تتوزّع أكثر من عشرة مجامع لغوية في البلدان العربية تسعى بحسب أنظمتها الداخلية إلى الحفاظ على سلامة اللغة العربية ومواكبة أحدث المعارف اللسانية، وإحياء التراث العربي الإسلامي ووضع المعاجم وتوحيد المصطلحات بالتعاون مع المؤسسات ذات الصلة.
تبدو هذه الأهداف، لأسباب عديدة، خارج إمكان تحقّق معظمها، إذ لا تعني توصيات المجامع الحكومات وربما لا تفيد المجتمعات، ومنها مخرجات الموسم السادس والثلاثين لـ"مجمع اللغة العربية" في عمّان الذي يتواصل حتى 18 من الشهر الجاري تحت عنوان "اللغة العربية والنهوض بالأمة"، حيث يناقش المشاركون قضايا تتعلّق بالمصطلح والترجمة الآلية والتشريعات.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير يوسف ربابعة، أستاذ اللغة والنحو في "جامعة فيلادلفيا"، إلى أن "هناك إنجازات لمجمع اللغة العربية عديدة على المستوى النظري مثل موسوعة المصطلحات المنشورة في مجلدات عدّة، ومجلة تنشر أبحاثاً محكّمة، وإذاعة تبث برامج عن اللغة ولقاءات حول أساتذة ومتخصّصين".
ويوضح أن "إشكالية المجمع في كونه مثالياً ونموذجياً في نظرته إلى اللغة ومنفصلاً عن الواقع، حيث لا تلامس المصطلحات والمفردات التي ينحتها، تلك اللغة المتداولة في الحياة اليومية، لذلك لا ينجح في جعلها مقبولة لدى الشعب الأردني، والعربي عامة".
من أبرز الأمثلة على تحوّل المجمع إلى سلطة يرفض المواطنون الامتثال لها، بحسب ربابعة، هو الاحتجاج على "امتحان الكفاية اللغوية" الذي تمّ إقراره ضمن "قانون حماية العربية" على جميع المتقدّمين للوظيفة في القطاع العام، فبعد أن كانت نسبة الرسوب عالية جداً في صفوف المتقدّمين إليه، أُعيد الامتحان أكثر من مرة لرفع نسب النجاح إلى الحدّ المطلوب.
يلفت صاحب كتاب "الشعر والقرآن" إلى "إحجام المجمع عن وضع دراسات وأبحاث حول اللغة الوسيطة (لغة قريبة من الفصحى لكنها تنحو لاستخدام مفردات بسيطة نسبياً وتوظيف اللهجة الدارجة)، ضمن تصوّرٍ دائم بوجود مؤامرة على اللغة تشكّل اللهجات العامية إحدى حلقاتها".
يخلص ربابعة إلى "ضرورة وجود تخطيط لغوي ضمن مشروع سياسي أُسوة بإندونيسيا -مثلاً- التي وحّدت عشرات اللهجات واللغات التي يتحدّث بها سكّان آلاف الجزر الإندونيسية الذين احتفظوا بلهجتهم الأصلية وتعلّموا لغتهم الجديدة، تماماً مثلما حصل مع اللغة العربية التي قامت على ائتلاف لهجات في تسوية لإنتاج لغة تعبّر عن مشروع الإسلام، ما كرّسته مدوّنات علماء النحو منذ القرن الأول الهجري".
من جهته، ينبّه إسماعيل القيام، أستاذ اللغة العربية في "جامعة البلقاء التطبيقية" إلى أن "مجامع العربية عاجزة عن تقديم الدور الحقيقي التي أُنشئت من أجله متمثلاً بالحفاظ على اللغة ضمن مشاريعها. ولم ينجز المجمع الأردني من معجم ألفاظ الحياة العامية شيئاً يذكر رغم إطلاقه منذ حوالي العقدين".
يتابع: "المجمع ليس له دور فاعل في الحياة العامة، ومنها الجامعات سواء في وضع مناهجها أو الخطط الدراسية في أقسام اللغة العربية، ويعمل بصورة منفصلة وبطيئة مثلما حدث في قانون حماية العربية الذي لم تطبّق العديد من بنوده، باستثناء امتحان الكفاية الذي تم استسهال إقراره وجاءت نتائجه مخيبة".
في هذا القانون، وفق القيام: "لم يستطع المعجم حماية العربية في الشارع حيث يتم ترخيص المحلات في السجلات التجارية باسم، بينما يخطّ لها اسمٌ آخر على يافطاتها باللهجة المحكية أو اللغات الأجنبية من دون أن تدفع رسماً إضافياً جرياً على قوانين بلدان عديدة".
يبيّن صاحب كتاب "لغات القبائل في كتب إعراب القرآن ومعانيه" أن "القانون لم يفعّل أيضاً في تحرير المخاطبات الرسمية حيث لم يعيَّن مدققون لغويون في المؤسسات الحكومية، كما أن مقرّرات المجمع نفسه حول الأخطاء الشائعة لا تخرج من مقرّه أساساً، بينما كان من الأولى أن يصدر كتاب بها يتمّ توزيعه على العموم".
يختم القيام بالإشارة إلى أن "المجمع يحتاج إلى تجديد يعيد للغة ألقها، وإلى الخروج من العزلة والتخلّص من رهاب اللهجات المحكية التي كانت ولا تزال لغة يتحدّث بها العرب في مدنهم وقراهم وبواديهم طيلة القرون الماضية، كما أن هنالك العديد من الشواهد التي تثبت كيف عدّل الرواة كثيراً من المقولات والأشعار إلى الفصحى، ورغم ذلك بقي الكثير من آثار اللهجات العامية في المراجع التراثية".