مواطنو السودان.. ضحية للأمراض في ظل غياب حكومي

27 أكتوبر 2014
يُعاني السودان تردّياً في مستوى الخدمات الصحية (فرانس برس)
+ الخط -
كثيرةٌ هي الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الأمراض في السودان، حتى بات وجودها بين السكان أمراً طبيعياً.
أحد الأسباب يتمثل في حدود هذا البلد المفتوحة مع دول أفريقية أخرى، والتي تمتد لآلاف الكيلومترات. تماسٌ جعله أكثر عرضة لانتقال الأمراض، عدا عن طقسه الحار، والحروب والنزاعات التي ساهمت في تفشي مرضي التهاب الكبد الوبائي ونقص المناعة المكتسب (الإيدز) بشكل كبير بين السكان.

كذلك، يُعدّ الفقر سبباً رئيسياً في زيادة الأمراض، على غرار السل الرئوي (الدرن) وسوء التغذية، بخاصة في ظل توقف بعض المانحين عن تقديم الدعم للسيطرة على هذه الأمراض، وتوفير الأمصال للإنسان والحيوان في المجتمعات الرعوية.

وأدى الوضع البيئي في بعض المناطق إلى انتشار أمراض كالملاريا والبلهارسيا، التي تركز حضورها بداية في وسط السودان، قبل أن تنتقل في الوقت الحالي إلى شمال وغرب البلاد، علماً أنها أقاليم ذات مناخ صحراوي وشبه صحراوي.

أمراض مستوطنة
في السياق، تقول وزارة الصحة إن "البلاد شهدت زيادة في أعداد المصابين بالبلهارسيا بنحو مليوني حالة، كما أن 80 في المائة من المواطنين معرضون للإصابة بها، رغم أن الوزارة وضعت خطة لخفض الإصابات إلى 5 في المائة بحلول عام 2016".

كذلك، عادت الملاريا التي انحسرت خلال الأعوام الماضية إلى الظهور مرة أخرى، وسجلت ولاية واحدة عشرين ألف حالة إصابة. وإلى الكبد الوبائي، أشارت إحصائية رسمية إلى أن حجم الإصابات عام 2012 قدر بنحو 1449 حالة في كل أنحاء السودان، منها 181 حالة وفاة.

من جهة أخرى، تُقلق أمراض سوء التغذية الحكومة ومنظمات الأمم المتحدة، بخاصة في مناطق النزاعات. وحذرت الأمم المتحدة في آخر تقرير لها من تصاعد هذه الحالات وسط الأطفال.
وذكرت أن "واحدا من بين 20 طفلاً في السودان يعانون من سوء التغذية، و500 ألف طفل تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، كما أن 16.4 في المائة من الأطفال يعانون من سوء تغذية حاد شامل، و5.3 في المائة من سوء تغذية حاد ووخيم".

من جهة أخرى، يبدو أن بعض الأمراض استوطنت البلاد، وباتت تنتشر بصورة كبيرة، منها أمراض ضغط الدم، والسكري، والسرطان، والقلب الذي يؤدي إلى أكبر نسبة وفيات، ويسجل حالات إصابة إضافية بنسبة 20 في المائة سنوياً. كذلك، تُجرى سنوياً عمليات قلب مفتوح لنحو 1500 مريض، بسبب الضغوط المعيشية ومضاعفات متعلقة بأمراض أخرى لا تجد الرعاية المطلوبة.

وازدادت حالات الإصابة بالسرطان إلى عشرة آلاف حالة بولاية واحدة. ويرجح الأطباء أن يكون العدد الحقيقي لحالات الإصابة بهذا المرض بين 30 إلى 40 ألف حالة. ويعتقد أن انتشاره يعود إلى استخدام المخابز السودانية "برومات البوتاسيوم الممنوع قانوناً لزيادة وزن الخبز وتحقيق مكاسب أكبر".

