، وفي تنظيم التعريف بأعضاء لجان التحكيم أيضاً.
في مقابل هذا، يتّخذ المُكرَّم، الممثل المصري أحمد حلمي، موقفاً مغايراً للمشهدية الاستعراضية كلّها. فرغم أن في كلامه بعض العصبيّة الوطنيّة، في ظلّ مناخٍ سياسي اقتصادي اجتماعي بائس تعيشه مصر حالياً، إلاّ أنه مُدركٌ تماماً كيفية الاستفادة من تكريمه، لقولٍ يراه البعض صائباً: فهو، أولاً، يُضحِك الجمهور بسخريته الهادئة من مسألة التكريم، بإشارته إلى تطوّر آلياته في تلك البلاد، من تكريم راحلٍ، إلى تكريم شخصية قبيل رحيلها بـ "ساعة"، إلى تكريم شباب لا يزالون على قيد الحياة. وثانياً، بقوله إنه ـ بـ "جائزة فاتن حمامة للتميّز" ـ ينال أربعة تكريمات: كونه يجري على خشبة "دار الأوبرا المصرية"، وكونه يأتي من "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، وكون الجائزة تحمل اسم فنانة مصرية هي فاتن حمامة، ولكون الجائزة تحمل اسم امرأة. وهو، بهذا، يُعلن موقفاً إنسانياً ثقافياً اجتماعياً أساسياً في المشهد المصري الراهن. ويُضيف أن تكريماً خامساً يناله، بمنحه الجائزة إلى روح الراحل محمود عبد العزيز، أي ـ بحسب قوله ـ من "فنان صغير" إلى "قامة كبيرة".
أما المُكرَّمَان الآخران في الجائزة نفسها، فهما الألماني كريستيان بتزولد (رئيس لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية الدولية)، والصيني جيان زان كي. في حين أن "جائزة فاتن حمامة التقديرية"، فممنوحة إلى المخرج المالي شيخ عمر سيسكو (عضو لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية الدولية)، والمنتج الفلسطيني حسين القلا، واسم المخرج المصري الراحل محمد خان، التي استلمتها ابنته، المخرجة نادين خان.
وإذْ تستمرّ الدورة الجديدة هذه لغاية 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فإن البرامج المتنوّعة، التي ترافق "المسابقة الرسمية"، تحاول أن تحتفل بالفن السابع، تحت شعار "السينما للجمهور". ربما لهذا تستعيد إدارة المهرجان حضورها وسط المدينة، بعد غياب طويل عنه، بمسعى واضح إلى إعادة العلاقة بين المهرجان والمشاهدين. وفي مقابل البرامج المعتادة، كـ "آفاق السينما العربية" و"أسبوع النقاد" و"سينما الغد"، فإن المشاهدين مدعوون إلى متابعة "البانوراما العالمية" و"بانوراما الأفلام المصرية الجديدة".
اقــرأ أيضاً
حتى أن التحية الموجَّهة إلى الممثل محمود عبد العزيز، الراحل قبل ثلاثة أيام فقط على افتتاح هذه الدورة الجديدة، لا يرتقي إلى مصافِ المكانة السينمائية والتلفزيونية الخاصة به، ولا يليق بمهرجانٍ يريد أن يكون دولياً، ولا يتناسب مع المعنى الأصلي للسينما، المتمثّل بإعمال المخيّلة والعقل، لابتكارٍ خلّاقٍ، وإبداعٍ مثير لمتعة القلب ودهشة العين. علماً أن هناك لقطاتٍ، مستلّة من أدوار سينمائية وتلفزيونية له، موضوعة على مدخل "دار الأوبرا"، ومعطوفة على جملة يتفوّه بها في مسلسل "جبل الحلال" للثنائي عادل أديب إخراجاً وناصر عبد الرحمن كتابةً: "الموت خوّاف، عشان بيجي مستخبّي. أقولّك، هُوَّ مُشْ خوّاف، هُوَّ خجول، لدرجة مش عاوز حَدّ يشوفه".
