24 سبتمبر 2017
مهن محرمة
باسل الحمادة (سورية)
أذكر تماماً تلك الحقيبة الزرقاء الكبيرة التي كنت أملأها بمئات من طلبات التوظيف في مقر عملي، مضطراً في حالات قليلة للعودة إليها للبحث عن الأنسب، ويبقى الباقون طي الحقيبة، بانتظار فرصة تكفيهم شرّ السؤال والحاجة والاستغلال والابتعاد عن طرق واحدٍ من أبواب المهن المحرّمة.
وضع الصراع في ظل الثورة نهاية لمهن كانت مصدر رزق، بينما فتح أبواباً لمهنٍ جديدة، وجد فيها كثيرون طوق نجاة في ظل ما يعانونه، فاتجه بعضهم مجبرين إلى الانتماء للفصائل المسلحة العاملة في مناطقهم، كونها أكبر مصدر لفرص العمل، وتكاد تكون الشاغر الوحيد، أما من حالفهم حسن الطالع، فاتجهوا نحو أعمال الزراعة، أو بعض الأعمال الحرة البسيطة، ومنهم من ضحكت له الحياة، فوجد فرصته لدى إحدى المنظمات الإغاثية والإنسانية.
ومع وجود عشوائية وضبابية في المشهد، لجأ آخرون إلى ممارسة ما كانت تسمّى مهناً محظورة، أو مهناً محرّمة، متخطين بذلك حاجز الخشية الذي إما هم أنفسهم رسموه يوماً ما هالة دينية أو اجتماعية تضبط سير عملهم، أو أنّ القانون رسمه لهم، وأجبرهم على عدم التخطي على حدود الفاسدين.
في سبيل الخلاص من المعاناة بشتى أنواعها، لم تعد تفاجأ، حين تجد أن أحد جيرانك أو أصدقائك أو حتى فرد من عائلتك يمارس بعض تلك المهن، ففي إحدى بلدات ريف دمشق طرقت براميل النظام السوري منزل ومتجر الشاب (أ.ع)، ما وضع نهاية مأساوية لمستقبل كان يخطط له، فكان الانخراط، ولو بشكل محدود، في تجارة بعض القطع الأثرية السبيل لاستمرار حياته، مقتنياً بين يديه، إلى حين كتابة هذه الأسطر، أحد القطع الأثرية العائدة إلى العهد الفرعوني، ساعياً إلى تقييم حالتها ليعرضها هنا وهناك، عساه يجد مشترياً يهبط من السماء، حتى لا تستشعره قرون الفصائل، فتشاركه الغنيمة أو تفترسها وتفترسه.
أما ( أ.ج) العامل في مهنة الخراطة من ريف حلب الشمالي، والمعيل الوحيد في ظل هذه الظروف لأسرته المهجّرة داخل سورية، كانت في حوزته 100 قطعة ذهبية عائدة للعهد العثماني، وحالتها جيدة، وهو يسعى جاهداً إلى إيجاد مشترٍ لها بالتعاون مع شريكه، وإخراج العملة من سورية، آملاً أن يجد سوقاً أكبر لبيعها حيث تضيع في الأسواق الكبيرة الآثار والأثر.
وكان لبيع الأسلحة وشرائها شأن آخر في جبل الزاوية، فالشاب (ع. ب) يمارس خلسة تلك التجارة، فبعضهم مسروق، وبعض آخر من مخلّفات الفصائل المندثرة، ليتخذها مهنةً تدر عليه مئات الدولارات حيناً، وتودعه السجن حيناً آخر إثر سرقته كلاشنكوف روسي الصنع من إحدى مستودعات فصيله، وبعد التوبة باع ست قذائف هاون كانت هي الفصل، ففصل من الفصيل.
ليست هذه الآفات (المهن المحرمة) محصورة بالمناطق الخارجة عن سيطرة الجيش الأسدي، فللعاصمة دمشق ما يميزها، ولها خصوصيتها، فالعملات الصعبة أصبحت تتداول الآن بين العامة بشكل كبير وغير مسبوق، لتخرج من نطاق تجارها وموظفيهم المعهودين، نتيجة انهيار الليرة السورية، وظهور فوارق بيع وشراء بين العملتين، على الرغم من التدقيق الأمني والقانوني من النظام، كونها تجارة يقتصر تداولها على الفاسدين من أزلامهم.
ومع اضمحلال العنصر البشري لدى قوى النظام، أصدر الأخير لوائح بالاحتياط للالتحاق بالجيش الأسدي، ما دفع بعض الشباب إلى التوّجه إلى دول الجوار، وقد زاد قرار فرض التأشيرات على اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان من صعوبة اللجوء، فأدى إلى تنشيط مهنة تهريب البشر بكثافة، وعلى الرغم من محاولات الجانب التركي التضييق على اللاجئين غير الشرعيين، إلا أنّ عمليات التهريب لم تتوقف، على الرغم من تسجيل حالات قنص بحق السوريين الفارين من العنف على الحدود التركية، من دون أن ننسى الذين استغلوا مأساة الشعب، فامتهنوا تهريب السوريين إلى ما وراء البحار، إضافة إلى مهن من نوع إخراج المعتقلين من المعتقل، في مقابل وارد مادي معين، يحدّد حسب ملف المعتقل.
