تعمل روسيا على ترسيخ التفافها على القرار الأممي 2401، الذي دعا إلى هدنة في سورية لمدة ثلاثين يوماً، عبر استغلال "الهدنة الإنسانية" التي أعلنتها في الغوطة الشرقية لدمشق، لتهجير أهالي المنطقة من خلال إعلان فتح ممر إنساني لإجلاء المدنيين، ثم اتهام فصائل المعارضة في الغوطة بمنع الأهالي من المغادرة وقصف هذا الممر، بالتزامن مع استمرار القصف المدفعي من قبل النظام السوري على المنطقة، والذي أوقع ضحايا جدداً أمس. في المقابل، فإن فصائل الغوطة أعلنت التزامها إخراج "مسلحي هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي لهم من الغوطة الشرقية"، وذلك مع تذرع روسيا وإيران والنظام، بوجود عناصر من "النصرة" في تلك المنطقة، لاستمرار حرب الإبادة عليها.
ولم تكد "الهدنة الإنسانية" الروسية المفترضة في الغوطة، تدخل حيز التنفيذ عند التاسعة من صباح أمس، ولمدة خمس ساعاتٍ تنتهي عند الثانية ظهراً، حتى خرقتها قوات النظام السوري، عبر قصفٍ مدفعي تلاه قصف جوي في الغوطة الشرقية لدمشق أسقط ضحايا من المدنيين؛ لكن على الرغم من ذلك، فإن وتيرة القصف بدت أقل كثافة وعنفاً، عن الأيام القليلة الماضية، في الوقت الذي رشحت فيه معلومات عن فتح منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تحقيقاً حول استخدام أسلحةٍ محظورةٍ بالغوطة الشرقية في الآونة الأخيرة.
وفي السياق نفسه، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن تشغيل "ممر الإجلاء" من الغوطة سيعتمد على قوات المعارضة. وأضاف في تصريحات للصحافيين أمس أن موسكو "تأسف للوضع في الغوطة وستواصل العمل لمساعدة المدنيين على مغادرة المنطقة" على الرغم مما وصفه بـ"استفزازات" المعارضة.
في المقابل، نفى "جيش الإسلام"، الفصيل الأبرز في الغوطة، منع المدنيين من مغادرة المنطقة، كما نفى قصف الممر الإنساني. وقال رئيس المكتب السياسي لـ"جيش الإسلام" ياسر دلوان: "لم نمنع أحداً والمدنيون يتخذون قرارهم".
ترافق ذلك مع قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إنه سيتم نقل مساعدات إنسانية للغوطة باستخدام "الممر الإنساني" الذي ساعدت موسكو على فتحه. وفي مؤتمر صحافي مع مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، في موسكو، قال لافروف إن القصد من الممر هو إجلاء المدنيين وإدخال المساعدات. كما أعرب عن أمل بلاده بأن يعمل كل من يؤثر على المعارضة على إقناعها بتنفيذ قرار الهدنة في الغوطة. من جهته، قال لودريان، إن روسيا وحدها القادرة على الضغط على النظام السوري لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2401 حول الهدنة.
في المقابل، اعتبرت المعارضة السورية، أن "الهدنة الانسانية" الروسية، مناورة للالتفاف على روح القرار 2401. وتتذرع روسيا ومعها إيران والنظام، بوجود عناصر من "جبهة النصرة" في الغوطة الشرقية، لمواصلة حرب الإبادة فيها، لكن كبرى الفصائل العسكرية في الغوطة، أعلنت سابقاً، أن روسيا والنظام عرقلا خروج 200 عنصر من "هيئة تحرير الشام" (النصرة) إلى الشمال السوري، كي يحتفظا بذريعة وجودهم، ويهددا حياة نحو أربعمائة ألف مدني في الغوطة الشرقية.
وفي هذا السياق، وجّهت الفصائل العسكرية والفعاليات المدنية في الغوطة الشرقية، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن الدولي، أعربت خلالها عن التزامها "التام بإخراج مسلحي هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوماً"، مطالبين الأمم المتحدة وهيئاتها بضمان إلزام النظام وحلفائه بالوقف "الفعلي لجميع الأعمال العدائية". وجاء في الرسالة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخةٍ منها، ووقعت من قبل "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن" و"أحرار الشام"، إضافة إلى "الفعاليات المدنية في الغوطة الشرقية"، وتم توجيهها ليل الإثنين- الثلاثاء للرئيس الدوري لمجلس الأمن منصور العتيبي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إن الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية والفعاليات المدنية تلتزم "بإخراج مسلحي هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة والقاعدة وكل من ينتمي لهم وذويهم من الغوطة الشرقية لمدينة دمشق خلال 15 يوماً، من بدء دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الفعلي، وفق آلية يتم الاتفاق عليها خلال الفترة نفسها، وبالتعاون مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية". كما أعرب الموقّعون عن التزامهم بـ"تأمين البيئة اللازمة لتسهيل عمل منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة، في تسيير قوافل الإغاثة والقوافل الطبية لمعالجة المرضى والجرحى، وحماية هذه القوافل وضمان أمن العاملين بها في مختلف مناطق الغوطة الشرقية".
