08 نوفمبر 2024
نحو ولاية دينية على مكة والمدينة
عاد موضوع حق المسلمين في زيارة الحرمين الشريفين، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ليطرح من جديد، خصوصاً مع استمرار إصرار السلطات السعودية على تسييس الشعائر الدينية، وتحديدا الحج والعمرة، والاعتداء على حرية وصول المسلمين إلى المشاعر المقدسة، بناء على الجنسيات التي يتحدرون منها، أو المواقف السياسية التي يتبنونها، أو تتبناها أنظمة دولهم. ومن نافلة القول إن الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف هما أقدس مقدسات المسلمين، وإليهما تهوي أفئدتهم، وبهما تتعلق قلوبهم، وهما ملك للمسلمين كافة بأمر قرآني ونبويٍّ صريح، ولا يُقبل أبدا أن تتحكّم رذائل السياسة بطهر المكانين والعبادة فيهما. الأمر جلل في هذا السياق، فكأنه لا يكفينا اختطاف إسرائيل المقدّس الثالث في الإسلام وقبلته الأولى، المسجد الأقصى المبارك، ومنع غالب أهل فلسطين والمسلمين من زيارته والتعبد فيه، فكان أن أضافت السعودية عنتا آخر على هذه الأمة، أو بعضها، بمنعهم من زيارة قبلتهم ومسجد نبيهم! وحتى نكون واضحين منذ البداية، ليس النقد هنا منصبا على الإجراءات التنظيمية للزائرين ونسبهم وأعدادهم، وهي الأمور المفهومة، بقدر ما أن النقد منصبٌّ على التعامل مع الحرمين الشريفين رهينتين، وابتزاز مسلمي العالم بهما، ليخضعوا لسياسات المملكة الجائرة، ويرضوا بها إن أرادوا أن يتعبدوا فيهما.
منذ رمضان، عام 2017، يمنع المعتمرون والحجاج القطريون من أداء شعائرهم الدينية، وها هو رمضان ثالث يحل، وبعده حج ثالث، ولا تزال السلطات السعودية سادرة في غيها، تضع
العراقيل أمامهم، وأمام المقيمين الآخرين في دولة قطر من المسلمين، لا لشيء إلا للضغط على قطر، كي تتنازل عن سيادتها لصالح تحالف مدنس بين عواصم عربية أربع، الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة، لا تريد خيرا بأمة العرب ولا بالمسلمين. ليس هذا فحسب، فالمملكة جعلت من الحج والعمرة أداتي مكافأة وعقاب، فعندما غضبت على ماليزيا، العام الماضي، خفضت نسبة حجاجها. وقبل ذلك عَوَّقَت حج الإيرانيين غير مرة. وعندما تريد أن تتمسّح لجهة ما تَفْتَحُ لها أبواب الكعبة المشرفة أو قبر الرسول الأعظم، حتى وإن كان الفقه الذي كانت تتبنّاه سابقا، يرى فيهم مبتدعة ضالين، وذلك كما في حالة القيادي في الحشد الشعبي الشيعي العراقي، سامي المسعودي، ورئيس جمهورية الشيشان، الصوفي، رمضان قديروف. هذا تعسّف بغيضٌ، وغير مقبول، من السلطات السعودية، بل إنه ليس من حقها، ولا يجوز لها أصلا أن تقوم بذلك، فالحرمان الشريفان أمانة عندها، لا ملكية تابعة لها. هي مخوّلة، فحسب، بالرعاية والوفادة والتنظيم والقيام بشؤونهما، وهذا شرفٌ عظيم لها، تفعله مقابل أجر باهظ، ولكنها لا تملك بحال حق الولاية عليهما. "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ" (التوبة: 19).
على مدى عقود طويلة من السيطرة السعودية على الحرمين الشريفين، حرمنا، نحن المسلمين من حق التعبد فيهما، بمذاهبنا المعتبرة، ومارست السلطات هناك تدميرا ممنهجا لآثارنا الإسلامية منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، والتي حافظ عليها الصحابة الكرام، والدول الإسلامية المتعاقبة، حتى سقوط الدولة العثمانية. ثمَّ كان أن ابتلينا بفقه شوفيني، يرى في كل أثر إسلامي بدعةً ينبغي مسحها، في حين جعل من تقديس الحاكم، والتبرّك بآثاره، والترافع عن الكبائر التي يرتكبها أصلا في الدين راسخاً! لقد أخطأنا جميعا بالسكوت طويلا عن الجرائم التي ارتكبتها المملكة بحق مقدساتنا وآثار نبينا وصحبه الكرام، كما أننا أخطأنا بسكوتنا على فقهٍ جعل من كلمة الحاكم فوق حكم الشرع، إذا ما تناقضا. أي بدعةٍ أكبر من هذا؟ واليوم نحن
ندفع ثمن صمتنا، بل قل تواطؤنا ذاك. لقد وصل الحال أن يمنع المعتمرون والحجاج من تأدية شعائرهم بناء على اعتبارات سياسية، على الرغم من الوعيد الرباني لمن يفعل ذلك: "وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ" (البقرة: 217). أبعد من ذلك، لم تتورّع السلطات السعودية عن خطف حجاج ومعتمرين، كما جرى مع حجاج ليبيين قبل بضعة أعوام، في مخالفةٍ صريحةٍ للأمر الرباني الصريح: "وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" (آل عمران: 97).
