تزامنت هذه الحادثة مع الأيام الأولى لمونديال 1994. تعاهد المراهقان أن يدرسا سويا تحضيرا لامتحاناتهما النهائية. حضّرا أكياس البطاطا "التشيبس" والعصائر. نزل المنتخبان الألماني والكوري الجنوبي إلى أرض الملعب، وبدأ عزف نشيدهما الوطني. مرّت الكاميرا على وجوه لاعبي الفريقين، وإذ فجأة صرخ مازن:
-هاي هيّي... تماما... تشبه حارس كوريا... كأنّها الحارس.
وطيلة المباراة لم يتوقّف صديقه المشاغب عن الضحك:
-هاهاهاها... حطّوا غول بحبيبتك... حبيبتك تلقت 3 أهداف... هاهاهاها... يلا ألمانيا اهزمي مازن.
وانتهت المباراة بفوز المنتخب الألماني. فسارع محمد نحو الشرفة ومازن يحاول منعه من الوصول إليها. فوقف محمد وصرخ:
-يا حارس كوريا، هههه... أنتِ يا بنت... خسّرناكي... 3 أهداف... ما شافن ما شافن... حارس كوريا ما شافن...
وقفت الفتاة متعجّبة من تصرّفات الصبي على الشرفة المقابلة. لم تفهم لما كان يشير إليها خلال احتفاليته "البلهاء" بفوز ألمانيا. ولم تتحمّل إشاراته إليها، المُغيظَة والمستفِزَّة. فبكت وركضت مسرعة إلى داخل بيتها. فيما حمل مازن حقيبة صديقه محمد وقذفها من الطبقة الخامسة. وصرخ:
-زعّلتها يا غبي... زعلت... ما ذنبها... هي لا تعرف الشبه أساسا.
صباح اليوم التالي قرّر مازن أن يراضي خاطر حبيبته الصغيرة. فاشترى لها وروداً بيضاء وحمراء خلال عودته من المدرسة. وقف ينتظر باص الطلاب الذي ينقلها يوميا إلى الحيّ. وحين نزلت الفتاة أخرج من خلف ظهرة باقة الورد ملفوفة بعلم كوريا.
كانت تلك المرّة الأولى التي يتحدّث إليها. بالعرق المتصبّب واللعثمة الطفولية قال لها:
-ولا يهمّك منه، ما بقى تبكي، حتّى لو الفريق صغير، منربح. إنتِ ما تبكي...
لم تفهم الفتاة تماما قصد مازن، الذي تركها مع باقة الورد والعلم الكوري وابتعد.
نظرت إلى العلم الكوري باستغراب شديد وجديد. فهي لم تعرف أنّها "حارس مرمى كوريا الجنوبية ". وبعد فترة وجيزة قابلت عشرات القهقهات في الحيّ من "الدكّنجي" و"الناطور" وبائع الخضر. لأنّ محمد المشاغب فعل فعلته ونشر خبر الحادثة في أرجاء الحيّ: "فاتن هي حارسة مرمى كوريا". وأدرك الجميع وجه الشبه. وهي كانت أسرع فرد بين أفراد عائلتها في توضيب عفش المنزل، بعد سنة، حين قرّروا الانتقال إلى منزل بعيد.
كانت ردّة فعلها أسرع من حارس مرمى كوريا نفسه.