بواقع التسابق لتسويق نظام بشار الأسد، عربياً ودولياً، وإعادة إنتاجه، يضيق الخناق على أعناق السوريين الذين تطلعوا يوماً، للحرية والعدالة بمنح الفرص وتوزيع الثروة، فالترويج لقاهر المؤامرة الكونية، لا يقتصر على السياسة وشيطنة المعارضة، عبر زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، ممثلاً أو مندوباً لدول، ربما يطأ قادتها أرض دمشق قريباً، أو يحضرون للقاء بشار الأسد المنتصر بقادة الثورات المضادة بالقاهرة أو أبو ظبي وعودته الميمونة إلى حظيرة الجامعة العربية.
بل ثمة تواز بالتسويق وعلى غير مجال وصعيد، ربما الاقتصاد أبرزها وأخطرها، لأنه المدخل الآمن والمربح، ببلد نافت خسائر الحرب فيه ما نتج عن الحرب العالمية الثانية، وسيبدأ بإعادة الإعمار وتقسيم كعكة خراب سورية، ولو بعد حين.
مما لفتنا كأحد طرائق تسويق نظام الأسد، كيفية عرض الموازنة العامة لعام 2019، بالوسائل الإعلامية في كل من مصر والإمارات، وسنأخذ "اليوم السابع" و"سكاي نيوز" كعينتين، لنعقّب بعدها على مدى المغالطة والتضليل بعرض أرقام وأضاليل نظام الأسد.
جاء بـ"اليوم السابع" المصرية وتحت عنوان " سورية تقر موازنة بلا عجز لعام 2019" قانون أصدره بشار الأسد، إن سورية أقرت خطة موازنة عام 2019 والتي تتضمن مصروفات وإيرادات قدرها 3.88 تريليونات ليرة سورية (7.53 مليارات دولار) لكل منهما.
ورغم أن "اليوم السابع" أنهت تقريرها بـ"لم يذكر التقرير تقديرات المصروفات والإيرادات فى 2018" إلا أنها لم تقل للقارئ كيف استنتجت ومنذ العنوان، أن لا عجز بموازنة سورية للعام المقبل.
ولم يختلف كثيراً، عرض الخبر ذاته بالإعلام الإماراتي، وإن كان أكثر تفصيلاً وتضليلاً، فالعنوان متشابه بين الوسيلتين، الإماراتية والمصرية، "سورية تقر موازنة 2019 بـ9 مليارات دولار وبلا عجز" بحسب "سكاي نيوز" والتي ما إن انتهت من عرض "إنترو الخبر" حتى انتقلت لأثمان الأعمال الشريرة التي قامت بها المعارضة "أصدر بشار الأسد، قانون موازنة العام المقبل بمبلغ إجمالي قدره 8.9 مليارات دولار، ثلثه تقريبا مخصص لمشاريع استثمارية بينها لمناطق تضررت بفعل النزاع المستمر منذ نحو 8 سنوات.
وتسبب النزاع، الذي تشهده سورية منذ عام 2011 بدمار هائل في البنى التحتية، وقدرت الأمم المتحدة في أغسطس/آب كلفة الدمار بنحو 400 مليار دولار".
لن نغرق، بالمحاججة المهنية ولا السياسية ونتعقب "كوارث" ما أتت عليه الوسيلتان اللتان تجاهلتا أسباب الدمار ونتائج الحرب التي قادها الأسد على الثورة، لطالما أفردت "سكاي نيوز" مساحة كبيرة للتقرير.
بل سنأتي وسريعاً على أسئلة سهلة ومشروعة، علّ صداها يصل لصناع القرار الإعلامي بالدولتين الشقيقتين.
سبق لنظام الأسد أن روّج قبل إقرار الموازنة، أن العام المقبل سيكون عام الدعم الاجتماعي وإعادة الإعمار وتوفير فرص عمل جديدة، فما هي الأرقام التي وردت بالموازنة حول هذه "الثلاثية"؟!
وبلغت أرقام الموازنة العامة في سورية، وفقاً لوزارة المالية، 3882 مليار ليرة سورية، وتم اعتماد سعر الصرف للموازنة 435 ليرة سورية للدولار، أي قدرت الميزانية بنحو 8.92 مليارات دولار، بزيادة قدرها 695 مليار ليرة عن موازنة العام 2018.
