ليس مستغرباً مقدار الخشية التي رافقت مليوني سوري لاجئ في تركيا على إثر عجز حزب "العدالة والتنمية" عن تحقيق نتيجة تتيح له على الأقل مواصلة الحكم منفرداً في السلطة التنفيذية. فحزب رجب طيب أردوغان ترجم مواقفه اللفظية من الثورة السورية، إلى سلوك عملي حيال كتلة بشرية هائلة وجدت في تركيا أفضل مكان على الإطلاق للجوء مقارنة مع باقي دول الجوار، من لبنان إلى الأردن فالعراق. كذلك الحال بالنسبة لعدد من السياسيين المصريين المعارضين للانقلاب، والليبيين الهاربين من الحرب الأهلية، من المقيمين في المدن التركية في ظروف أمنية وحياتية مقبولة بصفة "ضيوف" مرحب بهم. ولأن السياسة الخارجية هي إحدى الاختصاصات الأهم للسلطة التنفيذية، فإنّ مشاركة حزب تركي آخر مع "العدالة والتنمية" في السلطة التنفيذية، أي الحكومة، من شأنه على الأقل أن يخفف من منسوب الحماسة التركية إزاء الثورات العربية أو ما تبقى منها، ومن درجة هجومية أنقرة إزاء الاحتلال الإسرائيلي ودعم المقاومة واللاجئين الفلسطينيين بما أمكن سياسياً واقتصادياً وإنسانياً وفي المحافل الدولية.
لكن تغييراً كاملاً في السياسة الخارجية، بحسب جميع السيناريوهات، يبدو مستحيلاً، بما أن السنوات الـ13 الماضية أرست مبادئ دبلوماسية جديدة أتت بفوائد كبيرة، سياسية واقتصادية على تركيا، بات معها مستحيلاً التراجع عنها بشكل جذري. المعجزة التي قد تقلب السياسة الخارجية رأساً على عقب، وتعيدها إلى ما قبل 2002، تكون في حال تمكّنت أحزاب المعارضة من تشكيل حكومة من دون العدالة والتنمية، وهذا نظرياً وحسابياً ممكن، لكنه على أرض الواقع يعتبر مستحيلا بالكامل، أولاً لتناقض أجندات الأحزاب المعارضة الثلاثة حدّ العداء، وثانياً لأن أي حكومة من دون "العدالة والتنمية" لا تولد إلا بتحالف الأحزاب المعارضة جميعها لتتمكن من جمع 275 نائباً لتأمين الثقة للحكومة (الشعب الجمهوري 132 نائباً، الحركة القومية 80 نائباً، الشعوب الديمقراطي 80) بما أن البرلمان الجديد لن يضم ولا نائباً مستقلاً واحداً حتى. في المقابل، يملك حزب أردوغان وحده 258 نائباً.
اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية": ما له وما عليه
حتى وفق أكثر السيناريوهات تشاؤماً بالنسبة للمتحمسين لبقاء الموقف التركي على ما هو عليه تجاه القضايا العربية الرئيسية (مهاجمة إسرائيل واحتضان المقاومة، دعم الثورة السورية، معارضة الانقلاب في مصر، والإصرار على الحل السلمي وحده في ليبيا)، لا تبدو الأمور سيئة بقدر ما يتصوره البعض، وذلك لأسباب موجبة عديدة. الحزب الوحيد الذي يمكن لـ"العدالة والتنمية" أن يتحالف معه، نظرياً، هو حزب الحركة القومية التركية بعدما أعلن الحزبان الآخران، الشعب الجمهوري، والشعوب الديمقراطي، صراحة رفضهما التحالف، إلا إن عادا عن قرارهما، بينما ظلّ قرار الحركة القومية موارباً وغير واضح. وإن تحالف الحزبان، سيكون ذلك على قاعدة تسوية ما تعطي للحزب اليميني المتطرف مكاسب يرضي فيها قاعدته الشعبية في الداخل، مثل وقف أو إرجاء مفاوضات عملية السلام مع الأكراد، في مقابل احتفاظ "العدالة والتنمية" بحرية حركة في ملفات عديدة، منها خارجية يعتبرها أردوغان أساسية عقائدياً وسياسياً، في مقدمتها مصر وسورية وفلسطين.
