يستقل الفنان الفلسطيني سليم البرديني سيارة أجرة يومياً من منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة حتى يصل إلى وسط المدينة، ليعزف في شوارعها ومرافقها العامة على "الشَبّابة"، فيتجمهر الناس حوله، وقد بدت على ملامحهم علامات الرضى والسرور.
آلة "الشَبّابة" من إحدى فصائل الناي، وهي قصبة جوفاء مصنوعة من البوص أو البلاستيك أو الألومنيوم أو الخيزران، في جوانبها ثقوب يُنفخ فيها، لتخرج صوتاً شجياً حزيناً، وتستخدم في المواويل الحزينة التي تتناسب وطبقة الصوت الخارج منها.
حَمَل الفنان البرديني آلة الشَبّابة للمرة الأولى في العاشرة من عمره، بعد أن صنعتها له والدته، وبدأت بتعليمه على فنونها وطريقة العزف عليها، فقد كانت والدته مولعة بالعزف على تلك الآلة البسيطة، والعميقة في ذات الوقت، خاصة أن صوتها الشجي يذكرها بالأراضي الفلسطينية المحتلة، والمدن العتيقة، موصية ابنها "البرديني" بعدم تركها، وتعليم العزف عليها لأولاده.
ويقول البرديني لـ"العربي الجديد": "صوت تلك الآلة شَدّني في ذلك الوقت، وأصبحت منجذباً للعزف عليها بشكل كبير، ولاحظ ذلك العازف سمير القروي، فقرر مساعدتي على تطوير قدرتي، حتى أصبحت بعد عامين متقناً للعزف عليها، وتستضيفني بعض المدارس للعزف في الاحتفالات". ويضيف: "في ذلك الوقت عملت في السلطة الوطنية الفلسطينية، وصرت أعزف في المهرجانات واحتفالات الشرطة، وأصبحت أعتبر الشَبّابة جزءاً لا يتجزأ من روحي، أحملها معي في كل الأماكن، وأعزف عليها حتى داخل المنزل".
الفنان البرديني بسيط الملامح، جميل الروح، يتنقل بخفة ورشاقة بين منتزهات قطاع غزة وشوارعها، أطلقت عليه الكثير من الألقاب، منها "عاشق البحر" لكثرة تواجده في البحر والميناء، كذلك "هادي" لأنه هادئ الطبع غالباً، إضافة الى لقب "الفنان". وعن ذلك يقول البرديني: "لي جمهور كبير من المعجبين الذين يلتقطون الصور معي في أي مكان أتواجد فيه، فأنا لا أهدف إلى الربح أو الغنى، وكل ما يشغل بالي هو أن أرى بسمة الناس، وأشعر بسعادتهم التي أفقدتهم إياها الظروف الصعبة التي حلت بهم نتيجة الحصار والحروب والفقر".
ويتابع: "تطلبني بعض العائلات للعزف في الاحتفالات والمناسبات، ويستضيفني الشباب للجلوس معهم والعزف في ليالي السَمَر"، موضحاً أن اهتمام المواطنين بسماع ذلك العزف الجميل يزداد في كل مرة، إذ تزداد الحلقة المحيطة به لحظة العزف في الأماكن العامة. ويقول البرديني: "أتمنى أن تعم ثقافة حب عزف الشَبّابة عند الجميع، فالكثير من الناس لا يعرفون تلك الآلة مثل معرفتهم بالأورك والقانون واليرغول وغيره من الآلات الموسيقية"، مبيناً أن صوت الشَبّابة هو الأقرب للتراث الفلسطيني الأصيل. واختتم البرديني حديثه بدعوة الشباب المبدع إلى الحفاظ على التراث الفلسطيني وكل مكوناته، وفي مقدمتها الأغاني التراثية والآلات الموسيقية القديمة، وقال: "أورثت مهنتي لابني الصغير محمود 18 عام، والذي أتقن العزف عليها، وأصبح مثلي مولعاً بصوتها".
اقرأ أيضاً:
"حكاية صورة" فلسطين من قبل النكبة إلى مأساة اليرموك