تنعقد الدورة الـ19 لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة" بين 9 و17 مارس/آذار 2018. وهي مناسبة لإلقاء نظرة على بعض ما تحقّق في العامين الفائتين، في الحقل السينمائي المغربي. المناسبة منبثقة من كون هذا المهرجان، الذي يُقام سنويًا، مخصّصا للأفلام المغربية.
عام 2016، نال "مسافة ميل بحذائي" لسعيد خلاف، الذي قدّم أمين الناجي كممثل كبير، الجائزة الأولى. أما جائزة السيناريو، فمُنحت لـ"أفراح صغيرة" للشريف الطريبق، الذي "تجسّس" على العالم المُغلق للنساء، في مدينة تقليدية في المغرب، منتصف القرن الـ20. أُعطيت جائزة الإخراج لهشام العسري، عن "البحر من ورائكم". في مسابقة الأفلام القصيرة، مُنحت الجائزة الكبرى لـ"صاحب الكلب" لكمال الأزرق، حيث يكتشف أحدهم قاع الدار البيضاء، أثناء بحثه عن كلبه.
بالنسبة إلى شبّاك التذاكر، برز فيلما "الفروج" لعبد الله فركوس، و"الحمالة" لسعيد الناصري. المعدل السنوي كان 100 ألف تذكرة مُباعة لكلّ فيلم منهما.
عام 2017، مُنحت الجائزة الكبرى لـ"عرق الشتا" لحكيم بلعباس، وهو فيلم مؤثّر وكئيب، يحكي عن بؤس المغرب البدوي العميق. أما جائزة لجنة التحكيم، فأُعطيت لـ"ضربة في الرأس" للعسري أيضًا. في مسابقة الأفلام القصيرة، تُوِّج "يما" لهشام الركراكي عن حكاية أمّ تكشف لأولادها، قبيل موتها، أنها يهودية، وأنها تريد أن تُدفن في مقبرة اليهود. لكن، بعد موتها، خاف الأبناء من المجتمع، ولم يخافوا من أمهم. في الدورة نفسها، مُنحت جائزة السيناريو لـ"تذكرة السينما" لأيوب اليوسفي: طفل يتحرّر من رقابة أمه، ويذهب لمشاهدة آخر فيلم تعرضه قاعة السينما في مدينته، قبل أن تغلق، السينما لا المدينة.
على مستوى شباك التذاكر، صمد "الحاجات" لمحمد أشاور، و"المليار" لرائد المفتاحي، و"بورن آوت" لنور الدين لخماري. لكن الأرقام الرسمية لم تصدر بعد.
هذه وقائع ومعطيات، تؤدّي إلى طرح سؤال أساسي: ما الذي ميّز المشهد السينمائي المغربي في العامين الأخيرين؟
سياسيًا، لم يتأثر الفيلم المغربي بـ"الربيع العربي"، كما حصل في بلاد عربية كثيرة، وكأن الخيال المغربي محصّن ضد الثورة.
فنيًّا، يبدو السيناريست المغربي غير فاهم عمق المجتمع المغربي، كحالة وحيد حامد في مصر. لهذا، يتم تصوير السطحيّ، ويبقى الجوهري غير بادٍ للكاميرا. غالبية الأفلام، على مستوى السيناريو، تقدِّم شخصيات بلا قصة. توجد وضعيات يصعب تطويرها. وهذا، رغم أن وجود قصة يُمكِّن الفيلم من التماسك، ويُخفِّض تكاليف التصوير. لا يستطيع مخرج مغربي أن يروي قصة فيلمه في دقيقة. يظهر هذا الغموض في ملخّص الفيلم أيضًا.
إخراجيًا، يستمر مشهد الممثل في "الزنزانة". لتقليص تكاليف الإنتاج، وللتخلّص من ضجيج الحياة اليومية وقوانين الإضاءة وصعوبات تحريك الكاميرا، يختار المخرج غرفة بلا نوافذ، يحشر ممثليه في زاوية، ويضع الكاميرا أمامهم، ويبدأ تصويرهم. يولد الملل، حين يكون الحوار ثقيلاً. إعلاميًا استمر مخرجون منهكون إبداعيًا في الاحتجاج، لأن مشاريعهم لم تُدعم من "المركز السينمائي المغربي". أخيرًا، تظهر حيوية الإبداع باستمرار الإنتاج وثباته. فالمعدل السنوي للإنتاج هو 24 فيلمًا طويلاً، و50 قصيرًا.
إلى ذلك، هناك مسألة التلقّي: استمرّ الانفصال بين الجوائز وشباك التذاكر. قاعات عديدة تعرض، حاليًا، أفلامًا تجلب الجمهور، لكن صنّاعها وجمهورها يتعرّضون للشتم. في العام الماضي، تباهى هؤلاء الشتامون بكون القاعات فارغة. الآن، القاعات ممتلئة، وهم يتباكون، لأن "الجمهور تافه"، يحبّ الرداءة ويشجّعها. المستفزّ في الموضوع، كامنٌ في شتم الجمهور. المخيف أن كلّ شتم للجمهور يُخفي، في قاعه، كراهية للديمقراطية، ولتعدّد الآراء والأذواق.
