قدم موناكو موسماً تاريخياً بعد وصوله إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وتتويجه بلقب الدوري المحلي على حساب باريس سان جيرمان ونجومه، في مفاجأة مدوية لم يتوقعها أحد نظراً للفوارق الشاسعة بين الجانبين فنياً ومالياً.
وشهدت مباريات فريق الإمارة تألقاً لعدد كبير من الأسماء، كمبابي وليمار وبرناردو سيلفا وميندي، فابينيو والكولومبي فالكاو الذي استعاد بريقه من جديد، مع حضور جيد لباكايوكو ودرار وسيديبيه وبقية العناصر التي قادت المجموعة للمجد أخيراً.
سرعان ما تفاعلت إدارة موناكو مع النجاح، وقررت سريعاً الاستمرار على نفس الاتجاه السابق، ببيع أكبر قدر ممكن من النجوم، واستثمار هذا التألق في جني ملايين طائلة رغم شرائهم بمبالغ زهيدة، ليتم بيع برناردو سيلفا إلى مانشستر سيتي، باكايوكو لتشلسي، نبيل درار تجاه فينربتشه، غيرماين ذهب إلى مارسيليا، وأخيراً وليس آخراً بنجامين ميندي المنتقل إلى مانشستر سيتي، بصفقة قياسية جعلته أغلى مدافع في التاريخ.
كرة المال
تشبه حالة موناكو ما حدث في قصة "كرة المال، فن الفوز في لعبة غير عادلة" للكاتب مايكل لويس، والتي تحولت إلى أحد أشهر الأفلام الهوليوودية في السنوات الأخيرة من بطولة النجم براد بيت. وتدور قصة الفيلم حول المدرب "بيلي بين" التي تقوده الظروف لقيادة فريق أوكلاند أتليتيك للبيسبول في ولاية كاليفورنيا، الذي حقق بعض النتائج الجيدة قبل أن يتعرض لظروف صعبة، ويُجبر على بيع أفضل لاعبيه.
وخلال زيارة المدرب لإحدى الولايات، يلتقي بأحد المهتمين بمجال الاقتصاد والذي يحمل أفكاراً غريبة حول كيفية تقييم قيمة اللاعبين. وهكذا سيتعاون الثنائي لتطبيق قواعد إحصائية من خلال استخدام أرقام الكمبيوتر لاتخاذ قرارات بشأن اللاعبين الذين ينبغي التعاقد معهم، ومن هنا سيدخل المدرب في صراعات مع إدارة النادي والمستثمرين، لكنه يصر على رأيه حتى النهاية، وينجح في تكوين فريق بأقل التكاليف معتمداً على الموارد النادرة والإحصائيات الرقمية التي أصبحت لها اليد العليا في كل الرياضات خلال السنوات الأخيرة.
ونجح الفريق الفرنسي في صناعة نموذج مشابه، ربما لم يذهب إليه بسبب ضيق الأحوال المالية كالقصة الروائية، ولكن لرغبة الملاك في تقليل النفقات وتحويل المشروع إلى كيان استثماري يدر أرباحاً وبطولات في نفس الوقت، لذلك كان السر في لويس كامبوس كشاف اللاعبين، والمدير الرياضي الناجح أوروبياً في تسويق النجوم وجلب المواهب الصغيرة. وبعد رحيله إلى ليل، ظن بعضهم أن موناكو سيتأثر سلباً، لكن الإدارة نجحت سريعاً في تعيين الإسباني أنطونيو كوردون، ليسير على نفس الخطى ويُكمل عمل سلفه، بعقد صفقات بسيطة في سعرها لكنها كبيرة جداً في مفعولها، وقدرتها على تغطية العجز الناتج عن بيع أكثر من لاعب بالميركاتو الحالي. الجدير بالذكر أن المبالغ التي حصل عليها موناكو من بيع اللاعبين وصلت إلى 150 مليون جنيه إسترليني، بينما اشترى بمبلغ 50 مليون جنيه إسترليني.
الأظهرة
يركز ليوناردو غارديم في طريقة لعبه على استغلال الأطراف بطريقة مثالية، من خلال رهانه على خطة 4-4-2 الهجومية، ووضعه لثنائي مهاري من الأجنحة بالخط الجانبي على الورق فقط، لكنهما يتحولان دائماً لعمق الملعب من أجل الصناعة والتسديد، سيلفا يلعب كصانع لعب بينما ليمار أقرب للمهاجم الإضافي خلف مبابي وفالكاو، وبالتالي يمثل رحيل ميندي ضربة قوية لتكتيك المدرب البرتغالي، لأنه يعتمد عليه كلياً في الصعود من الدفاع إلى نصف ملعب الخصم، وشن الهجمات الخطيرة بالكرات العرضية والتمريرات الأرضية، لذلك جاء تعويضه سريعاً بأكثر من خيار.
جورجي ماركو دي أوليفييرا هو العنصر الأول لتعويض ميندي، الظهير البرازيلي القادم من فلامينغو بمبلغ 8.5 ملايين يورو، والبالغ من العمر 21 سنة فقط، ويلعب كظهير أيسر صريح دفاعاً وهجوماً. يمتاز اللاتيني بالقدرة على قطع الكرات مستخدماً براعته الشديدة في تنفيذ العرقلة الدفاعية المشروعة، وامتلاكه نسبة إحصائية تتخطى الثلاث محاولات في المباراة الواحدة، مع تمركزه المثالي من دون الكرة، بغلقه زوايا التمرير أمام حامل الكرة، وتغطيته خلف الجناح المتقدم، مع الوقوف على مقربة من الخصم لسد الفراغات على حافة منطقة الجزاء.
