06 نوفمبر 2024
موتى الهولوكوست يقرّرون أجندة الأحياء؟
لعلّ أكثر درسٍ يكون مكروراً في دولة الاحتلال في جميع مناسبات إحياء ذكرى الهولوكوست، كما هو شأن المناسبة الأخيرة هذا الأسبوع، ما يسمّيه علماء اجتماع إسرائيليون نقديون "قدسيّة" الموتى. وهي قدسيّة لم تبدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا النازية، وما تسببتا به من اصطفاف عالمي جديد مؤيّد لإقامة تلك الدولة في أرض فلسطين، بل سبقتهما بكثير. بل ويذهب بعضهم إلى أنه لا يمكن تفكيك شيفرة الواقع الإسرائيلي، في شتّى مفترقاته، بما في ذلك المفترق الحالي، من دون الأخذ بالاعتبار أن استخدام الموتى، سيما ضحايا الهولوكوست، يُحدّد شكل التفكير والتصرّفات، ويقرّ جوهر الاستخلاص، وفي نهاية المطاف، يصوغ هوية إسرائيل برمتها، ويقرّر أجندة الأحياء.
وحتى في الأيام الحالية التي يتفشّى فيها فيروس كورونا في العالم طُرّاً، استغل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ذكرى ضحايا الهولوكوست الأخيرة، كي يؤكّد أن الجائحة من الزاوية الإسرائيلية تجسّد بالملموس أهمية وجود دولة يهودية ذات سيادة، استشعرت الخطر في الوقت المناسب وواجهته، مردّداً مقولةً سبق أن طوّح بها في وجه الرئيس الأميركي السابق، أوباما، وفحواها أنه لو كانت دولة كهذه قائمة قبل الحرب العالمية الثانية لما وقعت المحرقة أصلاً.
ومثلما تمّ في الماضي استغلال ذكرى الضحايا مبرِّرا للسياسة الإسرائيلية عامة، ولسياسة التهجير والاحتلال والقمع في فلسطين خصوصا، نتعثّر بمقالات هنا وهناك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحاول أن تصفّي حسابات قديمة مع دول ومؤسسات عالمية، بذريعة أنها تؤجّج مظاهر معاداة السامية التي تحاول دولة الاحتلال أن تُماهيها بمناهضة الصهيونية. ويظلّ في مقدمها، وفقاً لأحدث مقالات الرأي، منظمة الصحة العالمية، التي عقدت، قبل نحو عام، مؤتمرها السنوي في جنيف وشجبت في ختامه الأوضاع الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
من ناحية وقائعيّة، يمكن تعيين أن استخدام الهولوكوست صار إلى تعمّق إثر حرب يونيو/ حزيران 1967، فبعدها بعامين ظهر وزير الخارجية الإسرائيلي الأشهر، آبا إيبان، الذي وُصف بأنه أحد أكبر الحمائميين في إسرائيل في ذلك الوقت، على منابر دولية، ورسّخ المقاربة بأنه لا يجوز لإسرائيل العودة إلى حدود ما قبل تلك الحرب، وسكّ حينذاك تعبيراً لغوياً لا يتوقف استخدامه، عرّف حدود دولة الاحتلال التي كانت حتى الحرب إياها، حدود ما يُعرف بـ"الخط الأخضر" من عام 1949، بأنها "حدود أوشفيتز". ومنذ ذلك الوقت، درجت العبارة في أكثر من جولة مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان ثمّة من أشار إلى أنه إذا كانت خطوط 1967 "حدود أوشفيتز"، فثمّة منطق عاطفي على الأقل في تعليق مستوطنين محتلين، تمّ إجلاؤهم من مستوطنات قطاع غزة ضمن ما عرف باسم "خطة الانفصال" عام 2005، شارات المحرقة، كما لو أنهم يقولون إن حرب 67 أزالت حدود الغيتو، والآن يُراد إدخالهم مُجدّداً إليه. وبذا استحالت عملية إجلاء سياسية، وإعادة انتشار للاحتلال الإسرائيلي وفقاً لمفهوم أمنيّ محض، إلى نقطة صدمةٍ نفسيةٍ أخرى على امتداد تداعيات ما بعد المحرقة، كما كتب في حينه رئيس الكنيست السابق، أبراهام بورغ.
