خلال السنوات الأربع الماضية، انتشرت في اليمن محطّات تحلية المياه، علماً أنها لا تتطابق مع المواصفات المطلوبة، وسط استياء ومخاوف مجتمعية متنامية بسبب عدم خضوعها للرقابة.
يقول المواطن محمود القدسي، وهو أحد سكان صنعاء، إنّه قرر عدم شراء أنواع جديدة من المياه المعدنية التي انتشرت أخيراً، بعدما فوجئ بوجود شوائب داخل قنينة المياه، على الرغم من أنها مُغلقة بشكل مُحكم. يضيف القدسي لـ"العربي الجديد"، أن الانتشار الكبير للمياه المعدنية الجديدة يُثير قلق المستهلكين، لا سيما في ظلّ غياب السلطات الرقابية في الدولة منذ بدء الحرب قبل أربع سنوات. ويشير إلى أن المياه المعدنية الجديدة "تلاقي رواجاً بين المواطنين لأن أسعارها منخفضة قليلاً. كما أن بعض المحطات تُعيد استخدام عبوات المياه الفارغة أكثر من مرة".
من جهته، يؤكّد المواطن خالد الوصابي أن محطات مياه التحلية المنتشرة في أنحاء البلاد تغش المواطنين وتبيعهم مياهاً ملوثة بعلم السلطات الرقابية. يضيف لـ"العربي الجديد": "يقتصر دور محطات التحلية الصغيرة على معالجة المياه جزئياً، وبيعها بأسعار زهيدة لجميع المواطنين، لكنها في الوقت الحالي تشتري قوارير بلاستيكية صغيرة وتضع عليها شعارات خاصة، ثم تبيعها للمواطنين على أساس أنها من إنتاج أحد المصانع ومطابقة لمواصفات ومقاييس الجودة". ويشير إلى أن السلطات الرقابية تتغاضى عن تلك المحطات، بعد أخذ مبالغ مالية شهرية منها. ويوضح أن مياه تلك المحطات "ملوثة وغير صالحة للشرب في كثير من الأحيان، كما أن أسعارها مُقاربة لمصانع المياه الكبيرة والمُجهّزة". وينصح الوصابي المواطنين بعدم شراء تلك المياه لأنها غير خاضعة للرقابة إطلاقاً، مطالباً الحكومة اليمنية بسرعة إغلاق المحطات المخالفة للجودة والمعايير للحدّ من انتشار الأمراض.
وعلى الرغم من الانتشار الكبير لأنواع مختلفة من المياه المعدنية خلال السنوات الأربع الماضية في اليمن، تعد أسعارها مُرتفعة إلى حد كبير. وفي السياق، يقول مفيد عبد السلام، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في صنعاء، إنّه يتم الترويج حالياً لأكثر من مائة نوع جديد من المياه المعدنية، ويُقبل عليها المواطنون بكثرة. يضيف لـ"العربي الجديد"، أن معظم المياه المعدنية الجديدة تحمل شعارات مُشابهة للشركات المعروفة والرائدة. ويشدد عبد السلام على أهمية وضع آلية للرقابة على تلك المعامل، من خلال شن حملات تفتيش مستمرة، للتأكد من التزامها بمعايير المواصفات والمقاييس والجودة، والحفاظ على صحة المستهلكين وسلامتهم. كذلك يشير إلى ارتفاع أسعار المياه المعدنية على الرغم من الانتشار الكبير للعديد من الأنواع، لا سيما في فصل الصيف، تزامناً مع زيادة الطلب. ويصل سعر قارورة المياه (حجم لتر ونصف اللتر)، إلى 230 ريالاً يمنياً (نحو 0.92 دولار)، علماً أن سعر اللتر الواحد يقدر بـ 150 ريالاً يمنياً (نحو 0.6 دولار).
إلى ذلك، يقول محمود الضبيبي، الذي يعمل في إحدى محطات تنقية المياه، إن كل المحطات الموجودة في صنعاء "خاضعة لرقابة الدولة، وتدفع الضرائب بشكل دوري، كما أن هناك لجاناً تعمل بين الحين والآخر على تفتيش المحطات". يضيف الضبيبي: "توجد محطات غير قانونية لا تُراعي الجودة في التحلية، وعلى السلطات الرقابية اتخاذ الإجراءات المناسبة".
وعن أسباب ارتفاع أسعار المياه المعدنية التي ظهرت أخيراً، يوضح الضبيبي لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "أسعار قوارير البلاستيك والشعارات ارتفعت أخيراً إلى أكثر من الضعف، إضافة إلى مصاريف النقل ورواتب العاملين التي ازدادت بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد"، داعياً السلطات الرقابية إلى إغلاق كل المحطات التي لا تلتزم بمعايير الجودة.
وتبيع محطات التحلية المياه على أنها من الدرجة الأولى ومطابقة للمواصفات، لكنّها في الحقيقة مغشوشة ومقلّدة.
إلى ذلك، يقول رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، فضل منصور: "العاصمة صنعاء شهدت انتشاراً كبيراً لمحطات المياه التي تُعالج المياه جزئياً، علماً أن الحكومة أصدرت في وقت سابق قراراً يقضي بنقل كافة المحطات إلى خارج العاصمة، للحد من استنزاف حوض صنعاء المهدد بالجفاف". يضيف لـ"العربي الجديد": "معظم عبوات المياه المعدنية الصغيرة (0.75 لتر) مغشوشة ومقلدة، وتعبأ في محطات عادية وغير مُعالجة كلياً، وتُباع على أنها مُطابقة للجودة".
كذلك يشير منصور إلى أن "انعدام الرقابة من الدولة أدى إلى انتشار محطات لا تملك القدرة الفنية اللازمة لمعالجة المياه بطريقة صحيحة وكاملة، وتتم فلترة الشوائب فقط". ويؤكد أن جمعية حماية المستهلك سعت خلال العامين الماضيين إلى فحص عينات من مياه الآبار في ست مديريات في العاصمة صنعاء، وأظهرت النتائج تلوث نحو 71 في المائة منها. كما فحصت عينات من مياه المحطات المعالجة جزئياً وكانت النتيجة سلبية.
ويلفت إلى أنّ الجمعية درّبت 80 فنياً من العاملين في محطات المياه، حول كيفية المعالجة والتعقيم وغيرها للحدّ من انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، وتشديد الرقابة على المحطات وإتلاف العبوات التي أصبحت غير صالحة للاستخدام والملوثة. وبحسب خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019، التي أعدتها الأمم المتحدة، فإن إجمالي عدد المواطنين الذين يحتاجون مياهاً صالحة للشرب ومشاريع الصرف الصحي والنظافة الصحية بلغ 17.8 مليون شخص في كل أنحاء البلاد، بكلفة تصل إلى 285 مليون دولار.