بدأت الحكومة المصرية الجديدة استكمال تنفيذ المخطط الاقتصادي الجبائي، حيث أعلنت عن حزمة جديدة من القرارات الاقتصادية، استهدفت السيطرة على معدلات عجز الموازنة والدين العام. واتخذت القرارات الأخيرة ثلاثة اتجاهات، الأول زيادة رسوم بعض الخدمات العامة، ومنها الكهرباء، التي من المنتظر أن تحقق عائداً مالياً يقدر بـ 8.7 مليارات جنيه (1.1 مليار دولار)، أمّا الاتجاه الثاني، فهو مرتبط بزيادة الحصيلة الجبائية من الضرائب، وأبرزها تطبيق قانون القيمة المضافة خلال نهاية هذا العام، الذي تستهدف الحكومة منه تحصيل نحو 31 مليار جنيه (3.9 مليارات دولار).
والثالث هو تطبيق إجراءات جديدة من التقشف، أهمها خفض الأجور بمعدل يبلغ 10 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار)، الأمر الذي يعد أحد نتائج قانون الخدمة المدنية، حيث يتحمّل العمال والمواطنون من مستهلكي السلع أو متلقي الخدمات خفض الأجور وزيادة الأسعار.
في المقابل، فإن حصيلة العوائد المالية التي يتحملها الأغنياء أو المستثمرون في تلك الخطة، ضئيلة مقارنة بالعوائد التي سيتم تحصيلها من المواطنين محدودي الدخل، حيث يتضح من الخطة ذات النقاط الإحدى عشرة المزمع تطبيقها، أنها تتركز على الشريحة الأكبر من السكان، وهم الأكثر تضرراً منها، بينما القلة الثرية لم يطلها من تلك الخطة إلا القليل، حيث ستطبق عليهم ضريبة على الأرباح لم يتعدّ الأثر المالي لها 3 مليارات جنيه (400 مليون دولار).
في الوقت نفسه، صعد إلى الواجهة مرة أخرى حق التصرف في الأصول الثابتة من أراض وعقارات، حيث تضمنت رؤية وزارة المالية في جمع 100 مليار جنيه عبر إتاحة التصرف في الأصول وبيعها عبر طرح أراضٍ جديدة في المجتمعات العمرانية، ينتظر أن تحقق نحو 8 مليارات جنيه (مليار دولار).
يتضح ممّا سبق أن الدولة المصرية تصرّ على حل أزمة الموازنة عبر العوائد الضريبية أو سياسات التقشف، أو بيع الأصول، وهي بذلك تخالف كل قواعد حل الأزمات الاقتصادية، حيث لا توجد دولة تهمل العوائد الإنتاجية كحلٍّ حقيقي لأزمة الاقتصاد والمجتمع، وتعتمد على عوائد الجباية أو التقشف أو بيع الأصول كحلٍّ وحيد للأزمة. وتسعى الدولة لتمرير هذه السياسة الاقتصادية عبر شعارات زائفة عن الإصلاح الاقتصادي، بينما تتحمل الفئات الأكثر فقراً الجزء الأكبر من "روشتة" الإصلاح المزعوم.
هذه الرؤية الاقتصادية تعني ببساطة أن مستوى معيشة الناس سيتدهور بشكل أكبر في المستقبل القريب، لذا ستكون بداية العام المقبل أكثر قسوة. ففيما تواصل المجموعة الاقتصادية زرع الأوهام وبث الآمال والوعود الكاذبة، يعاد إنتاج السياسات الاقتصادية ذاتها التي أنتجت الأزمة في السنوات الماضية. أليس شعار "من أجلك أنت" الذي رفعته حملة المخلوع، حسني مبارك، في آخر فترة رئاسية قبل إسقاطه، هو ذاته الشعار الذي تضمنه التقرير الاقتصادي لوزارة المالية المعنون بـ "موازنة المواطن"؟
لخص التقرير أهداف السياسة الاقتصادية، خلال الفترة المقبلة، بزيادة التشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الاستقرار المالي، إلا أن السياسات المطبقة والإجراءات، التي يتم اتخاذها، لا تحقق سوى الهدف الثالث، وهو ما ترجمته القرارات الأخيرة المرتبطة بالسياسة الضريبية ورفع أسعار الخدمات وتقليص الدعم المقدم للخدمات والسلع.
كل هذه الإجراءات تتناقض مباشرة مع الهدف الأول والثاني، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية بخفض دعم الخدمات أو إهمالها أو حتى زيادة أسعارها في ظل انخفاض الأجور وتقليصها، لأن زيادة أسعار الخدمات تعني حرمان فئات عديدة من الحصول عليها، كما يؤشر إهمال منظومة الإنتاج الزراعي والصناعي إلى عدم توافر فرص التشغيل مستقبلاً.
