في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بإنشاء عشر جامعات أهلية على مستوى محافظات مصر، تتبع الجامعات الحكومية. وبالرغم من وضوح اسمها "جامعات أهلية" فإنّ الحكومة المصرية هي التي تتحكم فيها، على أن تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية بناءها. في البداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تعريف الجامعة الأهلية في مصر، هي أنّها جامعة غير ربحية، رسومها أقل من الجامعة الخاصة، وتؤسسها الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، والهدف منها إنشاء جامعة غير حكومية تقدم برامج تعليمية جديدة، ومواد تعليمية متطورة تهتم بالجانب التكنولوجي والتدريس التطبيقي العملي وفقاً للمناهج في الجامعات العالمية. لكنّ الإعلام المصري المؤيد للنظام الحاكم تغافل عن ذلك، وأشاد بتلك الخطوة باعتبارها "توسعاً في إنشاء الجامعات لاستيعاب الكثافة في الجامعات الحكومية، ولمواكبة تدريس العلوم التكنولوجية الحديثة والاختصاصات العلمية المتطورة فيها". لكنّ مراقبين أكدوا أنّ بناء هذه الجامعات ما هو إلا خطوة أولى نحو خصخصة التعليم العالي في مصر، وسلب الجامعات الحكومية المصرية، كوادرها التدريسية وحرمانها من أساتذتها وقاماتها العلمية والبحثية، إذ إنّ من المقرر انتداب أساتذة الجامعات الحكومية للتدريس في الجامعات الأهلية، برواتب أعلى، يدفعها الطلاب من نفقات تعليمهم التي تفوق تلك التي يدفعونها في الجامعات الحكومية.
يعلّق أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى السيد، على هذه الخطوة بالقول: "نعرف الآن أنّ الحكومة تعتزم إنشاء عشر جامعات أهلية، وهذا أمر غريب. فبحسب القاموس، تعتبر الجامعات الأهلية الجامعات التي ينشئها المواطنون أو الأهالي وليست الحكومة. ما يدهش ثانياً أنّ الاجتماع الذي عُقد بحسب الصورة المنشورة اهتم أساساً بمباني هذه الجامعات التي ستتولى تنفيذها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ولم يتطرق إلى المسألة الأساسية في إنشاء أيّ جامعة، وهي بحسب فهمي البسيط هيئة التدريس في هذه الجامعة". يتابع السيد، منتقداً توجهات النظام في ملف التعليم العالي: "تنبهت أخيراً إلى أنّ المقصود هو أنّ الجامعات الحكومية بمواردها الهائلة هي التي ستنشئ الجامعات الأهلية، وأنّ أعضاء هيئات التدريس في تلك الجامعات هم الذين سيتولون التدريس في الجامعات الأهلية، مدفوعين برواتب أعلى تأتي من موارد جامعاتهم الحكومية ورسوم الطلاب في الجامعات الأهلية. طبعاً، هم لا يهتمون بأنّ مستوى التدريس في الجامعات الحكومية سيتدهور، لأنّ الأساتذة الذين يدرّسون فيها لن يجدوا حافزاً للاهتمام بالتدريس لأنّه يدرّ عليهم دخلاً أقلّ مقارنة بالأساتذة في الجامعات الأهلية المقترحة. وصحيح أنّ طلاب الجامعات الحكومية هم الأكثر تفوقاً وجدية، لكنّ هذا لا يهمّ الطلاب الأقلّ تفوقاً، من أبناء الطبقات الغنية، ممن لا يذهبون إلى الجامعات الحكومية لأنّهم لا يتمكنون من تحقيق شروط القبول العلمية فيها، ولا يريدون أن يختلطوا بغيرهم من الطبقات (ممن هم أفقر منهم). هل هذا منطق يقنع أحداً سوى من شاركوا في صنع مثل هذا القرار!؟".
قبل نحو عام، سعت الجامعات المصريّة ووزارة التعليم العالي من خلال مجلس النواب المصري، إلى استحداث قانون يسمح للجامعات الحكومية بتأسيس جامعات أهلية غير هادفة للربح، بالشراكة مع جامعات عالمية. وفي أغسطس/آب 2019، صادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 152 لسنة 2019، بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، بعدما أقرّه مجلس النواب (البرلمان). وينص القانون - في مادته الأولى - على أن يستبدل نصوص المواد أرقام (84، 89، 91، 137، 189) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، والذي تنص المادة 84 فيه على أنّه "يجوز ندب أعضاء هيئة التدريس لمدة محددة من جامعة إلى إحدى الجامعات الحكومية أو تلك التي تسهم فيها هذه الجامعات أو إلى المعاهد التابعة لوزارة التعليم العالي أو إلى إحدى الجامعات الأهلية الحكومية، أو القيام بوظيفة عامة أخرى، وذلك بقرار من رئيس الجامعة بناء على موافقة مجلس الكلية المختص وبعد أخذ رأي مجلس القسم المختص". وتضمنت تعديلات القانون أيضاً إضافة المادة رقم 189 وتنص على أن "تتولى الجامعة التصرف في أموالها وإدارتها بنفسها، ويكون لها إنشاء الجامعات الأهلية والمساهمة في إنشائها ودعمها".
في هذا الإطار، يتساءل أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الزقازيق الحكومية المصرية، طارق أبو ذكري، متهكماً: "10 جامعات أهلية جديدة بأعلى المعايير العالمية! نعم يمكننا إنشاء مكتبات ومعامل وحرم جامعي عالمي جميل... لكن، من أين نأتي بالأستاذ العالمي والطالب الشغوف بالمعرفة الذي سيدفع التكاليف في مناخ الحرية المطلقة في البحث العلمي!؟".
وفي تقرير لها بعنوان "جامعات بلا حريات أكاديمية"، صادر في يوليو/تموز 2020، سلطت مؤسسة حرية الفكر والتعبير - وهي منظمة مجتمع مدني مصرية - الضوء على انتهاكات حرية البحث والتدريس في الجامعات المصرية، التي برزت بشكل متزايد مع بداية عام 2013، وهو العام الذي شهد زيادة في حالات المنع أو الاعتراض على رسائل الماجستير والدكتوراه.
وأبرز التقرير كيف استخدمت السلطات المصرية عبر أجهزتها المعنية أساليب التهديد والتخويف بحق أعضاء هيئات التدريس والباحثين بالجامعات المصرية إلى أن تحوَّل التدريس إلى عملية تلقين للطلاب من دون محاولة تنمية الفكر النقدي والمناقشة والتعبير الحرّ عن الرأي والفكر.
ومن الجامعات الأهلية التي تعمل وزارة التعليم العالي المصرية على إنشائها، هي: جامعة الجلالة، والأكاديمية العليا للعلوم، وجامعة العلمين الجديدة، وجامعة المنصورة الجديدة، وجامعة الملك سلمان، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، ومدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الجامعة الفرنسية الأهلية بمصر.