يختلف الوسط الفني السوري عن غيره بأنه لا يحتوي ماكينة تسويق يمكنها أن تصنع من الممثل نجماً بمجرد ظهوره على الشاشة بدور واحد، أو من المقدم التلفزيوني مشهوراً طالما لا يزال يعمل تحت قبة منظومة إعلامية فاسدة لا تنصف الموهوبين. وبذلك لا بدّ من البحث عن طرق أخرى للشهرة، وهي التجريب في حقول الفن للوصول إلى مكان ثابت للعمل، وذلك في ظلّ انسداد الفرص الأخرى التي تسمح بصناعة نزيهة للنجوم.
وهذا ليس بخطأ حين يقترن مع خبرة في الفن وإثبات الذات في مكان واحد. وفي هذا السياق مثلاً، اتجه بعض نجوم التمثيل العرب إلى التقديم التلفزيوني بعد سنوات من شهرتهم، فلم يخطف الظهور التلفزيوني كمقدمين من حضورهم كنجوم تمثيل في ذهن المشاهدين، كالممثلة الأردنية فرح بسيسو، التي اتجهت من التمثيل لتقديم برنامج "كلام نواعم" بعدما أثبتت ذاتها في الدراما السورية، لا سيما في دور "الجليلة" ضمن مسلسل "الزير سالم". أو أن يكون الفنان حامل مواهب متعددة منذ بداية مشواره الفني، فيشكّل ظاهرة يصعب تكرارها، مثل الفنان المصري تامر حسني، الذي عرفناه كاتباً لأفلامه ولكلمات أغنياته وملحناً، فضلاً عن كونه ممثلاً ومغنياً، وأخيراً مخرجاً لفيديو كليب أغنيته "اختراع".
لكن الوضع في داخل سورية مختلف مع موجة من الأسماء الفنية التي تحاول البحث عن هوية للعمل، متنقلة حسب المتاح بين مجال وآخر، في خطوات متعثرة دون إثبات الذات في مجال بعينه، وهذا ما شكلّ تداخلاً ضبابياً بات يؤثر على حركة الإنتاج بالعموم، وبالتالي على مفهوم صناعة النجومية.
تجارب متعثرة
إحدى المتعثّرات كانت النجمة أمل عرفة، التي كان أبرز إخفاقاتها تغريدها خارج التمثيل في السنوات الأخيرة، بعدما أصرّت على خوض الغمار في نص مسلسل كوميدي ألفته بنفسها، وحمل اسم "سايكو"، ومني العملُ بفشل كبير. ثم اتجهت لتقديم برنامج "فيه أمل" على قناة "لنا" الموالية للنظام، وكانت النتيجة فشلاً مريراً للتجربة، مع أنها ليست الأولى في مسيرة أمل عرفة المهنية، علماً أن عرفة ممثلة لها أدوار مترسّخة في ذاكرة السوريين، وهي سبق أن أثبتت موهبة واضحة في مجال التمثيل، ولكنها لم تنجح في مجال كتابة السيناريو.
الفنان السوري كفاح الخوص بدوره وجد أن التمثيل لم يعد يقدم له الشهرة بعد سنوات من العمل، فأقنع شركة "الأصايل" بأن يطرح مشروع مسلسل يكتبه ويخرجه بنفسه ويحمل اسم "بين حب وحب". ورغم الأسماء البارزة التي تضمها حلقات العمل المنفصلة، إلا أن غياب الحرفة الدرامية في الكتابة للتلفزيون لدى كفاح، وغياب الرؤى الإخراجية معها، أضعف من سوية العمل، وعاد بالأذى على المسلسل بأكمله الذي أخفق في صناعة حالة جماهيرية منذ بداية عرضه.
الفنانة الشابة لوتس مسعود هي بدورها لم تستطع إلى الآن إيجاد بطاقة تعريفية لوجودها في الوسط الفني، رغم الشهرة التي حظيت بها بناء على اسم والدها الفنان غسان مسعود، فتنقلت خلال ثلاث سنوات بين التأليف والإخراج والتقديم التلفزيوني. ويشاطرها التجربة شقيقها السدير، الذي قدم نفسه كمخرج أفلام قصيرة، قبل أن ينتقل للحضور كممثل في موسم رمضان الفائت ضمن مسلسل "مقابلة مع السيد آدم"، وذلك بدون إظهار أي فردانية في الأداء حتّى الآن.
إخفاقات جدية
التجارب المتعثرة مستمرة، ووصلت لأسماء أبرز في العمل الفني، كالمخرج محمد عبد العزيز، الذي فشل بأوّل مسلسل تلفزيوني يكتبه "شارع شيكاغو"، في الوصول إلى الجمهور المحلي، لأنَّ العمل امتلأ بالرمزية والرؤية السينمائية العميقة، وكان مفتقداً للبنية الدرامية التلفزيونية السلسة والحبك المتين للمشاهد والنوعية الخاصة للحوارات.
وحال عبد العزيز لا يختلف كثيراً عن رؤية الممثل السوري إياد أبوالشامات، الذي انتقل بعد سنوات من التمثيل إلى الكتابة، فشارك الفنان رامي حنا صناعة مسلسل "غداً نلتقي"، وانتقل بعدها لدراما "الفورمات"، فكتب نصي مسلسل "تانغو" و"عهد الدم". وبعد فشل الأخير في صناعة حالة جماهيرية وخطف اهتمام الجمهور، يستعد الشامات للمغامرة في نص عمل جديد يحمل اسم "من الآخر"، من بطولة الفنان السوري معتصم النهار، ليضع نفسه أمام الجمهور في استمرار مشروعه ككاتب درامي، أو العودة لمهنته الأساسية كممثل.
الحالة بالمقابل ليست بجديدة، فنظراً لغياب الأسماء البارزة في الإعلام السوري يستعين التلفزيون الرسمي سنوياً بمجموعة من الممثلين لتقديم البرامج، خاصة في موسم رمضان والأعياد، لكن الوضع يختلف من الحضور تلفزيونياً بشكل مؤقت، وبين تصدير الفنان نفسه كمقدم برامج. وهذا ما يبدو أنه جذب فنانين مثل باسم ياخور ووائل شرف لطرح أنفسهم كـ"يوتيوبرز" ضمن محتوى خاص بـ"اليوتيوب" يجمع بين شهرتهم وحضورهم كمقدمين، على الأخص بعد تجربة باسم ياخور المثيرة للإشكاليات في برنامج "أكلناها".
فهل يكسب الفنان السوري حين يجرّب مجالاً فنياً آخر، علّ الحظ يحالفه، أو سيخسر صورته أمام الجمهور كصاحب مشروع فني واضح ومستقل. أليس البقاء في حقل واحد، مضمون النجاح، أفضل من القفز في فخّ المجهول؟ أم أنّ هذا الكلام هو ضد التجديد؟