باتت صفقة القرن أمراً واقعاً، أقله نظرياً، بعدما طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسمياً في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، وبات السؤال الأكثر أهمية وإلحاحاً فلسطينياً هو كيفية مواجهتها وصولاً إلى إفشالها وإفراغها من محتواها وجدواها.
كما هو معلوم فإن الصفقة تبنت الرواية الصهيونية في أبعادها المختلفة الدينية التاريخية السياسية الجيوسياسية والنفسية، وهي تهدف أساساً إلى شطب القضية الفلسطينية نهائياً عبر تصفية أو إزالة ثوابتها الرئيسية الثلاثة: اللاجئين، القدس، وحدود وجوهر الدولة المستقلة عن جدول الأعمال التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي.
بالتأكيد لا يمكن إفشال الصفقة بأدوات ووسائل أثبتت فشلها وعدم جدواها، ناهيك عن أنها ساهمت مباشرة وغير مباشرة في تهيئة الأرضية أمام إعلان الصفقة نفسها.
بتفصيل أكثر لا يمكن مواجهة الصفقة بذهنية أوسلو التي تحكّمت بالقيادة الفلسطينية طوال ثلاثة عقود، وعجزت عن تحقيق الآمال الوطنية في السيادة، الاستقلال وتقرير المصير، أو حتى حماية المؤسسات الفلسطينية المنوط بها ذلك، كما لا يمكن مواجهتها بذهنية العسكرة الحاكمة المهيمنة في غزة التي أوصلتها ضمن أسباب أخرى طبعاً، إلى وضع باتت فيه غير قابلة للحياة، كما فشلت حتى في رفع الحصار الإسرائيلي الظالم وغير الأخلاقي المفروض عليها. ناهيك عن قدرتها على تحرير فلسطين كلها رغم نجاحها في إزعاج وإقلاق إسرائيل طبعاً، لكن بأثمان باهظة جداً تكتيكياً واستراتيجياً وعلى كل المستويات وعنوانها البسيط هو كون غزة باتت غير قابلة للحياة كما تقول وتحذّر الأمم المتحدة.
لا يمكن الجدال في حقيقة أن اتفاق أوسلو خلق وقائع على الأرض فتحت شهية اليمين الإسرائيلي والأميركي المتطرف لبلورة وإعلان صفقة القرن، أوسلو الذي قسّم الشعب والأراضي والمناطق الفلسطينية، ونال عملياً من وحدتها السياسية والجغرافية رغم أنه نص نظرياً على العكس، وحوّلها إلى مشاريع معازل عنصرية أو كانتونات على طريقة جنوب أفريقيا، ومن جهة أخرى كبّل أيادي الشعب الفلسطيني فى مواجهة الممارسات والوقائع الإسرائيلية، والأهم من كل ذلك ربما أنه أطلق غول الاستيطان في القدس والضفة، بحيث تضاعف خمس مرات منذ توقيع الاتفاق، وشجع المتطرفين في أميركا وإسرائيل على طرح الصفقة سعياً لشرعنة وتكريس الوقائع غير الشرعية وغير القانونية الناتجة عن الاتفاق سيئ الصيت.
أوسلو ساهم كذلك في خلق الوقائع الحالية بقطاع غزة أيضاً كونه أوجد سلطة دون دولة - وحتى دون سلطة فعلية، كما يقول صائب عريقات دائماً - والاقتتال حولها أدى إلى الانقسام الوطني السياسي والجغرافي الحالي، كما إلى طغيان ذهنية العسكرة في غزة بمعنى عسكرة المقاومة، وتحويلها إلى ما يشبه الجيش التقليدي ما سمح لإسرائيل بحصارها والتنكيل بها، وتدمير بناها التحتية بشكل منهجي، وإعادتها عقودا إلى الوراء بحيث باتت فعلاً غير قابلة للحياة، كما تقول الأمم المتحدة.
الصفقة تسعى إذن إلى شرعنة الوقائع التي خلقها الاحتلال، وشرعنة معازل الفصل العنصري تحديداً التي أوجدتها إسرائيل في الضفة، وحتى في غزة أيضاً.
ومواجهتها تقتضي بالضرورة الإقلاع عن الذهنيتين - هما ليستا في نفس الكفّة طبعاً أخلاقياً وسياسياً - ذهنية أوسلو والعسكرة مع اعتماد خيار المقاومة بكافة أشكالها، تحديداً المقاومة الشعبية تماماً كما جرى في مواجهة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، مع الانتباه إلى أن ساحة المقاومة الرئيسية هي الضفة الغربية التي احتلت نصيب الأسد من الصفقة مضموناً وأهدافاً.
إضافة إلى ذلك لا بد من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كمرجعية وطنية عليا للفلسطينيين فى الداخل والخارج، تضع الاستراتيجيات العامة وأساليب وآليات مواجهة الصفقة، وإدارة الصراع مع إسرائيل بشكل عام.
