في خطوة لافتة، بعد تراجع دوره في السياسة الداخلية الإيرانية خلال السنوات الماضية، بعد خلافات بينه وبين صناع القرار في البلاد، تشير الأنباء إلى أن الرئيس الإيراني السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد بصدد لعب دور هام في السياسة الخارجية، حيث كشفت وسائل إعلام إيرانية عن توجهه للوساطة بين السعودية و"الحوثيين" في اليمن، بغية حل الأزمة اليمنية، ليوجه رسائل في هذا السياق إلى كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وزعيم جماعة "الحوثيين" عبد المالك الحوثي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
ونقل موقع "رويداد 24" الإيراني، اليوم الأربعاء، عن "مصدر مطلع" قوله إن أحمدي نجاد دخل في "حوار مع قادة الطرفين المتقاتلين والأمم المتحدة للتوسط بشأن الحرب اليمنية"، مؤكدا أنه يعتزم تشكيل وفد وساطة مكون من شخصيات دولية في وقت قريب، من دون تحديد أسمائها.
وأضاف المصدر أن نجاد سيوضح قريبا تفاصيل مشروعه هذا، قائلا، في معرض رده على سؤال عما إذا تلقى نجاد ردا من السعودية، إن "العملية بدأت، وفي المرحلة الأولى تم توجيه رسائل، وفي المرحلة اللاحقة تتم المتابعات وتشكيل الوفد".
كما قال أحد مقربي أحمدي نجاد لموقع "ذا إندبندنت" الفارسي، لم يكشف عن هويته، إن الرئيس الإيراني السابق لديه "خطة شاملة" لإنهاء الحرب اليمنية، مشيرا إلى أنه سينشر الرسائل الثلاث التي وجهها لبن سلمان وغوتيريس والحوثي يوم الجمعة المقبل.
وتبدأ مقترحات نجاد لحل الأزمة اليمنية بإعلان وقف إطلاق النار فورا، حيث قال المقرب منه إن استمرار هذه الأزمة "يضر بجميع الأطراف ويجب أن تحل"، مؤكدا على "وجود إرادة لحلها"، ومشيرا إلى أن الرئيس الإيراني السابق مستعد لبذل قصارى جهده في هذا الصدد.
وفي السياق، قال المصدر إن نجاد "مستعد لإجراء زيارة للسعودية قريبا، وهو يريد أن يلتقي بالمسؤولين السعوديين وزعيم الحوثيين"، من دون أن يكشف عما إذا تلقى ضوءا أخضر من الرياض للموافقة على الزيارة.
ويهدف نجاد إلى إصلاح العلاقات الإيرانية السعودية المتأزمة عبر بوابة الأزمة اليمنية، إذ قال المصدر إنه يقصد تحسين هذه العلاقات، معتبرا أن "الرئيس أحمدي نجاد لديه قناعة استراتيجية بضرورة الانسجام والتعاون بين إيران والسعودية"، ومؤكدا أن "العلاقات السيئة مع السعودية تضر بإيران".
نقل عن نجاد انتقاده لحكومة الرئيس حسن روحاني، متهما إياه بعدم بذل مساع "لإصلاح العلاقات مع الحكومة السعودية، بل هي علقت آمالها على دول أوروبية خيبت آمالها"
وتأكيدا على الأهمية التي يوليها نجاد للعلاقات مع السعودية، قال المسؤول المقرب منه إنه عندما تعرضت السفارة السعودية في طهران، خلال يناير/ كانون الثاني 2016، لهجمات من المحافظين المتشددين في إيران، دعا الرئيس الإيراني السابق المقربين منه إلى عدم دعم هذه الخطوة، ناقلا عنه قوله إن ما حدث "مصيدة ونحن لا ينبغي أن نتجه نحو تخريب العلاقة مع السعودية".
كما نقل عن نجاد انتقاده لحكومة الرئيس حسن روحاني، متهما إياه بعدم بذل مساع "لإصلاح العلاقات مع الحكومة السعودية، بل هي علقت آمالها على دول أوروبية خيبت آمالها".
ولم يرصد "العربي الجديد" حتى الآن أي تعليق من الرئيس الإيراني السابق على هذه التقارير وما ينقل عنه، أو من جهات رسمية إيرانية، لكن خطوته المحتملة للتوسط لإنهاء الحرب اليمنية تثير تساؤلات عدة، لعل أولها أن هذه الخطوة هل هي مبادرة فردية أو مدفوعة من صناع القرار الإيراني؟ وأنها في حال كانت فردية، فأول خطوات هذه الوساطة تبدأ من طهران، وهي مخاطبة السلطات وكسب موافقتها على المشروع وتفاصيله، ومن ثم التحرك باتجاه بقية الأطراف، لكون إيران حليفا للحوثيين.
وليس واضحا بعد إن كان نجاد قد حصل على ضوء أخضر من رأس هرم السلطة في إيران، أي المرشد الأعلى علي خامنئي، قبل إطلاق هذا الجهد أم لا؟ كما لو كانت هذه الوساطة منسقة مع هذه الجهة، فالتساؤل الأبزر هو عن دوافع إيران ودلالات الأمر في هذا التوقيت، وسط حديث إيراني مكرر خلال الفترة الأخيرة عن الاستعداد للحوار مع السعودية، لإنهاء الخلافات.
يشار إلى أن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد سياسي محافظ، ترأس الحكومة الإيرانية من 2005 حتى 2013، وله أفكار وتوجهات تخصه، تختلف عن التيار المحافظ في إيران، وهو ما جعل أقطاب المحافظين يطلقون تسمية "التيار المنحرف" على تيار نجاد من جهة، وتسبب ذلك بنشوء خلافات حادة بينه وبين المحافظين من جهة ثانية، تعود جذورها إلى السنوات الأخيرة من ولايته الثانية.
وحصلت أيضا خلافات بينه وبين المرشد الإيراني خلال هذه السنوات، على خلفية الموقف من عزل نجاد وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك، حيدر مصلحي، بعد معارضة المرشد للقرار والتزام نجاد البيت لعشرة أيام احتجاجا على رفض قرار العزل.
وعليه، تضاءلت فرص أحمدي نجاد في السياسة الداخلية الإيرانية، ورفض مجلس صيانة الدستور الإيراني عام 2017 أهليته للترشح للانتخابات الرئاسية، التي فاز فيها روحاني لولاية ثانية. كما تمت محاكمة وسجن المقربين منه، أمثال حميد بقائي وإسفنديار رحيم مشائي، الذي تأثر نجاد كثيرا بأفكاره. وخلال السنوات الأخيرة، انتقد نجاد طريقة إدارة البلاد في رسائل متعددة.
وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة في إيران، التي أجريت في 21 فبراير/ شباط الماضي، تمكن عدد من مدراء ووزراء حكومتي نجاد السابقتين من الدخول إلى البرلمان الإيراني. وتقول تقارير إعلامية إن عدد النواب المحسوبين على خطه يصل إلى الخمسين من أصل الـ290 نائبا.
كما أن خطوة نجاد للتوسط بشأن الأزمة اليمنية، قد يكون الهدف منها أيضا هو عودة قوية إلى السياسة الداخلية، من البوابة اليمنية، وخصوصا أن ثمة أنباء تشير إلى احتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية الإيرانية في مايو/أيار 2021.