في الحالات كلّها، يظهر الجدل الحالي حيويًا وعلاجيًا. بفضله، تجد الصحف ما تكتبه، فتصل أخبار الأفلام إلى الجمهور، الذي يخلق الرواج.
في دورة عام 2016 لـ"مهرجان مراكش الدولي"، لم يكن هناك فيلم مغربي واحد في المسابقة الرسمية. ابتهج المهنيون في أحاديثهم الجانبية، وندّدوا بالإقصاء في وسائل الإعلام. في الدورة نفسها، كُرِّمت السينما الروسية، وكانت وسائل الإعلام المغربية تستدعي من يتحدث عن "الطنجية المراكشية"، وعن الطقس، وعن البازار المراكشي. لم يهتمّ أحدٌ بـ"روسيا الثقافية"، التي صنعت السينما الدولية. في هوليوود، يدرسون السيناريو بوظائف فلاديمير بروب، وينفّذون المونتاج بنهج سيرغي أيزنشتاين.
عام 2017، حدث الأسوأ. تمّ وقف المهرجان، مع وعد غامض بالعودة عام 2018. لغاية الآن، لا خبر.
لكن، كيف وصلنا إلى هنا؟
تعرّض "مهرجان مراكش" لنقد غير فني. وُجِّهت له شتائم عدوانية شفهية، أي غير سينمائية. في العمق، كان الشتّامون ضد الفن في الأصل، وضد السينما، محلية وعالمية. يختفون في جلابيب الغيرة على الجودة في السينما، وعلى الأخلاق، وعلى المال العام.
اقــرأ أيضاً
عام 2017، زاد إنتاج الفوسفات 36 بالمائة، وجلبت السياحة 6400 مليون دولار أميركي، لبلدٍ يبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمة. إنفاقُ أقلّ من واحد في المائة على القطاعات الثقافية لن يُفلس البلد. الحكومة لا تخصِّص شيئًا كبيرا من ميزانيتها للثقافة.
حين توقف "مهرجان مراكش"، أدرك الذين بالغوا في النقد الهامشي حجم الخسارة، خاصة أن للمهرجانات الدولية تنوّعًا لا يتوفر للمهرجان المحلي والوطني.
في الحالات كلّها، كثيرون يتمنّون أن يكون عام 2018 أفضل للسينما المغربية.
عام 2016، نال "مسافة ميل بحذائي" لسعيد خلاف، الذي قدّم أمين الناجي كممثل كبير، الجائزة الأولى. أما جائزة السيناريو، فمُنحت لـ"أفراح صغيرة" للشريف الطريبق، الذي "تجسّس" على العالم المُغلق للنساء، في مدينة تقليدية في المغرب، منتصف القرن الـ20. أُعطيت جائزة الإخراج لهشام العسري، عن "البحر من ورائكم". في مسابقة الأفلام القصيرة، مُنحت الجائزة الكبرى لـ"صاحب الكلب" لكمال الأزرق، حيث يكتشف أحدهم قاع الدار البيضاء، أثناء بحثه عن كلبه.
بالنسبة إلى شبّاك التذاكر، برز فيلما "الفروج" لعبد الله فركوس، و"الحمالة" لسعيد الناصري. المعدل السنوي كان 100 ألف تذكرة مُباعة لكلّ فيلم منهما.
عام 2017، مُنحت الجائزة الكبرى لـ"عرق الشتا" لحكيم بلعباس، وهو فيلم مؤثّر وكئيب، يحكي عن بؤس المغرب البدوي العميق. أما جائزة لجنة التحكيم، فأُعطيت لـ"ضربة في الرأس" للعسري أيضًا. في مسابقة الأفلام القصيرة، تُوِّج "يما" لهشام الركراكي عن حكاية أمّ تكشف لأولادها، قبيل موتها، أنها يهودية، وأنها تريد أن تُدفن في مقبرة اليهود. لكن، بعد موتها، خاف الأبناء من المجتمع، ولم يخافوا من أمهم. في الدورة نفسها، مُنحت جائزة السيناريو لـ"تذكرة السينما" لأيوب اليوسفي: طفل يتحرّر من رقابة أمه، ويذهب لمشاهدة آخر فيلم تعرضه قاعة السينما في مدينته، قبل أن تغلق، السينما لا المدينة.
على مستوى شباك التذاكر، صمد "الحاجات" لمحمد أشاور، و"المليار" لرائد المفتاحي، و"بورن آوت" لنور الدين لخماري. لكن الأرقام الرسمية لم تصدر بعد.