اقرأ أيضاً: تركيا اليوم... كأنها انتخابات العرب المفوّتة
ليس سهلاً رصد مواقف "الحركة القومية" من الملفات الخارجية الرئيسية، فهو نموذج عن أحزاب قومية متطرفة تتمسك بالانعزال شعاراً لها، على اعتبار أن الخارج، أي خارج، هو مصدر مشاكل وأوجاع رأس. من هنا، يكاد يخلو البرنامج الانتخابي للحزب المعارض صاحب الثمانين نائباً من أصل 550، من أي كلام واضح إزاء القضايا الخارجية، ما خلا شعارات عامة ديماغوجية عن "المصلحة التركية أولاً"، وأولوية "كرامة تركيا". أما الموقف الواضح، فيظهر حيال التشدد إزاء حل الأزمة القبرصية وعدم تفضيل التصالح التام مع اليونان، والحماسة تجاه الانفتاح الكبير على دول البلقان ذات الكثافة السكانية التركية، وتأييد التشدد المطلق ضد أرمينيا لمصلحة أذربيجان...
تفيد السنوات الماضية، بأن الحركة القومية لم يكن "معادياً" بشراسة لتوجهات "العدالة والتنمية" خارجياً، وخصوصاً أن الحزبين يتقاربان في "النَفَس الإسلامي القومي" لأدبياتهما، ما خلا الرفض القاطع لـ"الحركة القومية" إزاء الانضمام إلى صفوف الاتحاد الأوروبي. لكن من موقعه المعارض، كان على الحزب اليميني القومي المتطرف، بطبيعة الحال، أن يعارض أي خيار يتخذه الحزب الحاكم، وهذا تعريف المعارضة عموماً.
إسرائيلياً، يؤيد الحزب اليميني المتطرف القطيعة مع دولة الاحتلال فقط "إلى حين حلّ ملف مافي مرمرة" (2010)، أي إلى حين تلبية تل أبيب شروط أنقرة، من تقديم اعتذار ودفع تعويضات ومحاسبة المجرمين. سورياً، كان طبيعياً أن يكون الحزب المذكور مشاركاً في جوقة التحريض ضد السوريين تبعاً لنظرية الانكفاء نحو الداخل وعدم السماح لـ"الغرباء بسرقة وظائف الأتراك وبلادهم". وفي الدعم العسكري التركي والسياسي لفصائل الثورة السورية، اصطفّ الحزب المعارض إلى جانب بقية المعارضين في رفض "التورّط في الحرب السورية" مفضلاً الحياد التام، وهو ما ظهر من موقف إزاء تسريبات صحيفة "جمهورييت" المعارضة عن شاحنات سلاح تعبر الحدود إلى الفصائل السورية المسلحة.
اقرأ أيضاً: المعارضة التركية تتوسّط لإطلاق سراح مرسي
فضلاً عن ذلك، باتت بعض المبادئ في السياسة الخارجية التركية تجاه الملفات العربية الرئيسية، موثقة في اتفاقات دولية ومعاهدات ملزمة لأي حكومة تدير البلاد، مثل الاتفاق الأميركي ــ التركي على تدريب المعارضة السورية على الأراضي التركية، أو الاعتراف الرسمي التركي بالائتلاف السوري كممثل للشعب السوري. أضف أن أيّ حاكم جديد في أنقرة، ولو كان منفرداً، لن يكون قادراً على إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد مثلاً، لأسباب عديدة: أولاً، يدرك أي سياسي سيتولى سلطة تنفيذية في تركيا، أن الأسد نظامه متهاوٍ، وأن إعادة تطبيع العلاقات معه لن تحمل أي مكسب لأنقرة في أي من المجالات. ثانياً هناك مزاج شعبي غالب في تركيا، لا يقتصر على الإسلاميين، ينظر إلى النظام السوري على أنه نظام مذهبي ومجرم، ويأخذ هذا الاعتبار حساسية داخلية في ظل الشحن المذهبي الذي وصلت شراراته بقوة إلى تركيا. هو المزاج نفسه الذي ينظر إلى الانقلاب في مصر بعدائية، لاعتبارات دينية وأخلاقية وسياسية، بالتالي فإن أي مسؤول تركي يقرر التراجع عن الموقف الرسمي الحالي بالكامل إزاء الملف المصري، سيجلب لنفسه مشاكل شعبية مجانية مع طيف واسع من المواطنين الأتراك الذين لم يعودوا كما كانوا في السابق، منغلقين عن محيطهم حدّ العزلة.
اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية في الانتخابات التركية: تراجع أمام قضايا الداخل
لكن تغييراً كاملاً في السياسة الخارجية، بحسب جميع السيناريوهات، يبدو مستحيلاً، بما أن السنوات الـ13 الماضية أرست مبادئ دبلوماسية جديدة أتت بفوائد كبيرة، سياسية واقتصادية على تركيا، بات معها مستحيلاً التراجع عنها بشكل جذري. المعجزة التي قد تقلب السياسة الخارجية رأساً على عقب، وتعيدها إلى ما قبل 2002، تكون في حال تمكّنت أحزاب المعارضة من تشكيل حكومة من دون العدالة والتنمية، وهذا نظرياً وحسابياً ممكن، لكنه على أرض الواقع يعتبر مستحيلا بالكامل، أولاً لتناقض أجندات الأحزاب المعارضة الثلاثة حدّ العداء، وثانياً لأن أي حكومة من دون "العدالة والتنمية" لا تولد إلا بتحالف الأحزاب المعارضة جميعها لتتمكن من جمع 275 نائباً لتأمين الثقة للحكومة (الشعب الجمهوري 132 نائباً، الحركة القومية 80 نائباً، الشعوب الديمقراطي 80) بما أن البرلمان الجديد لن يضم ولا نائباً مستقلاً واحداً حتى. في المقابل، يملك حزب أردوغان وحده 258 نائباً.
اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية": ما له وما عليه
حتى وفق أكثر السيناريوهات تشاؤماً بالنسبة للمتحمسين لبقاء الموقف التركي على ما هو عليه تجاه القضايا العربية الرئيسية (مهاجمة إسرائيل واحتضان المقاومة، دعم الثورة السورية، معارضة الانقلاب في مصر، والإصرار على الحل السلمي وحده في ليبيا)، لا تبدو الأمور سيئة بقدر ما يتصوره البعض، وذلك لأسباب موجبة عديدة. الحزب الوحيد الذي يمكن لـ"العدالة والتنمية" أن يتحالف معه، نظرياً، هو حزب الحركة القومية التركية بعدما أعلن الحزبان الآخران، الشعب الجمهوري، والشعوب الديمقراطي، صراحة رفضهما التحالف، إلا إن عادا عن قرارهما، بينما ظلّ قرار الحركة القومية موارباً وغير واضح. وإن تحالف الحزبان، سيكون ذلك على قاعدة تسوية ما تعطي للحزب اليميني المتطرف مكاسب يرضي فيها قاعدته الشعبية في الداخل، مثل وقف أو إرجاء مفاوضات عملية السلام مع الأكراد، في مقابل احتفاظ "العدالة والتنمية" بحرية حركة في ملفات عديدة، منها خارجية يعتبرها أردوغان أساسية عقائدياً وسياسياً، في مقدمتها مصر وسورية وفلسطين.
اقرأ أيضاً: تركيا اليوم... كأنها انتخابات العرب المفوّتة
ليس سهلاً رصد مواقف "الحركة القومية" من الملفات الخارجية الرئيسية، فهو نموذج عن أحزاب قومية متطرفة تتمسك بالانعزال شعاراً لها، على اعتبار أن الخارج، أي خارج، هو مصدر مشاكل وأوجاع رأس. من هنا، يكاد يخلو البرنامج الانتخابي للحزب المعارض صاحب الثمانين نائباً من أصل 550، من أي كلام واضح إزاء القضايا الخارجية، ما خلا شعارات عامة ديماغوجية عن "المصلحة التركية أولاً"، وأولوية "كرامة تركيا". أما الموقف الواضح، فيظهر حيال التشدد إزاء حل الأزمة القبرصية وعدم تفضيل التصالح التام مع اليونان، والحماسة تجاه الانفتاح الكبير على دول البلقان ذات الكثافة السكانية التركية، وتأييد التشدد المطلق ضد أرمينيا لمصلحة أذربيجان...
