"الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة
مالين الشوادر يابا من الريف والبنادر
دول فلاحين، ودول صعايدة
دول من الكنال، ودول رشايدة
الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة
مالين الشوادر يابا من الريف والبنادر".
هكذا لخّص شاعر العاميّة المصري الراحل، صلاح جاهين، مشهداً افتتاحياً لليلة الختامية أو كما يسمّيها المصريون "الليلة الكبيرة" في المولد. والمقصود هنا مولد الإمام الحسين، وإن كانت الصورة والمشاهد تتكرر في ليالي الموالد الكبيرة الأخرى، كمولد السيّدة زينب والسيّد البدوي وإبراهيم الدسوقي وغيرهم من الذين يقول عنهم أهل مصر أولياء الله الصالحين والذين تنتشر المساجد والمقامات التي تُسمّى بأسمائهم في كثير من مدن البلاد.
قبل أيام، أحيا آلاف من المصريين الليلة الختامية لمولد الحسين بطقوس شعبية كثيرة حافظوا عليها، رغم تغيّر بعضها واختفاء بعض آخر خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بفعل عوامل مجتمعية وأمنية متعددة. فوفد الآلاف من قرى الدلتا، للاحتفال بالليلة الختامية. وهؤلاء "الفلاحون"، كما يُطلَق عليهم، ليسوا المزارعين فحسب، بل منهم الموظفون والجامعيون والمهنيون. وهم من صعيد مصر، ومن مدن منطقة قناة السويس أو "الكنال" كما في اللفظ الشعبي الشائع، ومن الوجه البحري في شمال الدلتا، رشيد، وكذلك من المدن الصغيرة أو البنادر.
بدأت الاحتفالات بعد صلاة العصر، وقد توزّع هؤلاء على سرادقات وخيام، "الشوادر" كما يسمّيها جاهين نقلاً عن اللهجة المصرية الشعبية الدارجة. كلّ شادر منها ميّزته راية بلون معيّن، تشير إلى واحدة من مجموعات الطرق الصوفيّة، لتمتدّ حلقات الذكر. تمايل ورقص صوفيّان لم تقطعهما سوى إقامة صلاتَي المغرب والعشاء. بعد ذلك، كانت الحلقة الختامية، الأوسع، ثم سهرة إنشاد غنائي صوفيّ، أحياها المنشد الأكثر شهرة في مصر اليوم، ياسين التهامي، امتدت إلى ما قبل موعد أذان الفجر بلحظات.