وطالب الموقّعون على الرسالة الأمم المتحدة بضرورة "إلزام النظام وحلفائه" بـ"الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية والعمليات العسكرية بأي نوع من أنواع الأسلحة، ووقف نشاطات القوات الجوية التابعة للنظام أو للاتحاد الروسي، طبقاً لقرارات مجلس الأمن 2254، و2268، و2401"، و"الوصول الآمن لقوافل الإغاثة والتوقف عن استهداف سيارات الإسعاف"، وكذلك "السماح بخروج الجرحى والمرضى ذوي الحالات الحرجة، وضمان وصولهم عبر الصليب الأحمر وبإشرافه لأحد مشافي دول الجوار، أو لمشفى في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام... وعدم توقيفهم أو اعتقالهم أو اعتقال المرافق معهم من ذويهم في حال معالجتهم في أحد مشافي دمشق".
كما أن الموقّعين على الرسالة طالبوا الأمم المتحدة بضرورة إلزام النظام بـ"وقف استهداف الأعيان المدنية والمنشآت الطبية والتعليمية، ودور العبادة ومستودعات الأدوية، ومحطات توليد الكهرباء، ومحطات الطاقة ومنشآت تحلية المياه، وكافة المنشآت الحيوية"، بالإضافة لـ"تنظيم تدفق آمن ومستمر ومنظم ودوري للاحتياجات الطبية والأغذية الكافية حسب عدد سكان الغوطة الشرقية لمدينة دمشق، البالغ عددهم 400 ألف مواطن، عبر المعابر وتحت إشراف الصليب الأحمر، ومنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، وقد خصصت فصائل الجيش الحر عدداً من المعابر الآمنة لتحقيق هذه الغاية وهي الآتية: 1-مخيم الوافدين، 2-حرستا، 3-المليحة جسرين".
ميدانياً، قال "مركز الغوطة الإعلامي"، الذي يديره ناشطون في ريف دمشق، ومصادر ميدانية أخرى، إن قوات النظام جدّدت قصفها على مدينة دوما في الغوطة، بعد سريان الهدنة التي أعلنت عنها روسيا، ما أسفر عن مقتل رجل وامرأة، وأضرار مادية. كما أن القصف طاول مناطق أخرى بينها مسرابا وجسرين، موقعاً إصابات بين المدنيين. وقال أبو وسام الغوطاني، وهو ناشط إعلامي يقيم في بلدة حمورية بالغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد"، إن "القصف استمر في الغوطة الشرقية خلال ساعات الهدنة وأوقع قتلى وجرحى مدنيين"، مشيراً إلى أن "السكان هنا لزموا الأقبية التي يقيمون فيها منذ أسبوع خلال ساعات الهدنة المزعومة. ليس هناك أي ثقة بما يقوله الروس، وكل التجارب السابقة تؤكد للجميع أن الهدنة الحالية وغيرها مناوراتٌ سياسية لا أكثر، ولا أثر حقيقياً لها على الأرض".
كذلك أكدت الأمم المتحدة استمرار المعارك أمس في الغوطة. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه للصحافيين في جنيف "القتال مستمر هذا الصباح وفقاً للتقارير الواردة إلينا من الغوطة الشرقية"، مضيفاً أنه لا يزال من المبكر الحديث عن أي عمليات إغاثة للمدنيين في ظل تواصل الاشتباكات. من جهته، أكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق ياسرفيتش للصحافيين، أن لدى وكالته أسماء ألف شخص بحاجة إلى الإجلاء من الغوطة الشرقية وتم تصنيف حالات 600 منهم بأنها "معتدلة أو شديدة" الخطورة.
وبرز خلال الساعات الأخيرة، تطابقٌ بالتصريحات، بين بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، حول إمكانية اللجوء لاستخدام القوة في حال ثبت تورط النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية. وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أمس: "إذا علمنا أن هذا حدث واستطعنا إثباته (هجوم كيميائي)، وإذا كان هناك اقتراح بالتحرك في وضع يمكن للمملكة المتحدة أن تفيد فيه، فأعتقد أننا سنبحث الأمر بجدية". وجاء كلام جونسون، بعد تهديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإمكانية توجيه بلاده ضربة عسكرية ضد النظام السوري، إذا ثبت تورطه بهجماتٍ كيميائية؛ كذلك فإن مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هايلي، قد هددت منذ أيام، بإمكانية لجوء بلادها للخيار العسكري ضد قوات النظام السوري.
وكان لافتاً أمس الثلاثاء، تصريحٌ لرئيس الدائرة الإعلامية في "الائتلاف السوري" أحمد رمضان، قال فيه إن "معسكرات الحرس الجمهوري وحزب الله ومليشيا إيران في محيط دمشق وجبل قاسيون ستكون هدفاً لضربات جوية عنيفة إذا لم يوقف الأسد وبوتين العدوان على الغوطة الشرقية. التهديد نُقل مباشرة لموسكو"، من دون أن يكشف تفاصيل إضافية.