هذه وقائع ومعطيات، تؤدّي إلى طرح سؤال أساسي: ما الذي ميّز المشهد السينمائي المغربي في العامين الأخيرين؟
سياسيًا، لم يتأثر الفيلم المغربي بـ"الربيع العربي"، كما حصل في بلاد عربية كثيرة، وكأن الخيال المغربي محصّن ضد الثورة.
فنيًّا، يبدو السيناريست المغربي غير فاهم عمق المجتمع المغربي، كحالة وحيد حامد في مصر. لهذا، يتم تصوير السطحيّ، ويبقى الجوهري غير بادٍ للكاميرا. غالبية الأفلام، على مستوى السيناريو، تقدِّم شخصيات بلا قصة. توجد وضعيات يصعب تطويرها. وهذا، رغم أن وجود قصة يُمكِّن الفيلم من التماسك، ويُخفِّض تكاليف التصوير. لا يستطيع مخرج مغربي أن يروي قصة فيلمه في دقيقة. يظهر هذا الغموض في ملخّص الفيلم أيضًا.
إخراجيًا، يستمر مشهد الممثل في "الزنزانة". لتقليص تكاليف الإنتاج، وللتخلّص من ضجيج الحياة اليومية وقوانين الإضاءة وصعوبات تحريك الكاميرا، يختار المخرج غرفة بلا نوافذ، يحشر ممثليه في زاوية، ويضع الكاميرا أمامهم، ويبدأ تصويرهم. يولد الملل، حين يكون الحوار ثقيلاً. إعلاميًا استمر مخرجون منهكون إبداعيًا في الاحتجاج، لأن مشاريعهم لم تُدعم من "المركز السينمائي المغربي". أخيرًا، تظهر حيوية الإبداع باستمرار الإنتاج وثباته. فالمعدل السنوي للإنتاج هو 24 فيلمًا طويلاً، و50 قصيرًا.
إلى ذلك، هناك مسألة التلقّي: استمرّ الانفصال بين الجوائز وشباك التذاكر. قاعات عديدة تعرض، حاليًا، أفلامًا تجلب الجمهور، لكن صنّاعها وجمهورها يتعرّضون للشتم. في العام الماضي، تباهى هؤلاء الشتامون بكون القاعات فارغة. الآن، القاعات ممتلئة، وهم يتباكون، لأن "الجمهور تافه"، يحبّ الرداءة ويشجّعها. المستفزّ في الموضوع، كامنٌ في شتم الجمهور. المخيف أن كلّ شتم للجمهور يُخفي، في قاعه، كراهية للديمقراطية، ولتعدّد الآراء والأذواق.
في الحالات كلّها، يظهر الجدل الحالي حيويًا وعلاجيًا. بفضله، تجد الصحف ما تكتبه، فتصل أخبار الأفلام إلى الجمهور، الذي يخلق الرواج.
في دورة عام 2016 لـ"مهرجان مراكش الدولي"، لم يكن هناك فيلم مغربي واحد في المسابقة الرسمية. ابتهج المهنيون في أحاديثهم الجانبية، وندّدوا بالإقصاء في وسائل الإعلام. في الدورة نفسها، كُرِّمت السينما الروسية، وكانت وسائل الإعلام المغربية تستدعي من يتحدث عن "الطنجية المراكشية"، وعن الطقس، وعن البازار المراكشي. لم يهتمّ أحدٌ بـ"روسيا الثقافية"، التي صنعت السينما الدولية. في هوليوود، يدرسون السيناريو بوظائف فلاديمير بروب، وينفّذون المونتاج بنهج سيرغي أيزنشتاين.
عام 2017، حدث الأسوأ. تمّ وقف المهرجان، مع وعد غامض بالعودة عام 2018. لغاية الآن، لا خبر.
لكن، كيف وصلنا إلى هنا؟
تعرّض "مهرجان مراكش" لنقد غير فني. وُجِّهت له شتائم عدوانية شفهية، أي غير سينمائية. في العمق، كان الشتّامون ضد الفن في الأصل، وضد السينما، محلية وعالمية. يختفون في جلابيب الغيرة على الجودة في السينما، وعلى الأخلاق، وعلى المال العام.
عام 2017، زاد إنتاج الفوسفات 36 بالمائة، وجلبت السياحة 6400 مليون دولار أميركي، لبلدٍ يبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمة. إنفاقُ أقلّ من واحد في المائة على القطاعات الثقافية لن يُفلس البلد. الحكومة لا تخصِّص شيئًا كبيرا من ميزانيتها للثقافة.
حين توقف "مهرجان مراكش"، أدرك الذين بالغوا في النقد الهامشي حجم الخسارة، خاصة أن للمهرجانات الدولية تنوّعًا لا يتوفر للمهرجان المحلي والوطني.
في الحالات كلّها، كثيرون يتمنّون أن يكون عام 2018 أفضل للسينما المغربية.