ما يعني رقماً وكما يشاع، أن هذه الموازنة، هي الأكبر بتاريخ سورية، لكنها عمليا وبعيداً عن تضليل الليرة وما كساها من تضخم، لا تساوي أكثر من نصف ميزانية سورية في عام 2010 التي وصلت حينها لـ16.5 مليار دولار.
كما أن ما قيل عن زيادة موازنة 2019 عن سابقتها، والبالغة 695 مليار ليرة " 1.6 مليار دولار" إنما نتجت عن فارق سعر الصرف بين العام الماضي الذي كان خلاله سعر صرف الدولار 500 ليرة والعام الحالي تم اعتماد سعر 435 ليرة.
وبنظرة سريعة لتوزيع كتلة الموازنة بين الشقين، الجاري والاستثماري، نرى أن الاعتمادات الجارية استحوذت على القسم الأعظم من الموازنة للعام القادم، إذ خصصت لها 2782 مليار ليرة سورية، نحو 71% من قيمة الميزانية العامة، وحاز الإنفاق الاستثماري على ما قيمته 1100 مليار ليرة، أي ما يقل عن 30% من الموازنة.
وأما إذا نظرنا إلى مبالغ دعم القطاعات الرئيسية، إذ خصصت الموازنة 430 مليار ليرة فقط للمشتقات النفطية، أي قرابة مليار دولار، و361 مليار ليرة لدعم المواد التموينية، و50 مليار ليرة لتوفير فرص العمل وإعادة الإعمار، فهذه المبالغ، وإعادة الإعمار خاصة، غير كافية لإزالة آثار التهديم والخراب بمدينة واحدة، فماذا لو قارناه بتوقعات تكاليف إعادة الإعمار التي تقدر بنحو 500 مليار دولار.
ولو نظرنا إلى مبالغ الدعم وزيادة الأجور التي يعد بها نظام الأسد الموظفين منذ عامين والذين لا تزيد أجورهم الشهرية عن 35 ألف ليرة رغم تقدير الإنفاق للأسرة السورية، تزيد عن 200 ألف ليرة، فلن نراها ضمن بنود ومخصصات الموازنة.
بل سنرى أن المبلغ المخصص لدعم الدقيق التمويني، انخفض بنحو 3.7%، إذ سجل 361 مليار ليرة للعام القادم، مقارنة بنحو 375 مليار ليرة للعام الجاري، ومبلغ دعم صندوق المعونة الاجتماعية، انخفض بنسبة 33.3%، حيث خصص مبلغ 10 مليارات ليرة للعام 2019 مقارنة بمبلغ 15 ملياراً للعام الجاري، كما تم تخصيص 430 مليار ليرة للمشتقات النفطية "مليار دولار" وهو غير كاف لتأمين احتياجات سورية من مادتي البنزين والمازوت، هذا إن قفزنا على ارتفاع الأسعار بالسوق الموازية الآن وأزمة المحروقات التي تعيشها سورية الأسد.
وبالعودة إلى ما نشره الإعلام بمصر والإمارات، نرى أن التضليل بالأرقام كان المنطلق والتعمية على مسبب الدمار وانهيار الاقتصاد كانت الغاية، فهل بعد تلك الأرقام، من مبرر لطرح تلك الوسائل الإعلامية "ترويج الأسد والموازنة" ونخص ما جاء بالعناوين "موازنة بلا عجز" إن علم الأشقاء أن عجز الموازنة العامة بسورية لعام 2018 مقدر بنحو 58 مليار ليرة أي بزيادة بنسبة 7.8% عن موازنة عام 2017، والمتوقع أن يرتفع عجز موازنة 2019 عن سابقه.
ولو كلف صناع القرار الاعلامي بالدول الشقيقة، أنفسهم عناء سؤال، من أين ستأتي حكومة الأسد بمليارات الموازنة العامة وهي الغارقة بالديون، بل وبددت حتى الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر قبل الثورة بنحو 18 مليار دولار... لترددوا على الأقل، قبل الترويج المفضوح وتصدير عنوان "موازنة بلا عجز".