تعلو أصوات عدد كبير من المهاجرين هنا وهناك، حول عنصرية بعض الألمان وتعاملهم غير اللائق معهم، والذي يتّسم بالفوقية في بعض المواقف. لكن ثمة جوانب أخرى لسلوكيات الألمان تجاه اللاجئين والمهاجرين، لا سيّما العرب منهم. ويتحدث سوريون كثر عن علاقة ودودة بدأت تنشأ بينهم وبين جيرانهم الألمان.
سمر، لاجئة سورية مقيمة في مدينة برلين، تخبر أنها عادت في أحد الأيام إلى غرفتها لتجدها مزيّنة. كان حينها عيد الفصح، وقد قامت السيدة الألمانية التي تستأجر الشابة إحدى غرف منزلها، بذلك. لكنها عادت لتعتذر منها عن اقتحامها خصوصيتها، مبرّرة ذلك برغبتها في مفاجأتها. وهكذا، أصبحت هذه المفاجأة بداية علاقة طيبة بين سمر وصاحبة المنزل التي تبدي فضولاً كبيراً للتعرف على سورية.
أما جنى، فتخبر أن لغتها الألمانية "بدأت بالتحسن بسرعة نتيجة علاقتي مع جارتي المسنة. هي كانت تساعدني في حل وظائف الدراسة، ثم تطورت الزيارات والأحاديث بيننا حتى أصبحت شبه أسبوعية. مع الوقت أصبحت فخورة جداً بي، إذ صرت أتحدث الألمانية بشكل جيد".
في السياق نفسه، يخبر أدهم، وهو طيبب سوري استقر في مدينة صغيرة (رودل شتات)، أن علاقته بجاره "بدأت بطريقة غريبة. على مدى أسبوع، كنت كلما فتحت باب بيتي أجد شيئاً أمامه.. برتقالة أو تفاحة أو كرة". في النهاية، قرر أدهم دعوته إلى تناول الشاي، فلبّى الجار المسن الدعوة بسرعة، وجلب معه ألبوم صوره الخاص. ويشير أدهم إلى أنهما أمضيا وقتاً طيباً، ومن بعدها راح جاره يحضر له أغراضاً مختلفة. يقول: "أفتح الباب، فأجده حاملاً جهاز راديو صغيراً. يغيب ساعة ثم يعود بكرسي، وهكذا دواليك حتى ظننت أن شقته ستفرغ بالكامل".
من جهتها، تخبر شذا، التي تسكن في دريسدن، أنها دعت الجيران إلى زيارة، على الرغم من غياب لغة مشتركة واضحة. تقول: "قليلاً من الإنكليزية والألمانية وكثيراً من لغة الإشارة. لكننا تمكّنّا من التواصل، وبدأنا نتبادل الزيارات قبل أن تتطوّر العلاقة أكثر ونخرج في نزهات مشتركة للتعرّف على المدينة".
إلى ذلك، تكثر المواقف التي يصادفها السوريون في القطار. يقول رأفت ضاحكاً: "أشعر بأنهم يغضّون النظر عن أخطاء كثيرة. في إحدى المرات، نسيت تذكرتي ورحت أشرح لمراقب البطاقات في القطار ذلك. وعندما عرف أنني سوري، وضع يده على كتفي وتفوّه ببعض جمل ألمانية لم أفهمها، ومشى. شعرت بأنه تعاطف معي وغضّ الطرف عن مخالفتي التي تبلغ في الحالة العادية ما يساوي 40 دولاراً أميركياً". بعد ذلك، أصبح شديد الحرص على تفقد بطاقته قبل الصعود إلى القطار أو مغادرة المنزل.
أما صديقه نبيل فيقول: "أجمل ما يحدث معي، يحدث في القطار. في إحدى المرات، خلال تنقلي من مدينة إلى أخرى، تعرفت إلى شاب ساعدني في إيجاد محام. وفي مرّة أخرى ساعدتني شابة في إيجاد منزل".
وفي هذا الإطار، يخبر أنيس أن امرأة في الستين من عمرها تداوم على زيارة دار اللجوء التي يسكن فيها مع رفاقه. يقول إنها "تجلب لنا قواميس للترجمة من العربية إلى الألمانية، وتصوّر لنا أوراقاً لمساعدتنا في تعلّم اللغة". يضيف أنها أخبرته بموقفها المعادي للأجانب، لكنها بعدما خبرت حادثة ما، تغيّر موقفها بالكامل وأصبحت شديدة التعاون والعطاء. لم تذكر له ما حصل، لكنها أوضحت أن "بعض الأمور تحصل في الحياة لتجعل منّا شخصاً آخر".
هايدي، تعمل مع المهاجرين وتأخذ على عاتقها مهمة تسلية أطفالهم واللعب معهم. في بعض الأوقات، ترافق المهاجرين إلى مراكز التسوّق لتدلّهم على الأمكنة المناسبة لشراء حاجياتهم، لا سيّما الطعام، وكذلك المحلات التي تعدّ أسعارها أفضل من غيرها. تقول: "أجد في عملي هذا متعة خاصة. فهي خدمة حقيقية للمجتمع الذي نعيش فيه مع الأجانب".
أما يوهان، مدرّب اليوغا، فقد قرّر أن يفتح صفاً جديداً للسوريين فقط، عندما سمع بأنهم يعانون ضغوطاً كثيرة في أحد الملاجئ. بالنسبة إليه، "هم أتوا حاملين همومهم الكبيرة. لا ينقصهم تحمّل مضايقات أخرى".