مع حلول ذكرى رحيل نجيب محفوظ (1911 - 2006)، التي تصادف اليوم، تُبادر المؤسّسات الرسمية والأهلية ووسائل الإعلام للاحتفاء بالروائي المصري كلّ عام ضمن أفكار مقولبة وجاهزة، تعكسها عناوين الفعاليات التي لا تضيف جديداً.
ليس هناك من يفكّر في إعادة إصدار رواياته التي لم تعد تُطبَع لأسباب تتعلّق باحتكار نشرها لدى جهة واحدة بعينها؛ مثل "دنيا الله" و"ليالي ألف ليلة" و"همس الجنون"، أو يجري تغيير عناوينها كما حصل مع رواية "عبث الأقدار". ولا تزال وزارة الثقافة المصرية تتذرّع بطلب الناشر مبلغاً كبيراً مقابل إنهاء احتكاره.
الوضع ذاته ينطبق على جائزة "نجيب محفوظ" التي أوقفها "المجلس الأعلى للثقافة" لثمانية عشر عاماً قبل أن يُعلِن هذا العام عن عودتها، بينما تنتظم جائزة أخرى باسمه أيضاً تمنحها "الجامعة الأميركية" في القاهرة سنوياً، ويلتزم القائمون عليها بترجمة العمل الفائز للإنكليزية.
أمّا احتفالية هذا العام، والتي وُصفت بـ "الكبرى"، فلا تتضمّن سوى محاضرة بعنوان "مصر القديمة في أدب نجيب محفوظ" يلقيها الكاتب محمد سلماوي. فما الذي يُنتظَر أن يقدّمه المحاضر في هذا السياق أكثر مما جرى تداوله سابقاً في الصحف والدراسات، أو ممّا قاله صاحب "أولاد حارتنا" في جلساته التي أعيد تكرارها في المؤلّفات العديدة التي وضعها جلساؤه؟
المفارقة الثانية أن الفعالية ستقام في "المتحف المصري" وتشتمل على جول تعريفية بمقتنياته، وتُلقي الضوء على الأدب في مصر القديمة، بينما يتغافل المنظّمون عن أن المتحف الذي يُفتَرض أن يحمل اسم الراحل لا يزال مشروعاً معلّقّاً منذ عام 2006.
الاهتمام الرسمي بصاحب "السراب" (1948) لم يخرج عن إطار الاحتفالات الموسمية، ما ينطبق على غيره من رموز الثقافة المصرية، إذ صدرت قرارات بتحويل بيوت كتّاب وفنّانين إلى متاحف باعتبارها جزءاً من التراث المصري، إلاّ أن أغلب ذلك لم يتحقّق، كما هو الحال مع منزل الشاعر أحمد رامي في حدائق القبة، ومنزل بيرم التونسي في الإسكندرية، ومنزل هدى شعراوي في المنيا.
من جهتها، أعلنت إذاعة "صوت العرب" عن احتفاليتها الخاصة التي ترّكز على الشباب وأدب نجيب محفوظ عبر استضافة عدد من الصحافيّين والكتّاب في أحاديث عابرة على الهواء، من دون يفكَّر في إنتاج برنامج خاص يتطلّب بحثاً معمّقاً ويُقدّم جديداً.. هكذا، وقف التعامل مع صاحب "جائزة نوبل للآداب" (1988) في إطار تجميل عيوب الثقافة وتدّهورها الدائم.