هذا يقتضي بالضرورة أيضاً التفاهم حول السلطة ودورها البلدي لرعاية حاجات وشؤون مصالح الناس في أبعادها المدنية والحياتية، ما ينهي ويضع حدا للوضع البائس الذي ابتلعت فيه السلطة المنظمة أو جيّرتها لخدمة سياساتها وأهدافها التي لم تتحقق أصلاً باعتبار أنها تمثل الجسر نحو السيادة والاستقلال.
لا بد أن يبنى ذلك كله طبعاً على قاعدة ديمقراطية صلبة راسخة عبر انتخابات شفافة ونزيهة، تسمح بانتقال سلس سلمي وديمقراطي نحو قيادة شابة تتبنى سياسة وذهنية مختلفة تماماً كون مواجهة الصفقة ستستمر سنوات وحتى عقودا.
في الأخير، لا بد من قول شيء ما عن الرئيس محمود عباس ودوره خلال المرحلة المقبلة، فخطابه في مجلس الأمن الثلاثاء قبل الماضي أظهر أنه جادّ أو أنه يملك الإرادة "نظرياً" لمواجهة الصفقة وإفشالها، إلا أن لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أهود أولمرت في نفس اليوم، أكد أنه لا يستطيع مواجهتها، وأنه ما زال أسير ذهنية أوسلو، ذهنية التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض الفاشلة، التي خلقت وقائع أدت إلى إنتاج صفقة القرن نفسها، لكن من جهة أخرى لا يمكن الاستغناء عنه أقله في مرحلة انتقالية قصيرة المدى يفترض أن تشهد إنهاء الانقسام، تطبيق تفاهمات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كإطار قيادي جامع مع عودة السلطة لمهامها البلدية الأساسية، واجراء انتخابات شفافة ونزيهة تهيئ الأرضية المناسبة أمام تولّي جيل قيادي جديد ديمقراطي وشاب يواجه نظام الأبرتهايد العنصري الذي تريد الصفقة فرضه بالأساليب والآليات الناجعة المناسبة تماماً كما جرى في جنوب أفريقيا، وغياب قائد بحجم نيلسون مانديلا يفترض الاستعاضة عنه بالمؤسسة والقيادة الجماعية المنتخبة، علماً أننا نمتلك مؤسسة تحمل الاسم ذاته وحتى تمثال وميدان للقائد الأفريقي في رام الله، دنسه المطبعون من قادة سلطة أوسلو وضيوفهم الإسرائيليون الأحد الماضي.
كما هو معلوم فإن الصفقة تبنت الرواية الصهيونية في أبعادها المختلفة الدينية التاريخية السياسية الجيوسياسية والنفسية، وهي تهدف أساساً إلى شطب القضية الفلسطينية نهائياً عبر تصفية أو إزالة ثوابتها الرئيسية الثلاثة: اللاجئين، القدس، وحدود وجوهر الدولة المستقلة عن جدول الأعمال التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي.
بالتأكيد لا يمكن إفشال الصفقة بأدوات ووسائل أثبتت فشلها وعدم جدواها، ناهيك عن أنها ساهمت مباشرة وغير مباشرة في تهيئة الأرضية أمام إعلان الصفقة نفسها.
بتفصيل أكثر لا يمكن مواجهة الصفقة بذهنية أوسلو التي تحكّمت بالقيادة الفلسطينية طوال ثلاثة عقود، وعجزت عن تحقيق الآمال الوطنية في السيادة، الاستقلال وتقرير المصير، أو حتى حماية المؤسسات الفلسطينية المنوط بها ذلك، كما لا يمكن مواجهتها بذهنية العسكرة الحاكمة المهيمنة في غزة التي أوصلتها ضمن أسباب أخرى طبعاً، إلى وضع باتت فيه غير قابلة للحياة، كما فشلت حتى في رفع الحصار الإسرائيلي الظالم وغير الأخلاقي المفروض عليها. ناهيك عن قدرتها على تحرير فلسطين كلها رغم نجاحها في إزعاج وإقلاق إسرائيل طبعاً، لكن بأثمان باهظة جداً تكتيكياً واستراتيجياً وعلى كل المستويات وعنوانها البسيط هو كون غزة باتت غير قابلة للحياة كما تقول وتحذّر الأمم المتحدة.