تفيد السنوات الماضية، بأن الحركة القومية لم يكن "معادياً" بشراسة لتوجهات "العدالة والتنمية" خارجياً، وخصوصاً أن الحزبين يتقاربان في "النَفَس الإسلامي القومي" لأدبياتهما، ما خلا الرفض القاطع لـ"الحركة القومية" إزاء الانضمام إلى صفوف الاتحاد الأوروبي. لكن من موقعه المعارض، كان على الحزب اليميني القومي المتطرف، بطبيعة الحال، أن يعارض أي خيار يتخذه الحزب الحاكم، وهذا تعريف المعارضة عموماً.
إسرائيلياً، يؤيد الحزب اليميني المتطرف القطيعة مع دولة الاحتلال فقط "إلى حين حلّ ملف مافي مرمرة" (2010)، أي إلى حين تلبية تل أبيب شروط أنقرة، من تقديم اعتذار ودفع تعويضات ومحاسبة المجرمين. سورياً، كان طبيعياً أن يكون الحزب المذكور مشاركاً في جوقة التحريض ضد السوريين تبعاً لنظرية الانكفاء نحو الداخل وعدم السماح لـ"الغرباء بسرقة وظائف الأتراك وبلادهم". وفي الدعم العسكري التركي والسياسي لفصائل الثورة السورية، اصطفّ الحزب المعارض إلى جانب بقية المعارضين في رفض "التورّط في الحرب السورية" مفضلاً الحياد التام، وهو ما ظهر من موقف إزاء تسريبات صحيفة "جمهورييت" المعارضة عن شاحنات سلاح تعبر الحدود إلى الفصائل السورية المسلحة.
اقرأ أيضاً: المعارضة التركية تتوسّط لإطلاق سراح مرسي
فضلاً عن ذلك، باتت بعض المبادئ في السياسة الخارجية التركية تجاه الملفات العربية الرئيسية، موثقة في اتفاقات دولية ومعاهدات ملزمة لأي حكومة تدير البلاد، مثل الاتفاق الأميركي ــ التركي على تدريب المعارضة السورية على الأراضي التركية، أو الاعتراف الرسمي التركي بالائتلاف السوري كممثل للشعب السوري. أضف أن أيّ حاكم جديد في أنقرة، ولو كان منفرداً، لن يكون قادراً على إعادة العلاقات مع نظام بشار الأسد مثلاً، لأسباب عديدة: أولاً، يدرك أي سياسي سيتولى سلطة تنفيذية في تركيا، أن الأسد نظامه متهاوٍ، وأن إعادة تطبيع العلاقات معه لن تحمل أي مكسب لأنقرة في أي من المجالات. ثانياً هناك مزاج شعبي غالب في تركيا، لا يقتصر على الإسلاميين، ينظر إلى النظام السوري على أنه نظام مذهبي ومجرم، ويأخذ هذا الاعتبار حساسية داخلية في ظل الشحن المذهبي الذي وصلت شراراته بقوة إلى تركيا. هو المزاج نفسه الذي ينظر إلى الانقلاب في مصر بعدائية، لاعتبارات دينية وأخلاقية وسياسية، بالتالي فإن أي مسؤول تركي يقرر التراجع عن الموقف الرسمي الحالي بالكامل إزاء الملف المصري، سيجلب لنفسه مشاكل شعبية مجانية مع طيف واسع من المواطنين الأتراك الذين لم يعودوا كما كانوا في السابق، منغلقين عن محيطهم حدّ العزلة.
اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية في الانتخابات التركية: تراجع أمام قضايا الداخل