تتسع دائرة المهن المحرّمة، لتشمل مختلف الطبقات الاجتماعية، ويبقى المواطن السوري تحت وطأة خيارات محدودة، يسعى فيها إلى تأمين رزقه ورزق من يعيلهم، متأرجحاً على حاجز الخشية، ليقي نفسه وأهله الموت جوعاً، ويتجنب تلك المهن المحرّمة.
وضع الصراع في ظل الثورة نهاية لمهن كانت مصدر رزق، بينما فتح أبواباً لمهنٍ جديدة، وجد فيها كثيرون طوق نجاة في ظل ما يعانونه، فاتجه بعضهم مجبرين إلى الانتماء للفصائل المسلحة العاملة في مناطقهم، كونها أكبر مصدر لفرص العمل، وتكاد تكون الشاغر الوحيد، أما من حالفهم حسن الطالع، فاتجهوا نحو أعمال الزراعة، أو بعض الأعمال الحرة البسيطة، ومنهم من ضحكت له الحياة، فوجد فرصته لدى إحدى المنظمات الإغاثية والإنسانية.
ومع وجود عشوائية وضبابية في المشهد، لجأ آخرون إلى ممارسة ما كانت تسمّى مهناً محظورة، أو مهناً محرّمة، متخطين بذلك حاجز الخشية الذي إما هم أنفسهم رسموه يوماً ما هالة دينية أو اجتماعية تضبط سير عملهم، أو أنّ القانون رسمه لهم، وأجبرهم على عدم التخطي على حدود الفاسدين.
في سبيل الخلاص من المعاناة بشتى أنواعها، لم تعد تفاجأ، حين تجد أن أحد جيرانك أو أصدقائك أو حتى فرد من عائلتك يمارس بعض تلك المهن، ففي إحدى بلدات ريف دمشق طرقت براميل النظام السوري منزل ومتجر الشاب (أ.ع)، ما وضع نهاية مأساوية لمستقبل كان يخطط له، فكان الانخراط، ولو بشكل محدود، في تجارة بعض القطع الأثرية السبيل لاستمرار حياته، مقتنياً بين يديه، إلى حين كتابة هذه الأسطر، أحد القطع الأثرية العائدة إلى العهد الفرعوني، ساعياً إلى تقييم حالتها ليعرضها هنا وهناك، عساه يجد مشترياً يهبط من السماء، حتى لا تستشعره قرون الفصائل، فتشاركه الغنيمة أو تفترسها وتفترسه.
أما ( أ.ج) العامل في مهنة الخراطة من ريف حلب الشمالي، والمعيل الوحيد في ظل هذه الظروف لأسرته المهجّرة داخل سورية، كانت في حوزته 100 قطعة ذهبية عائدة للعهد العثماني، وحالتها جيدة، وهو يسعى جاهداً إلى إيجاد مشترٍ لها بالتعاون مع شريكه، وإخراج العملة من سورية، آملاً أن يجد سوقاً أكبر لبيعها حيث تضيع في الأسواق الكبيرة الآثار والأثر.
وكان لبيع الأسلحة وشرائها شأن آخر في جبل الزاوية، فالشاب (ع. ب) يمارس خلسة تلك التجارة، فبعضهم مسروق، وبعض آخر من مخلّفات الفصائل المندثرة، ليتخذها مهنةً تدر عليه مئات الدولارات حيناً، وتودعه السجن حيناً آخر إثر سرقته كلاشنكوف روسي الصنع من إحدى مستودعات فصيله، وبعد التوبة باع ست قذائف هاون كانت هي الفصل، ففصل من الفصيل.
ليست هذه الآفات (المهن المحرمة) محصورة بالمناطق الخارجة عن سيطرة الجيش الأسدي، فللعاصمة دمشق ما يميزها، ولها خصوصيتها، فالعملات الصعبة أصبحت تتداول الآن بين العامة بشكل كبير وغير مسبوق، لتخرج من نطاق تجارها وموظفيهم المعهودين، نتيجة انهيار الليرة السورية، وظهور فوارق بيع وشراء بين العملتين، على الرغم من التدقيق الأمني والقانوني من النظام، كونها تجارة يقتصر تداولها على الفاسدين من أزلامهم.
ومع اضمحلال العنصر البشري لدى قوى النظام، أصدر الأخير لوائح بالاحتياط للالتحاق بالجيش الأسدي، ما دفع بعض الشباب إلى التوّجه إلى دول الجوار، وقد زاد قرار فرض التأشيرات على اللاجئين السوريين في تركيا ولبنان من صعوبة اللجوء، فأدى إلى تنشيط مهنة تهريب البشر بكثافة، وعلى الرغم من محاولات الجانب التركي التضييق على اللاجئين غير الشرعيين، إلا أنّ عمليات التهريب لم تتوقف، على الرغم من تسجيل حالات قنص بحق السوريين الفارين من العنف على الحدود التركية، من دون أن ننسى الذين استغلوا مأساة الشعب، فامتهنوا تهريب السوريين إلى ما وراء البحار، إضافة إلى مهن من نوع إخراج المعتقلين من المعتقل، في مقابل وارد مادي معين، يحدّد حسب ملف المعتقل.
تتسع دائرة المهن المحرّمة، لتشمل مختلف الطبقات الاجتماعية، ويبقى المواطن السوري تحت وطأة خيارات محدودة، يسعى فيها إلى تأمين رزقه ورزق من يعيلهم، متأرجحاً على حاجز الخشية، ليقي نفسه وأهله الموت جوعاً، ويتجنب تلك المهن المحرّمة.
مقالات أخرى
01 اغسطس 2017
13 مارس 2017
30 يناير 2017