عانت مدينة الموصل في الشمال العراقي من مجاعة في عام 1917 أتت على أخضرها ويابسها، في حين أن حال المدينة الواقعة اليوم تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ووقف رواتب موظفيها منذ نحو عام، تجعل الواقع ينذر بمجاعة أخرى في ظل ميزانية خاوية وكساد تجاري.
أحد وجهاء المدينة يُدعى خالد الموصلي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الموصل اليوم تعيش حالة صعبة للغاية، خاصة مع انقطاع رواتب الموظفين، الذين ينشطون حركة البيع والشراء، خاصة المعلمين وموظفي دائرة التربية والتعليم، إذ بدأ كثيرون منهم ببيع حاجياتهم وأثاث منازلهم. وأصبح العرض كثيرا والطلب شبه معدوم، فاضطر بعض المعلمين إلى العمل كباعة للخضروات أو الفلافل أو المناديل الورقية"، ولفت إلى أن "داعش" أجبر من فتح منهم "بسطة" للبيع، بالانتقال إلى ساحات خصصها لأصحاب العربات، على أن يدفعوا مليون دينار سنوياً مقابلها ومقدماً، الأمر الذي أجبر كثيرين على ترك العمل لعدم امتلاكهم المليون.
وبيّن الموصلي أن "طعام سكان الموصل أصبح عبارة عن البطاطا والبصل إن وجد"، ناقلاً عن أستاذ جامعي في كلية الإمام الأعظم قوله إن كثيرا من الأساتذة يعملون في أي مهنة، حتى وإن كانت لا تليق بهم، كحمالين مثلاً، أو يجمعون القناني الفارغة.
وتابع أن حال القطاع الخاص ليس أفضل من القطاع الحكومي، فمحلات بيع الأدوات الكهربائية أصيبت بشلل تام بسبب انقطاع الكهرباء، وكذلك محلات بيع الهواتف النقالة، لأن "داعش" قطع الاتصالات وحطم شبكات الاتصال، كما توقفت أعمال البناء، فضلاً عن قطع الحكومة المركزية رواتب الرعاية الاجتماعية البالغة 150 ألف دينار، ورواتب العاطلين عن العمل والبالغة 100 ألف دينار والتي كانت تُمنح كل ثلاثة أشهر.
اقرأ أيضاً: العراق ينهي مجانية الصحة ويفرض رسوما على الجثث
وختم الموصلي أن واقع القطاع الصحي مبكٍ، فمع بداية سقوط الموصل وسيطرة "داعش" وعناصره يحصلون على ثلاثة أرباع دخل أقسام التوليد في المستشفيات، وقال: "وضع الموصل صعب للغاية"، وهذا اختصار لمعاناة أكثر من مليوني شخص من سكان المدينة.
من جهته، قال الصحافي زيادة السنجري: "بعد أحداث العاشر من يونيو/حزيران 2014 توقفت عمليات التنمية المتعثرة أصلا في الموصل، خاصة بعد سيطرة "داعش" على مرافق الدولة، وتوقف عمل 95 في المائة من دوائر الحكومة، وكذلك صرف الرواتب من الحكومة المركزية في بغداد"، لافتاً إلى اضطرار بعض الموظفين والمدرسين إلى العمل بعد نفاد مدخراتهم في مهن لا تليق بمكانتهم الاجتماعية، مثل الطواف في السوق لبيع حاجيات رخيصة توفر لهم ما قد يكفيهم لشراء الخبز والخضار، كما شغّل بعض المعلمين والأساتذة سياراتهم بالأجرة، وباع بعضهم أثاث منزله ليصرف على عياله.
وشكا المعلم عمر الطائي من تردي الوضع الاقتصادي، وألقى اللوم على الحكومة المركزية التي حجبت رواتب الموظفين منذ أكثر من عام، مؤكداً أن زملاء له في المهنة أصبحوا يعملون حمالين في الأسواق، كما لفت إلى أن المدارس شبه مغلقة، لأن الطلاب انقطعوا عنها، بعد أن باتوا مجبرين على دفع نحو 75 ألف دينار، أي نحو 60 دولارا لمن يرغب في مواصلة دراسته، إضافة إلى فرض "داعش" مناهجه بدل المناهج الحكومية.
وأضاف الطائي أن "أغلب سكان الموصل المحاصرين من قبل داعش يبحثون عن مخرج للتخلص من الأوضاع الصعبة"، داعياً الحكومة العراقية والمنظمات الخيرية والجهات ذات الصلة إلى أخذ دورهم في إنقاذ سكان مدينة الموصل والتخفيف من معاناتهم قبل أن تحل كارثة إنسانية بهذه المدينة.
اقرأ أيضاً: سراب المدارس العراقية