22 نوفمبر 2024
موسم براءة الديكتاتوريّة
الحكم ببراءة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وكل حاشيته، ليس مفاجأة. كان من الممكن رؤيتها تطبخ على نار هادئة، منذ الثالث من يوليو/تموز 2013، يوم عاد العسكر في مصر إلى سدة الحكم، ليكملوا المسيرة التي تسلّمها مبارك من سلفيه. براءة مبارك هي فصل من ما تشهده دول الربيع العربي، من دون استثناء. هو موسم براءة الديكتاتورية وعودتها إلى الحكم، بأشكال وصنوف مختلفة.
مبارك بريء من قتل المتظاهرين، وبريء من تصدير الغاز إلى إسرائيل، وبريء من التلاعب بالبورصة وإفقار ملايين المصريين. هذا هو حكم المحكمة الذي سيتيح للرئيس المخلوع قريباً المطالبة بتعويض عن السنوات الثلاث التي قضاها، مرفّهاً، في السجن، والسماح له بالعودة إلى قصر الرئاسة، لإكمال فترة حكمه المنصوص عليها دستورياً، على أن لا "ينتوي" الترشح لولاية جديدة.
لم يعد مثل هذا السيناريو ضرباً من الخيال، بل قد يتحول قريباً إلى واقع معاش، بمباركة دول كبرى وصغرى في العالم وفي المنطقة، رأت أنها أخذت ما أرادت من تجربة "الربيع العربي"، وأنه آن أوان عودة الأمور إلى ما كانت عليه، ضمن بازار سياسي مفتوح من واشنطن إلى موسكو، مروراً بطهران.
مصر ليست النموذج الأول لبراءة الديكتاتورية، على الرغم من أنها السبّاقة إلى ذلك، فاتحة الباب أمام غيرها من الدول. يوم خرجت الجموع تمجّد الحكم العسكري، كان ذلك إشارة إلى ما ستصل إليه الأمور، وأن عودة مبارك، بأي شكل، مسألة وقت.
تونس، أيضاً، ليست بعيدة عن هذا الموسم من البراءة، وإن كان الشكل مختلفاً. الانتخابات البرلمانية أعادت غالبية رموز نظام الرئيس الهارب زين العابدين بن علي إلى الحكم، ولم يتبق إلا الانتخابات الرئاسية، ليكتمل المشهد. ها هو الباجي قايد السبسي، الوزير المسؤول عن تزوير الانتخابات في عهد الحبيب بورقيبة، يتصدّر السباق، مدعوماً بسياسيين يرون في رئاسته نهاية لتجربة السنوات الثلاث الماضية، وعودة لكل المكتسبات التي انتزعتها منهم الثورة الشعبية التي أطاحت زين العابدين. هنا، أيضاً، هي مسألة الوقت الفاصل عن موعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستحسم عودة رموز الديكتاتورية إلى الحكم.
لسورية وضع مختلف، لكنه، أيضاً، يصب في خانة البراءة، وخصوصاً أن إطاحة نظام بشار الأسد باتت خارج حسابات الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة، بل على العكس، فها هو الخلاف على ضرب النظام السوري، أو عدمه، يطيح وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، الذي كان من مؤيدي توسّع مهمة التحالف الدولي، لتطال قوات النظام السوري. لكن حسابات إدارة أوباما، ومفاوضاتها مع إيران، تحول، في هذا الوقت، دون ذلك، ولا سيما أن الإدارة لا تريد أي خطوة تعكّر مسار صفقتها. لذا، لا بد من تحييد الأسد وديكتاتوريته، وإغماض العين عن المجازر التي يرتكبها بحق شعبه. هو أيضاً داخل موسم البراءة، لكن من دون قضاء أو انتخابات، هي براءة بحكم ما يسمى "المجتمع الدولي" الذي يقيس إصداره الأحكام بمنطق المكاسب والخسائر.
كذلك، لليمن وليبيا نصيبهما من موسم البراءة. لكن، وفق معايير أخرى. فما تعيشه ليبيا من تقسيم معلن لا يقلق العالم، لا القريب ولا البعيد، والليبيون متروكون لمواجهة ما ستؤول إليه المعارك الداخلية، عندها قد يصدر حكم ما بحق المنتصر أو المهزوم. وفي اليمن، ها هو شكل آخر من الديكتاتورية المليشيوية يظهر ويسيطر، فيما الجميع مشغول بتأمين المنفى اللائق للرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
براءة مبارك هي حلقة من مسلسل براءة الديكتاتورية الذي يريد إفراغ الثورات العربية من مضمونها، وتعميم الإحباط. مسلسل قد يكون نجح جزئياً، لكن حلقاته لا ينبغي أن تنتهي هنا، ولا بد من ارتدادات معاكسة، ولتكن مصر البداية.