وفي كتاب "الأمة والموت - التاريخ، الذاكرة، السياسة" (2002) تقرأ المؤرخة عيديت زرتال تاريخ الحركة الصهيونية، باعتباره يقوم أكثر شيء على أساس "تجنيد" الموتى منذ أقدم الأزمان في صفوفها، وتشير على نحو خاص إلى أن الذروة بلغت في تجنيد ضحايا الهولوكوست الذين ما زالوا يعتبرون أصحاب السيادة الأوائل في إقرار أجندة الأحياء؛ وباسمهم خرج الصهاينة ودولة الاحتلال من أجل القتال واقتراف أعمال القتل، ومن أجل ارتكاب أبشع الاعتداءات بحجة الدفاع. فمثلاً شنّت إسرائيل حرب 67 لمنع هولوكوست يلوح في الأفق، وإلحاق الهزيمة بالعرب كـ"نازيين مناوبين". وقام رئيس الحكومة السابق مناحيم بيغن بحرب لبنان عام 1982 لمطاردة "هتلر آخر في بيروت"!
ومثلما تمّ في الماضي استغلال ذكرى الضحايا مبرِّرا للسياسة الإسرائيلية عامة، ولسياسة التهجير والاحتلال والقمع في فلسطين خصوصا، نتعثّر بمقالات هنا وهناك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحاول أن تصفّي حسابات قديمة مع دول ومؤسسات عالمية، بذريعة أنها تؤجّج مظاهر معاداة السامية التي تحاول دولة الاحتلال أن تُماهيها بمناهضة الصهيونية. ويظلّ في مقدمها، وفقاً لأحدث مقالات الرأي، منظمة الصحة العالمية، التي عقدت، قبل نحو عام، مؤتمرها السنوي في جنيف وشجبت في ختامه الأوضاع الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
من ناحية وقائعيّة، يمكن تعيين أن استخدام الهولوكوست صار إلى تعمّق إثر حرب يونيو/ حزيران 1967، فبعدها بعامين ظهر وزير الخارجية الإسرائيلي الأشهر، آبا إيبان، الذي وُصف بأنه أحد أكبر الحمائميين في إسرائيل في ذلك الوقت، على منابر دولية، ورسّخ المقاربة بأنه لا يجوز لإسرائيل العودة إلى حدود ما قبل تلك الحرب، وسكّ حينذاك تعبيراً لغوياً لا يتوقف استخدامه، عرّف حدود دولة الاحتلال التي كانت حتى الحرب إياها، حدود ما يُعرف بـ"الخط الأخضر" من عام 1949، بأنها "حدود أوشفيتز". ومنذ ذلك الوقت، درجت العبارة في أكثر من جولة مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان ثمّة من أشار إلى أنه إذا كانت خطوط 1967 "حدود أوشفيتز"، فثمّة منطق عاطفي على الأقل في تعليق مستوطنين محتلين، تمّ إجلاؤهم من مستوطنات قطاع غزة ضمن ما عرف باسم "خطة الانفصال" عام 2005، شارات المحرقة، كما لو أنهم يقولون إن حرب 67 أزالت حدود الغيتو، والآن يُراد إدخالهم مُجدّداً إليه. وبذا استحالت عملية إجلاء سياسية، وإعادة انتشار للاحتلال الإسرائيلي وفقاً لمفهوم أمنيّ محض، إلى نقطة صدمةٍ نفسيةٍ أخرى على امتداد تداعيات ما بعد المحرقة، كما كتب في حينه رئيس الكنيست السابق، أبراهام بورغ.
وفي كتاب "الأمة والموت - التاريخ، الذاكرة، السياسة" (2002) تقرأ المؤرخة عيديت زرتال تاريخ الحركة الصهيونية، باعتباره يقوم أكثر شيء على أساس "تجنيد" الموتى منذ أقدم الأزمان في صفوفها، وتشير على نحو خاص إلى أن الذروة بلغت في تجنيد ضحايا الهولوكوست الذين ما زالوا يعتبرون أصحاب السيادة الأوائل في إقرار أجندة الأحياء؛ وباسمهم خرج الصهاينة ودولة الاحتلال من أجل القتال واقتراف أعمال القتل، ومن أجل ارتكاب أبشع الاعتداءات بحجة الدفاع. فمثلاً شنّت إسرائيل حرب 67 لمنع هولوكوست يلوح في الأفق، وإلحاق الهزيمة بالعرب كـ"نازيين مناوبين". وقام رئيس الحكومة السابق مناحيم بيغن بحرب لبنان عام 1982 لمطاردة "هتلر آخر في بيروت"!