المدعوون إلى حفلة الافتتاح كثيرون. الصالة الكبيرة في "دار الأوبرا المصرية" ممتلئة بهم. رئيسة المهرجان ماجدة واصف لم تُلق كلمة، وهذا أمرٌ يُحسَب لها، إذْ يبدو ذلك خطّةً لعدم إضاعة الوقت بالكلام، فالأهم هو السينما؛ تماماً كاختزالِ وزير الثقافة حلمي النمنم كلمته ببضعة تعابير، أبرزها دعوة الجميع إلى الوقوف دقيقة صمت على روح الراحل عبد العزيز، وإعلانه افتتاح الدورة الجديدة.
لكن الخلل كامنٌ في كيفية تقديم المُكرَّمين، وفي كيفية تكريمهم، وفي عدم التنسيق الدقيق في ظهورهم على خشبة المسرح، واستلامهم درع التكريم، وفي إلقائهم كلمات موصوفة بالثناء على المهرجان وشكره، وبالتعبير عن إعجاب بالمدينة والبلد، وفي تنظيم التعريف بأعضاء لجان التحكيم أيضاً.
في مقابل هذا، يتّخذ المُكرَّم، الممثل المصري أحمد حلمي، موقفاً مغايراً للمشهدية الاستعراضية كلّها. فرغم أن في كلامه بعض العصبيّة الوطنيّة، في ظلّ مناخٍ سياسي اقتصادي اجتماعي بائس تعيشه مصر حالياً، إلاّ أنه مُدركٌ تماماً كيفية الاستفادة من تكريمه، لقولٍ يراه البعض صائباً: فهو، أولاً، يُضحِك الجمهور بسخريته الهادئة من مسألة التكريم، بإشارته إلى تطوّر آلياته في تلك البلاد، من تكريم راحلٍ، إلى تكريم شخصية قبيل رحيلها بـ "ساعة"، إلى تكريم شباب لا يزالون على قيد الحياة. وثانياً، بقوله إنه ـ بـ "جائزة فاتن حمامة للتميّز" ـ ينال أربعة تكريمات: كونه يجري على خشبة "دار الأوبرا المصرية"، وكونه يأتي من "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، وكون الجائزة تحمل اسم فنانة مصرية هي فاتن حمامة، ولكون الجائزة تحمل اسم امرأة. وهو، بهذا، يُعلن موقفاً إنسانياً ثقافياً اجتماعياً أساسياً في المشهد المصري الراهن. ويُضيف أن تكريماً خامساً يناله، بمنحه الجائزة إلى روح الراحل محمود عبد العزيز، أي ـ بحسب قوله ـ من "فنان صغير" إلى "قامة كبيرة".
أما المُكرَّمَان الآخران في الجائزة نفسها، فهما الألماني كريستيان بتزولد (رئيس لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية الدولية)، والصيني جيان زان كي. في حين أن "جائزة فاتن حمامة التقديرية"، فممنوحة إلى المخرج المالي شيخ عمر سيسكو (عضو لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية الدولية)، والمنتج الفلسطيني حسين القلا، واسم المخرج المصري الراحل محمد خان، التي استلمتها ابنته، المخرجة نادين خان.
وإذْ تستمرّ الدورة الجديدة هذه لغاية 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، فإن البرامج المتنوّعة، التي ترافق "المسابقة الرسمية"، تحاول أن تحتفل بالفن السابع، تحت شعار "السينما للجمهور". ربما لهذا تستعيد إدارة المهرجان حضورها وسط المدينة، بعد غياب طويل عنه، بمسعى واضح إلى إعادة العلاقة بين المهرجان والمشاهدين. وفي مقابل البرامج المعتادة، كـ "آفاق السينما العربية" و"أسبوع النقاد" و"سينما الغد"، فإن المشاهدين مدعوون إلى متابعة "البانوراما العالمية" و"بانوراما الأفلام المصرية الجديدة".