ما سبق لا يعدو أن يكون غيضا من فيض. لقد خانت المملكة أمانتها ومسؤوليتها في رعاية الحرمين الشريفين، ولم يعد بالإمكان السكوت على هذا أكثر من ذلك. ولأن مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف مدن خاصة مقدسة في الإسلام، فإنه ينبغي أن يكون لها وضع خاص، لا من ناحية القداسة فحسب، بل وحتى من ناحية الإشراف والتنظيم. القدس مدينة محتلة، والحل فيها لا يكون إلا بتحريرها. أما مكة والمدينة، وهما البقعتان الأقدس إسلاميا، فإنهما تحت سيطرة دولة عربية إسلامية فشلت في رعايتهما، وَتَعَسَّفَت على حق المسلمين فيهما. ومن ثمَّ، آن الأوان للبحث في صيغ إشراف إسلامي مشترك على الحرمين الشريفين، وتنظيم السياحة الدينية إليهما بالعدل، وبناء على أسس وقواعد مضبوطة، بعيدا عن اعتبارات السياسة وقيودها، والمذاهب وضيق أفقها. هذا الإشراف أو التنظيم للحج والعمرة، أو السياحة الدينية بعمومها، لا يعني سيادةً على الأرض، فهذه تبقى للسعودية، وإنما الحديث هنا عن ولايةٍ دينيةٍ في المدينتين الأقدس. ونحن إن كنا رفضنا ولاية دينية في القدس، فذلك لأننا لا نقبل أن تكون السيادة لدولة الاحتلال الصهيوني، ولكن الحال في السعودية مختلف، فمسألة شرعية النظام تعود للشعب هناك، وليس لنا. أما الحق الديني في مكة والمدينة فهذا لكل أمة الإسلام، وكفانا ما جرى من أضرارٍ إلى اليوم.
لقد تاقت قلوبنا إلى الحرمين الشريفين، ونريد أن نزورهما آمنين مطمئنين، لا نخشى على أنفسنا غدر حاكم متعسّف، ولا خيانة فقيه يدّعي الورع، ولا سفاهة أناسٍ يظنون الوطنية شوفينية عنصرية.
منذ رمضان، عام 2017، يمنع المعتمرون والحجاج القطريون من أداء شعائرهم الدينية، وها هو رمضان ثالث يحل، وبعده حج ثالث، ولا تزال السلطات السعودية سادرة في غيها، تضع
على مدى عقود طويلة من السيطرة السعودية على الحرمين الشريفين، حرمنا، نحن المسلمين من حق التعبد فيهما، بمذاهبنا المعتبرة، ومارست السلطات هناك تدميرا ممنهجا لآثارنا الإسلامية منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، والتي حافظ عليها الصحابة الكرام، والدول الإسلامية المتعاقبة، حتى سقوط الدولة العثمانية. ثمَّ كان أن ابتلينا بفقه شوفيني، يرى في كل أثر إسلامي بدعةً ينبغي مسحها، في حين جعل من تقديس الحاكم، والتبرّك بآثاره، والترافع عن الكبائر التي يرتكبها أصلا في الدين راسخاً! لقد أخطأنا جميعا بالسكوت طويلا عن الجرائم التي ارتكبتها المملكة بحق مقدساتنا وآثار نبينا وصحبه الكرام، كما أننا أخطأنا بسكوتنا على فقهٍ جعل من كلمة الحاكم فوق حكم الشرع، إذا ما تناقضا. أي بدعةٍ أكبر من هذا؟ واليوم نحن
ما سبق لا يعدو أن يكون غيضا من فيض. لقد خانت المملكة أمانتها ومسؤوليتها في رعاية الحرمين الشريفين، ولم يعد بالإمكان السكوت على هذا أكثر من ذلك. ولأن مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف مدن خاصة مقدسة في الإسلام، فإنه ينبغي أن يكون لها وضع خاص، لا من ناحية القداسة فحسب، بل وحتى من ناحية الإشراف والتنظيم. القدس مدينة محتلة، والحل فيها لا يكون إلا بتحريرها. أما مكة والمدينة، وهما البقعتان الأقدس إسلاميا، فإنهما تحت سيطرة دولة عربية إسلامية فشلت في رعايتهما، وَتَعَسَّفَت على حق المسلمين فيهما. ومن ثمَّ، آن الأوان للبحث في صيغ إشراف إسلامي مشترك على الحرمين الشريفين، وتنظيم السياحة الدينية إليهما بالعدل، وبناء على أسس وقواعد مضبوطة، بعيدا عن اعتبارات السياسة وقيودها، والمذاهب وضيق أفقها. هذا الإشراف أو التنظيم للحج والعمرة، أو السياحة الدينية بعمومها، لا يعني سيادةً على الأرض، فهذه تبقى للسعودية، وإنما الحديث هنا عن ولايةٍ دينيةٍ في المدينتين الأقدس. ونحن إن كنا رفضنا ولاية دينية في القدس، فذلك لأننا لا نقبل أن تكون السيادة لدولة الاحتلال الصهيوني، ولكن الحال في السعودية مختلف، فمسألة شرعية النظام تعود للشعب هناك، وليس لنا. أما الحق الديني في مكة والمدينة فهذا لكل أمة الإسلام، وكفانا ما جرى من أضرارٍ إلى اليوم.
لقد تاقت قلوبنا إلى الحرمين الشريفين، ونريد أن نزورهما آمنين مطمئنين، لا نخشى على أنفسنا غدر حاكم متعسّف، ولا خيانة فقيه يدّعي الورع، ولا سفاهة أناسٍ يظنون الوطنية شوفينية عنصرية.