مبارك بريء من قتل المتظاهرين، وبريء من تصدير الغاز إلى إسرائيل، وبريء من التلاعب بالبورصة وإفقار ملايين المصريين. هذا هو حكم المحكمة الذي سيتيح للرئيس المخلوع قريباً المطالبة بتعويض عن السنوات الثلاث التي قضاها، مرفّهاً، في السجن، والسماح له بالعودة إلى قصر الرئاسة، لإكمال فترة حكمه المنصوص عليها دستورياً، على أن لا "ينتوي" الترشح لولاية جديدة.
لم يعد مثل هذا السيناريو ضرباً من الخيال، بل قد يتحول قريباً إلى واقع معاش، بمباركة دول كبرى وصغرى في العالم وفي المنطقة، رأت أنها أخذت ما أرادت من تجربة "الربيع العربي"، وأنه آن أوان عودة الأمور إلى ما كانت عليه، ضمن بازار سياسي مفتوح من واشنطن إلى موسكو، مروراً بطهران.
مصر ليست النموذج الأول لبراءة الديكتاتورية، على الرغم من أنها السبّاقة إلى ذلك، فاتحة الباب أمام غيرها من الدول. يوم خرجت الجموع تمجّد الحكم العسكري، كان ذلك إشارة إلى ما ستصل إليه الأمور، وأن عودة مبارك، بأي شكل، مسألة وقت.
تونس، أيضاً، ليست بعيدة عن هذا الموسم من البراءة، وإن كان الشكل مختلفاً. الانتخابات البرلمانية أعادت غالبية رموز نظام الرئيس الهارب زين العابدين بن علي إلى الحكم، ولم يتبق إلا الانتخابات الرئاسية، ليكتمل المشهد. ها هو الباجي قايد السبسي، الوزير المسؤول عن تزوير الانتخابات في عهد الحبيب بورقيبة، يتصدّر السباق، مدعوماً بسياسيين يرون في رئاسته نهاية لتجربة السنوات الثلاث الماضية، وعودة لكل المكتسبات التي انتزعتها منهم الثورة الشعبية التي أطاحت زين العابدين. هنا، أيضاً، هي مسألة الوقت الفاصل عن موعد الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستحسم عودة رموز الديكتاتورية إلى الحكم.
لسورية وضع مختلف، لكنه، أيضاً، يصب في خانة البراءة، وخصوصاً أن إطاحة نظام بشار الأسد باتت خارج حسابات الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة، بل على العكس، فها هو الخلاف على ضرب النظام السوري، أو عدمه، يطيح وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، الذي كان من مؤيدي توسّع مهمة التحالف الدولي، لتطال قوات النظام السوري. لكن حسابات إدارة أوباما، ومفاوضاتها مع إيران، تحول، في هذا الوقت، دون ذلك، ولا سيما أن الإدارة لا تريد أي خطوة تعكّر مسار صفقتها. لذا، لا بد من تحييد الأسد وديكتاتوريته، وإغماض العين عن المجازر التي يرتكبها بحق شعبه. هو أيضاً داخل موسم البراءة، لكن من دون قضاء أو انتخابات، هي براءة بحكم ما يسمى "المجتمع الدولي" الذي يقيس إصداره الأحكام بمنطق المكاسب والخسائر.
كذلك، لليمن وليبيا نصيبهما من موسم البراءة. لكن، وفق معايير أخرى. فما تعيشه ليبيا من تقسيم معلن لا يقلق العالم، لا القريب ولا البعيد، والليبيون متروكون لمواجهة ما ستؤول إليه المعارك الداخلية، عندها قد يصدر حكم ما بحق المنتصر أو المهزوم. وفي اليمن، ها هو شكل آخر من الديكتاتورية المليشيوية يظهر ويسيطر، فيما الجميع مشغول بتأمين المنفى اللائق للرئيس السابق، علي عبد الله صالح.
براءة مبارك هي حلقة من مسلسل براءة الديكتاتورية الذي يريد إفراغ الثورات العربية من مضمونها، وتعميم الإحباط. مسلسل قد يكون نجح جزئياً، لكن حلقاته لا ينبغي أن تنتهي هنا، ولا بد من ارتدادات معاكسة، ولتكن مصر البداية.