بعد أخذ وردّ استمرّا ثلاثة أيام، وبعد انقسام حادّ في الآراء، قرر مجلس شورى حركة النهضة ترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 15 سبتمبر/أيلول المقبل. لم يحصل تصويت بل اتُخذ القرار بالإجماع كما قيل، وإن كان البعض قد عبّر عن عدم اقتناعه، ورأى في ذلك "موقفاً خاطئاً". بهذا القرار تكون حركة النهضة قد اختارت تغيير استراتيجيتها بشكل مفاجئ، وقررت خوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية معاً، وأن تنزل بكامل ثقلها في هذه المعركة، التي ستكون من أكثر المعارك صعوبة وشراسة في تونس. لكن هل أصابت في اختيارها أم أخطأت؟ بهذا القرار، تكون حركة النهضة قد تجاوزت مسألتين اعتمدت عليهما في خطتها السياسية ما بعد الثورة (2011). فهي، من جهة، تخطت الحاجز الذي وضعته لنفسها، والذي كان يتمثل في طمأنة الجميع بكونها لا ترغب في السعي نحو السيطرة على مؤسسات الدولة بسلطتيها التنفيذية والتشريعية. ومن جهة ثانية، تخطت حاجزاً ثانياً بهذا القرار، عبر تحررها من "عقدة" لازمتها طيلة المرحلة السابقة، حين افترضت أن القوى الإقليمية والدولية "لن تسمح" لحركة إسلامية بأن تنفرد بحكم بلد مثل تونس. وقد سبق لزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي أن استخدم ما سُمّي بـ"الدبلوماسية الشعبية" بهدف طمأنة القوى الغربية بأن الحركة لا تنوي التغول ولا تسعى إلى الهيمنة.
السبب الثاني هو أن الغنوشي لم يجد من يمكن أن يعقد معه صفقة المرحلة المقبلة. الجميع تقريباً تجنّبوا الاقتراب من حركة النهضة، ومنهم كثيرون رفضوا علناً أن يضعوا أيديهم في يدها وأن يتحاوروا معها. ومعظمهم اعتبرها خصماً سياسياً يجب العمل على تقزيمه وإبعاده عن المشاركة في أي حكومة مقبلة. وهو ما أثار غضب كوادر الحركة وغذّى لديهم الرغبة في التحدي والمطالبة بتقديم مرشح لهم، يكون قادراً على منافسة البقية من موقع القوة، ووجدوا في عبد الفتاح مورو ملبياً لتطلعاتهم.
بعد اتخاذ هذا المسار الذي لن يخلو من مخاطر وتداعيات، تجد الحركة نفسها مضطرة إلى انتهاج خطاب حذر يكون قادراً على امتصاص ردود الفعل المختلفة والمتوقعة. وقد انطلقت التصريحات في هذا الاتجاه، ومن بينها، ما أكده رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، بأن النهضة باعتبارها الحزب الأول في البلاد "تدخل الاستحقاق الانتخابي لتحكم". لكنه استدرك قائلاً: "لا تدخل لوحدها بل مع شركائها الذين تفرزهم صناديق الاقتراع". وحدّد كلامه عندما أضاف: "نريد المشاركة في الحكم مشاركة فعالة من دون تغوّل، نحن أخذنا الدرس من النداء الذي فاز عام 2014، وحرص على أن تكون له الرئاسات الثلاث، والنتيجة نعرفها". وهو في هذا السياق يستبق الحملة التي سيقوم بها المنافسون والخصوم، التي ستتمحور حول ما يسمونه "خطر هيمنة الإسلاميين" على مفاصل الدولة. من جهة أخرى، تراهن قيادة النهضة على حنكة مورو واعتداله السياسي والديني، وقدرته على الخطابة والإقناع، عسى أن يكون صوته مطمئناً للنخب العلمانية في الداخل وأيضاً القوى الغربية والأطراف العربية المناوئة للإسلاميين.