يتضح يوماً بعد آخر أن الحكومة الإسرائيلية لا تقيم وزناً للاعتراضات الدولية، بل إنها لا ترى ضرراً في تجاهل التنديدات والمطالب الأميركية. فقد أثيرت ضجة داخلية وعالمية بعد إقرار الحكومة الإسرائيلية، يوم الأحد الماضي، مصادرة أربعة آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية، وتصنيفها كأراضي دولة تمهيداً للبناء الاستيطاني عليها، ومع ذلك يستمر القرار.
ويتفق المراقبون في إسرائيل على أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سعى من وراء هذه الخطوة، التي كانت أقرت قبل عدوان "الجرف الصامد" على غزة، إلى تعزيز مكانته داخل الائتلاف الحكومي واستمالة زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، باعتباره زعيم الحزب الذي يمثل تيار "الاستيطان الديني".
حقق نتنياهو ذلك، إذ سارع بينيت إلى التهليل للقرار، واعتباره الرد الحقيقي على "الإرهاب العربي". وكان بينيت، قبل صدور القرار من أشد المعارضين لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وأشد منتقدي نتنياهو، في سياق استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
ومن شأن استمالة بنينت، حالياً، أن تخفف من حدة العزلة التي يعاني منها نتنياهو، ومن احتمالات اهتزاز الائتلاف الحكومي الحالي.
وفي المعادلات الشعبية والحكومية، يتفوق تأثير بينيت وجمهور مصوتيه في اليمين، بشكل كبير، على التأثير المتوخى لأنصار وزيرة العدل تسيبي ليفني، أو حزب وزير المالية يئير لبيد، الذي اعتبر القرار بأنه "غير قانوني، ويضع مزيداً من العراقيل أمام إطلاق العملية السياسية، بل يزيد من حرج موقف إسرائيل".
ويشكل القرار المذكور، في واقع الحال رسالة واضحة من نتنياهو، لليمين الإسرائيلي وتحديداً اليمين المتدين الذي يمثله بينيت. ويوجه رسالة أيضاً مفادها أن خير من يخدم مصالح الحركة الاستيطانية في الأراضي المحتلة هو نتنياهو، ولا يجوز في المرحلة الحالية الرهان على منافس آخر.
وتثبت التجربة السياسية لأحزاب اليمين الديني في إسرائيل، الراعية للاستيطان ولحركة "غوش إيمونيم"، أن من مصلحة هذه الأحزاب أن تبقى مساندة للحكومة اليمينية وعدم المجازفة بإسقاطها أو هز استقرارها، خوفاً من بديل يساري كما حدث في العام 1992، عندما أدى انسحاب أحزاب اليمين المتدينة إلى إسقاط حكومة "الليكود" ونجاح رئيس الوزراء عن حزب العمل إسحاق رابين.
ويمنح قرار المصادرة الأخير، نتنياهو، هدنة مع أحزاب اليمين المتطرف، كما أنه يفرغ مزايدات وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، من مضمونها. فالقرار يلبي عملياً، وتحت ذريعة الرد على "عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم"، مطالب الحركة الاستيطانية بمزيد من الأراضي للاستيطان والبناء عليها. لكن ما يجب الالتفات إليه في هذا السياق أن قرار نتنياهو ليس ناتجاً، كما يصوره البعض، عن ضعف أو رضوخ لحزب "البيت اليهودي" والتيارات المتطرفة داخل "الليكود"، وإنما من القناعات السياسية العقائدية التي يحملها "بيبي" نفسه. فقناعات نتنياهو تقول إن "فلسطين هي أرض الآباء والأجداد ومن حق اليهود الاستيطان فيها في كل مكان وزمان".
لكن رئيس الوزراء يولي نوعاً من الاهتمام بالأوضاع الدولية والردود المتوقعة، وما دامت هذه الردود لا تتعدى الإدانة المعهودة والمألوفة، فلا بأس من صدورها حتى لو جاءت من البيت الأبيض. وما ينطبق برأي نتنياهو على التنديدات والاستنكارات العربية والدولية، وحتى الأميركية، ينطبق أيضاً على تصريحات أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلية وخصوصاً تلك المشاركة في الحكومة.
وتنديدات اليسار الإسرائيلي، لا تتعدى في نهاية المطاف، كونها تسجيل موقف أمام الناخب الإسرائيلي، بدليل أن أحد أسباب اعتراضات ليفني على القرار، أنه جعل، حسب رأيها، منطقة غوش عتصيون المصادرة، ذات شرعية غير أكيدة.