ما تقدّم يعني أن الدولة لا تستطيع الخروج من أزمتها إلا بتغيير حقيقي، يضمن إقرار سياسات اقتصادية جديدة، تأخذ في الاعتبار محاسبة قوى الفساد والنهب، وتمنح أيضاً أهمية قصوى للمشاريع الإنتاجية، وتضع نصب عينيها تطبيق قيم المحاسبة والنزاهة والعدالة الضريبية.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
والثالث هو تطبيق إجراءات جديدة من التقشف، أهمها خفض الأجور بمعدل يبلغ 10 مليارات جنيه (1.3 مليار دولار)، الأمر الذي يعد أحد نتائج قانون الخدمة المدنية، حيث يتحمّل العمال والمواطنون من مستهلكي السلع أو متلقي الخدمات خفض الأجور وزيادة الأسعار.
في المقابل، فإن حصيلة العوائد المالية التي يتحملها الأغنياء أو المستثمرون في تلك الخطة، ضئيلة مقارنة بالعوائد التي سيتم تحصيلها من المواطنين محدودي الدخل، حيث يتضح من الخطة ذات النقاط الإحدى عشرة المزمع تطبيقها، أنها تتركز على الشريحة الأكبر من السكان، وهم الأكثر تضرراً منها، بينما القلة الثرية لم يطلها من تلك الخطة إلا القليل، حيث ستطبق عليهم ضريبة على الأرباح لم يتعدّ الأثر المالي لها 3 مليارات جنيه (400 مليون دولار).
في الوقت نفسه، صعد إلى الواجهة مرة أخرى حق التصرف في الأصول الثابتة من أراض وعقارات، حيث تضمنت رؤية وزارة المالية في جمع 100 مليار جنيه عبر إتاحة التصرف في الأصول وبيعها عبر طرح أراضٍ جديدة في المجتمعات العمرانية، ينتظر أن تحقق نحو 8 مليارات جنيه (مليار دولار).
يتضح ممّا سبق أن الدولة المصرية تصرّ على حل أزمة الموازنة عبر العوائد الضريبية أو سياسات التقشف، أو بيع الأصول، وهي بذلك تخالف كل قواعد حل الأزمات الاقتصادية، حيث لا توجد دولة تهمل العوائد الإنتاجية كحلٍّ حقيقي لأزمة الاقتصاد والمجتمع، وتعتمد على عوائد الجباية أو التقشف أو بيع الأصول كحلٍّ وحيد للأزمة. وتسعى الدولة لتمرير هذه السياسة الاقتصادية عبر شعارات زائفة عن الإصلاح الاقتصادي، بينما تتحمل الفئات الأكثر فقراً الجزء الأكبر من "روشتة" الإصلاح المزعوم.
هذه الرؤية الاقتصادية تعني ببساطة أن مستوى معيشة الناس سيتدهور بشكل أكبر في المستقبل القريب، لذا ستكون بداية العام المقبل أكثر قسوة. ففيما تواصل المجموعة الاقتصادية زرع الأوهام وبث الآمال والوعود الكاذبة، يعاد إنتاج السياسات الاقتصادية ذاتها التي أنتجت الأزمة في السنوات الماضية. أليس شعار "من أجلك أنت" الذي رفعته حملة المخلوع، حسني مبارك، في آخر فترة رئاسية قبل إسقاطه، هو ذاته الشعار الذي تضمنه التقرير الاقتصادي لوزارة المالية المعنون بـ "موازنة المواطن"؟
لخص التقرير أهداف السياسة الاقتصادية، خلال الفترة المقبلة، بزيادة التشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة الاستقرار المالي، إلا أن السياسات المطبقة والإجراءات، التي يتم اتخاذها، لا تحقق سوى الهدف الثالث، وهو ما ترجمته القرارات الأخيرة المرتبطة بالسياسة الضريبية ورفع أسعار الخدمات وتقليص الدعم المقدم للخدمات والسلع.
كل هذه الإجراءات تتناقض مباشرة مع الهدف الأول والثاني، حيث لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية بخفض دعم الخدمات أو إهمالها أو حتى زيادة أسعارها في ظل انخفاض الأجور وتقليصها، لأن زيادة أسعار الخدمات تعني حرمان فئات عديدة من الحصول عليها، كما يؤشر إهمال منظومة الإنتاج الزراعي والصناعي إلى عدم توافر فرص التشغيل مستقبلاً.
ما تقدّم يعني أن الدولة لا تستطيع الخروج من أزمتها إلا بتغيير حقيقي، يضمن إقرار سياسات اقتصادية جديدة، تأخذ في الاعتبار محاسبة قوى الفساد والنهب، وتمنح أيضاً أهمية قصوى للمشاريع الإنتاجية، وتضع نصب عينيها تطبيق قيم المحاسبة والنزاهة والعدالة الضريبية.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)