هجومياً، يملك هذا اللاعب كل ما يريد مدربه، لأنه سريع ومهاري ومراوغ جيد، بالإضافة لصعوده المستمر تجاه الثلث الأخير، وتخطيه المدافعين ولعب الكرات العرضية داخل منطقة الجزاء، مع ميزة التسديد من مسافات بعيدة. ويحتاج البرازيلي فقط للمشاركة أساسياً في عدة مباريات، حتى يكتسب الثقة ويستطيع تعويض رحيل الأساسي ميندي.
قوة الدفاع
إذا كان جورجي هو الحل الرئيسي على الجبهة اليسرى، فإن موناكو نجح أيضاً في إيجاد حل آخر، بالتعاقد مع المدافع الهولندي تيرينس كونغولو القادم من فينورد الهولندي، والذي يجيد التمركز كقلب دفاع صريح وظهير أيسر عند الحاجة، وبلغت قيمة الانتقال حوالى 15 مليون يورو فقط. ويُعرف عن هذا اللاعب قوته في التمرير من الخلف، والتعامل الجيد مع ضغط المهاجمين، وبالتالي يستطيع التألق في الدوري الفرنسي المعروف فنياً بالمهارة واللمسة الجمالية المطلوبة.
عانى دفاع موناكو كثيراً في الموسم الماضي، بسبب البطء الشديد بين قلبي الدفاع، ليطلب غارديم مدافعاً إضافياً يلعب بجوار البولندي كاميل غليك، وجاء الرد بالتعاقد مع كونغولو، حيث أنه يتفوق على زملائه في السرعة وخفة الحركة وقوة التمرير، مع صغر سنه واندفاعه البدني مقارنة بالآخرين، أي أنه سيكون الخيار الأول في خط دفاع موناكو خلال الموسم المقبل.
وبعد انتقال لاعب الارتكاز باكايوكو إلى تشلسي، نجح موناكو في تعويضه بارتكاز آخر أفضل منه على مستوى التمركز، إنه سواليهو ميتي، لاعب ليل المعار إلى زولت وارجم البلجيكي، ويعرف ميتي التصرف بالكرة في أضيق الفراغات، مع تمريراته الكاسرة للخطوط، وعودته إلى دفاعه لاستلام الكرة والصعود بها إلى نصف الملعب الآخر، ليكون أفضل ارتكاز مساند بجوار فابينيو، الأول مميز في التمرير، والآخر قوي بالافتكاك والقطع المباشر من الخلف إلى الأمام، وقدرت الصفقة بـ 6 ملايين يورو.
عامل الابتكار
برناردو سيلفا هو اللاعب المبتكر في موناكو، صحيح يقوم ليمار بدور تكتيكي مُبهر، بعودته إلى الوسط ومساندته لثنائي الارتكاز، مع صعوده إلى الصندوق لخلق الكثافة العددية بجوار فالكاو ومبابي، كذلك يتحرك بذكاء لملء الفراغات الشاغرة نتيجة صعود أو عودة زميله طلباً للكرة، لكن البرتغالي يضع بصمته من خلال المراوغة وهزيمة المدافعين، والاختراق الجريء من الطرف إلى العمق، أي أنه صانع لعب وجناح في نفس الوقت.
أمام غارديم عدة خيارات لتعويض بيع نجمه، أولها البلجيكي يوري تيليمانس، لاعب الوسط الصريح الذي تألق بشدة في طريقة لعب أندرخلت، 4-4-2 ومشتقاتها، فهو صانع اللعب المتحرك والمهاجم المتأخر، حينما يقرر مدربه الرهان على 4-4-1-1، كذلك هو لاعب الوسط المساند إذا تحولت الخطة إلى ثلاثي الارتكاز، لأنه يتمتع بمهارة فائقة في التعامل بالكرة، مع تمركز مثالي أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم والعكس. وثانيها جوردي مبولا ناشئ برشلونة السابق، الذي يمتاز بالسرعة والقوة، وأجاد اللعب كجناح مقلوب في بطولة دوري أبطال الناشئين بالموسم الماضي.
وتحوم بعض الشكوك حول قدرة هذا الثنائي على أداء دور سيلفا، نظراً لميلهما إلى اللعب المباشر القائم على الركض والاندفاع، لذلك هناك خيارات أخرى كعودة المعار من ليل روني لوبيز، ويتمتع هذا الشاب بالمهارة والرؤية اللازمة للتألق في المساحات القليلة. ألان سانت ماكسيمين أيضاً يبدو متاحاً بعد عودته من باستيا، ويجيد اللعب كجناح ولاعب وسط متقدم، وأظهرت المباريات الودية الأخيرة نية المدرب البرتغالي تجربة هذه الأسماء الشابة مكان برناردو.
يبقى فقط انتقال مبابي التاريخي إلى ريال مدريد وفق تكهنات الصحف الإسبانية، وفي حالة إتمام هذه الصفقة التاريخية، فإن موناكو سيفوز بمبالغ كبيرة يمكنه توظيفها بالشكل المثالي، وجلب لاعب أو اثنين عوضاً عن الجوهرة الفرنسية التي يصنفها المتابعون كأفضل لاعب في العالم تحت 20 عاماً.