سماد مغشوش
في السياق، يؤكد نقيب الأطباء أحمد عبدالله الشيخ لـ "العربي الجديد" إن "هناك أمراضا دخيلة على السودان، إلا أنها باتت منتشرة بكثرة، على رأسها الفشل الكلوي الذي بدأ انتشاره عام 1991. وتقدر إحصاءات غير رسمية بأن عدد الإصابات بالفشل الكلوي يزداد سنوياً بنحو 6 آلاف شخص سنوياً، بسبب انتشار الأسمدة المغشوشة التي تستخدم في الزراعة، وعدم التزام المزارعين بالمقدار المحدد في ما يتعلق باستعمال المبيدات الزراعية". وحذر من "استفحال
مرض الكبد الوبائي بسبب انعدام التطعيم وارتفاع كلفته".

كذلك، ينتقد الشيخ تردي مستوى الخدمات الصحية الموجودة، والتي وصفها بـ "المتدهورة". وأكد أن "هناك مشكلة حقيقية في توفير الخدمات الصحية الأولية إلى جانب الأدوية الضرورية".

من جهة أخرى، ما زالت الخدمات الصحية التي تقدمها الحكومة السودانية عرضة لضغوط اقتصادية وسياسية، بخاصة بعد فقدان إيرادات نفط دولة الجنوب، الذي انعكس على استيراد الأدوية في ظل صعوبة توفير العملات الصعبة اللازمة للاستيراد. إذ يحتاج السودان لـ 88 مليون دولار لتوفير احتياجاته الكاملة من الدواء، وهو مبلغ ضخم يصعب على الخزينة المنهكة بالصرف على الحروب في النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور توفيره".

ويرى مراقبون أن "تقاطع المصالح والحسابات السياسية يعد أحد المعوقات التي تواجه وزارة الصحة السودانية والمؤسسات التابعة لها، وتحد من فعاليتها للتركيز على مكافحة الأمراض والحد من انتشارها".

من جهته، يقر رئيس لجنة الصحة في البرلمان عبد العزيز إثنين لـ "العربي الجديد" بضعف الميزانية المخصصة للقطاع الصحي، مشيراً إلى أنها "لا تلبي طموحنا".
لكن في الوقت نفسه، يلفت إلى أنها "معقولة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد"، مشدداً على "اهتمام الحكومة بالرعاية الصحية الأولية". ويشير إلى "تخصيص مبلغ 84 ألف جنيه سوداني لبرامج الرعاية الصحية الأولية، وهي بمثابة صمام أمان للحد من الأمراض وانتشارها والحفاظ على صحة الأم والطفل". ويوضح أن "الدولة اهتمت بتأمين مبالغ مالية لعلاج المرضى في الداخل، وتوفير الأدوية المنقذة للحياة والأمراض المزمنة"، مؤكداً أن "الأمراض في السودان لم تصل إطلاقا لمرحلة الوباء".

تستّر

تعمد السلطات السودانية في كثير من الأحيان إلى التعامل مع أمراض بسرية تامة. ينطبق الأمر على تعاملها حتى وقت قريب مع الإحصاءات المتعلقة بمرض الإيدز، إذ لم تسمح السلطات بنشر الإحصاءات الحقيقية، إلا مع ازدياد خطورته. وأكد التقرير الرسمي الأخير الصادر العام الماضي أن "حالات الإصابة بالإيدز وصلت إلى 77 ألفا، منها خمسة آلاف حالة وفاة. كذلك، سجل عام 2012 تسعة آلاف حالة جديدة".

من جهة أخرى، تُؤثّر هجرة الأطباء والكوادر العاملة في هذا المجال على جودة الخدمات الصحية في البلاد. ويقول وزير الصحة بحر أبو قردة إنه وفق الإحصاءات التي أجرتها الوزارة عام 2013، ظهر أن ثلاثة آلاف طبيب يهاجرون سنوياً". وأضاف "عام 2012، هاجر نحو 94230 طبيباً البلاد في مقابل 10032 عام 2008". ويعزو رئيس نقابة الأطباء الأمر إلى "تدني الأجور، وعدم قدرة الدولة على تأمين وظائف لخريجي كليات الطب".