وأوضح المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه لأنه غير مخوّل بالحديث للإعلام، أن المغرب يرفض أية خطوة من شأنها إسقاط اتفاق الصخيرات السياسي، بخاصة في ظل التأييد الذي أبداه طرفا النزاع خلال اللقاءات والاتصالات التي جرت، أخيرا، مع الدبلوماسية المغربية، مشيرا إلى أن الرباط بذلت مجهودات، خلال الأسابيع الماضية مع الأشقاء الليبيين للتوصل إلى حل للأزمة، وهي مستعدة لبذل المزيد، ولاستضافة جميع الأطراف للتشاور والحوار في ما بينها، واقتراح ما تراه مناسبا لتجويد وإغناء الاتفاق.
وفيما يرى المسؤول المغربي أن الخروج من الأزمة لا يمكن تصوره من خلال الحل العسكري وفرض الأمر الواقع، وإنما من خلال حل سياسي شامل، تحت رعاية الأمم المتحدة، اعتبر رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج، في مجلس النواب، يوسف غربي، أن "الرباط قامت بدورها الإقليمي والعربي الذي يمليه عليها ضميرها، حين حاولت جمع الأطراف الليبية في الصخيرات على أرضية توافق موسع، وأن المسؤولية تقع على عاتق من له يد في ما يقع حاليا من اصطفافات ومحاولات لخلق أجواء الاحتقان".
وبرأي غربي، فإن مرجعية اتفاق الصخيرات لا تزال ذات صدقية رغم المحاولات العديدة لنزع البعد المرجعي عنها، إذ يعتبر الإطار الحقيقي والأنسب لحل الأزمة الليبية، معتبرا في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن محاولات إسقاط اتفاق الصخيرات لن تنجح، وأن الأطراف الليبية ستعود إليه، في النهاية، باعتباره أرضية لم تحاب طرفا على حساب طرف آخر، واتفاقا يضمن وحدة البلاد والاستقرار. وأضاف: "مهما حدث من خلافات قد تكون ذاتية أو مرتبطة بالجانب الإقليمي لا بد للفرقاء أن يعودوا للاتفاق لما يتضمنه من نضج سياسي كبير".
ويأتي ذلك، في وقت شهدت فيه الأسابيع الأخيرة عودة الدبلوماسية المغربية للعب دور الوساطة بين الأطراف الليبية المتصارعة، والتقريب بين وجهات نظرها، وهو ما تجلى في مباشرة وزير الخارجية، ناصر بوريطة، في فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين، مباحثات رسمية وأخرى عبر الهاتف، مع طرفي النزاع الرئيسيين في ليبيا، حكومة الوفاق ومعسكر الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
ويعتبر المغرب اتفاق الصخيرات، الذي وُقّع في 2015 بإشراف المبعوث الأممي إلى ليبيا حينها مارتن كوبلر لإنهاء الحرب الليبية، إنجازاً تاريخياً مهماً، يحسب لدبلوماسيته ولقدرته على المحافظة على قنوات تواصل فاعلة مع كل أطراف الصراع الليبي. وترى الرباط أنها "لا تزال مرجعاً مرناً بما يكفي لإدراك الوقائع الجديدة"، وأن "تكاثر المبادرات حول الأزمة يؤدي إلى تنافر بينها".
من جهته، وصف مدير مركز الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات في جامعة القاضي عياض بمراكش، إدريس لكريني، إعلان حفتر إسقاط اتفاق الصخيرات بـ"الخطوة غير المحسوبة التي لا تستقيم ولا تنسجم مع التحديات المطروحة اليوم ليس فقط على الداخل الليبي، وإنما على المستويين الإقليمي والدولي، جراء تداعيات فيروس كورونا، الذي بات يهدد الإنسانية بشكل عام، وأصبح يستأثر باهتمام صناع القرار الدولي".
واعتبر لكريني أن الخطوة فيها تنكر لأهم الاتفاقيات التي شهدت الأمم المتحدة بنفسها بنجاعتها وأهميتها كخريطة طريق لدعم الحل السياسي ولاسيما أنه كان قد خلق حالة من الارتياح في أوساط عدد من الفرقاء وداخل المجتمع الليبي، مسجلا أن إعلان اللواء المتقاعد "إسقاط اتفاق الصخيرات وما يعكسه من الاستعانة بقانون القوة، ستكون له تبعات سلبية على مسار الملف وعلى الداخل الليبي والمنطقة من خلال إمكانية دخول الأطراف المتنازعة داخل ليبيا في متاهة من العنف".
وأوضح أن اتفاق الصخيرات حظي بدعم الأمم المتحدة لأنه ينطلق من وحدة الجسم الليبي ويستحضر الفاعل الليبي في تدبير الملف، كما يركز على بناء المؤسسات ومسايرة الحل السياسي، مضيفا: "أكاد أجزم أن أهم مشروع قدم في سياق تسوية الملف الليبي هو اتفاق الصخيرات، وأن كل ما جاء بعده هو عبارة عن أجندات إقليمية ودولية باتت واضحة للعيان، ولعل ما جرى في مؤتمر برلين كان واضحا جدا، إذ لم يكن حضور بعض الأطراف بدافع الدفاع عن استقرار ليبيا وبناء المؤسسات بقدر ما كان يتعلق بمحاولة الحصول على جزء من الكعكة الليبية".
وعما إذا كان الإعلان عن إسقاط الاتفاق السياسي سينهي صلاحية اتفاق الصخيرات، قال لكريني: "ما أعلنه حفتر ليس بالأمر المقدس، وهو يخص فريقا واحدا وليس كل الفرقاء، ولا ننسى بأن هناك الأمم المتحدة ومبادرات إقليمية وتوازنات باتت اليوم واضحة في ليبيا، واستقطابات أحدثتها الصراعات غير الخفية بين أقطاب إقليمية ودولية، لكل ذلك يمكن القول بأنه من الصعب جدا الحديث عن انهيار اتفاق الصخيرات أو عن بروز أجندة واحدة أو فرض الأمر الواقع من قبل حفتر".
وتابع: "الأمر ليس بهذه البساطة، لكن الأمر قد تكون له تداعيات على مستوى تعقيد الملف أكثر، وهو ما يتطلب مجهودا أكبر من قبل الدول المغاربية أو الأمم المتحدة أو غيرها من الدول للتقليل من تداعيات هذا التوجه".
في السياق نفسه، أوضحت الباحثة في العلاقات الدولية، شريفة لموير، أن موقف الدبلوماسية المغربية بشأن الأزمة الليبية واضح ويتمثل في أن الحل ينبغي أن يكون ليبيا وبتعاون مع الدول المغاربية، وذلك في أفق بناء المغرب الكبير بعيدا عن الحسابات التكتيكية بين المحاور المتصارعة، مشيرة في حديثها مع "العربي الجديد"، إلى أن المغرب لم يفقد الأمل وما زال يراقب الوضع، وهو على استعداد للتدخل بكل ما يفرضه السعي للسلام وبناء ليبيا جديدة.