لا يمكن الجدال في حقيقة أن اتفاق أوسلو خلق وقائع على الأرض فتحت شهية اليمين الإسرائيلي والأميركي المتطرف لبلورة وإعلان صفقة القرن، أوسلو الذي قسّم الشعب والأراضي والمناطق الفلسطينية، ونال عملياً من وحدتها السياسية والجغرافية رغم أنه نص نظرياً على العكس، وحوّلها إلى مشاريع معازل عنصرية أو كانتونات على طريقة جنوب أفريقيا، ومن جهة أخرى كبّل أيادي الشعب الفلسطيني فى مواجهة الممارسات والوقائع الإسرائيلية، والأهم من كل ذلك ربما أنه أطلق غول الاستيطان في القدس والضفة، بحيث تضاعف خمس مرات منذ توقيع الاتفاق، وشجع المتطرفين في أميركا وإسرائيل على طرح الصفقة سعياً لشرعنة وتكريس الوقائع غير الشرعية وغير القانونية الناتجة عن الاتفاق سيئ الصيت.
أوسلو ساهم كذلك في خلق الوقائع الحالية بقطاع غزة أيضاً كونه أوجد سلطة دون دولة - وحتى دون سلطة فعلية، كما يقول صائب عريقات دائماً - والاقتتال حولها أدى إلى الانقسام الوطني السياسي والجغرافي الحالي، كما إلى طغيان ذهنية العسكرة في غزة بمعنى عسكرة المقاومة، وتحويلها إلى ما يشبه الجيش التقليدي ما سمح لإسرائيل بحصارها والتنكيل بها، وتدمير بناها التحتية بشكل منهجي، وإعادتها عقودا إلى الوراء بحيث باتت فعلاً غير قابلة للحياة، كما تقول الأمم المتحدة.
الصفقة تسعى إذن إلى شرعنة الوقائع التي خلقها الاحتلال، وشرعنة معازل الفصل العنصري تحديداً التي أوجدتها إسرائيل في الضفة، وحتى في غزة أيضاً.
ومواجهتها تقتضي بالضرورة الإقلاع عن الذهنيتين - هما ليستا في نفس الكفّة طبعاً أخلاقياً وسياسياً - ذهنية أوسلو والعسكرة مع اعتماد خيار المقاومة بكافة أشكالها، تحديداً المقاومة الشعبية تماماً كما جرى في مواجهة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، مع الانتباه إلى أن ساحة المقاومة الرئيسية هي الضفة الغربية التي احتلت نصيب الأسد من الصفقة مضموناً وأهدافاً.
إضافة إلى ذلك لا بد من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كمرجعية وطنية عليا للفلسطينيين فى الداخل والخارج، تضع الاستراتيجيات العامة وأساليب وآليات مواجهة الصفقة، وإدارة الصراع مع إسرائيل بشكل عام.
هذا يقتضي بالضرورة أيضاً التفاهم حول السلطة ودورها البلدي لرعاية حاجات وشؤون مصالح الناس في أبعادها المدنية والحياتية، ما ينهي ويضع حدا للوضع البائس الذي ابتلعت فيه السلطة المنظمة أو جيّرتها لخدمة سياساتها وأهدافها التي لم تتحقق أصلاً باعتبار أنها تمثل الجسر نحو السيادة والاستقلال.
لا بد أن يبنى ذلك كله طبعاً على قاعدة ديمقراطية صلبة راسخة عبر انتخابات شفافة ونزيهة، تسمح بانتقال سلس سلمي وديمقراطي نحو قيادة شابة تتبنى سياسة وذهنية مختلفة تماماً كون مواجهة الصفقة ستستمر سنوات وحتى عقودا.
في الأخير، لا بد من قول شيء ما عن الرئيس محمود عباس ودوره خلال المرحلة المقبلة، فخطابه في مجلس الأمن الثلاثاء قبل الماضي أظهر أنه جادّ أو أنه يملك الإرادة "نظرياً" لمواجهة الصفقة وإفشالها، إلا أن لقاءه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أهود أولمرت في نفس اليوم، أكد أنه لا يستطيع مواجهتها، وأنه ما زال أسير ذهنية أوسلو، ذهنية التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض الفاشلة، التي خلقت وقائع أدت إلى إنتاج صفقة القرن نفسها، لكن من جهة أخرى لا يمكن الاستغناء عنه أقله في مرحلة انتقالية قصيرة المدى يفترض أن تشهد إنهاء الانقسام، تطبيق تفاهمات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير كإطار قيادي جامع مع عودة السلطة لمهامها البلدية الأساسية، واجراء انتخابات شفافة ونزيهة تهيئ الأرضية المناسبة أمام تولّي جيل قيادي جديد ديمقراطي وشاب يواجه نظام الأبرتهايد العنصري الذي تريد الصفقة فرضه بالأساليب والآليات الناجعة المناسبة تماماً كما جرى في جنوب أفريقيا، وغياب قائد بحجم نيلسون مانديلا يفترض الاستعاضة عنه بالمؤسسة والقيادة الجماعية المنتخبة، علماً أننا نمتلك مؤسسة تحمل الاسم ذاته وحتى تمثال وميدان للقائد الأفريقي في رام الله، دنسه المطبعون من قادة سلطة أوسلو وضيوفهم الإسرائيليون الأحد الماضي.