لن يغيّر إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، العاطفي والمفاجئ بُعيد الاعتداءات الإرهابية في فرنسا، حول فرض المراقبة على حدود فرنسا مع جيرانها الأوروبيين، من وضعيّة المهاجرين واللاجئين أو طالبي اللجوء في فرنسا. القرارات الفرنسية وتعهداتها في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن تتغير. لكن الخشية تبقى في ما يمكن أن يحدث في المستقبل.
لا يُخفى على أحد أن استطلاعات الرأي الأخيرة في فرنسا، قبل اعتداءات باريس في 13 نوفمبر تشرين الثاني الجاري، كشفت وجود أكثرية رافضة لاستقبال مزيد من المهاجرين. وهو ما يشير إلى أن فرنسا تأتي في مقدّمة البلدان الأوروبية التي تبدي نوعاً من البرودة في استقبال المهاجرين، على الرغم من أن هؤلاء لا يقصدونها في المقام الأول. وتأتي هذه الحقيقة بعد بحث أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (إيفوب)، في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في سبعة بلدان أوروبية هي فرنسا وهولندا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك.
ونقرأ في التقرير أن نسبة 63 في المائة من الفرنسيين يرون أن "بلدنا استقبل عدداً كبيراً من الأجانب أو من أشخاص من أصول أجنبية، من هنا فإن استقبال مزيد منهم ليس أمراً ممكناً". واللافت أيضاً أن الفرنسيين (33 في المائة) هم الذين شددوا على ضرورة فرض رقابة على الحدود، إذ يرون في ذلك حلاً للأزمة الحالية، أي أزمة تدفّق المهاجرين إلى أوروبا. في مقابلهم، اقترح هؤلاء الذين شملهم الاستطلاع في دول أوروبية أخرى، حلولاً من ضمنها المساعدة في التنمية ونشر الاستقرار في بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط لتثبيت السكان في بلدانهم.
وأتت الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي ضربت فرنسا، وتحديداً قلبها العاصمة باريس، لتغيّر الوضع. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يتحدث عن "وحدة وطنية" ضد الإرهاب ورئيس حكومته مانويل فالس يتحدث عن "وحدة مقدسة"، وهما يحتاجان إلى موافقة اليمين من أجل تغيير الدستور. وقد عبّر هولاند عن ذلك فيما يخص حالة الطوارئ. بالتالي، لا يمكن للأخير إلا أن يأخذ مقترحات اليمين الأمنية بعين الاعتبار. وهي مقترحات متشددة، خصوصاً في ما يتعلق بإحكام المراقبة على الحدود، بالإضافة إلى تلك المتعلقة باستقبال الأجانب وترحيل المتشددين منهم. وفي هذا الإطار، أتت تصريحات رجال سياسة يمينيّون، وبعضهم من اليمين المتطرف، لتعبّر عن ارتياحهم إزاء استعداد هولاند وحكومته الاشتراكية للأخذ بمقترحاتهم. ويشير رئيس الوزراء فالس في هذا السياق إلى أن "المسألة الأمنية ليست حكراً على اليمين".
"سيماد" جمعية فرنسية للتضامن مع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، لذا كان لـ "العربي الجديد" اتصال مع أحد القيّمين عليها للاطلاع على الإجراءات الجديدة التي يمكن أن تتخذها الحكومة الفرنسية، كردّ على ما جرى. يؤكد المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويّه، على أن ما من شيء جديد قد حدث، وأن إجراءات تسوية أوضاع اللاجئين تتخذ مساراً طبيعياً، وأن البطء الذي تعرفه لا يدعو إلى القلق، وإنما هو بسبب كثرة الطلبات ونقص الموظفين. ويوضح المسؤول نفسه أن أي موقف جديد للسلطات الفرنسية، قد تكون له عواقب سلبية على المهاجرين، بالتالي سوف يستلزم الأمر رداً من مسؤولي الجمعيّة، بناءً على ما تنصّه القوانين التي تحكمها.
وإذا كانت جمعية "سيماد" وجمعيات أخرى تعمل في هذا الإطار، بما في ذلك جمعية العمال المغاربيين في أوروبا، فإن الأمر يؤكد ضرورة الالتزام بالحذر خوفاً من أي قرار يضرّ باستقبال هؤلاء اللاجئين. تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من طالبي اللجوء لم يخفوا قلقهم من المصير الذي ينتظرهم بعد الاعتداءات الأخيرة.
سمير، مهاجر سوري ينتظر منذ ثمانية أشهر حصوله على اللجوء. يقرّ بأنه يشعر بالقلق بعد الأخبار التي انتشرت عن جواز سفر سوري وُجِد بالقرب من "ستاد دو فرانس". واللافت أن وسائل الإعلام الفرنسية بالغت في منح الأهميّة لهذا التفصيل.
من جهة أخرى، فإن الإشاعات وتصريحات بعض قياديي اليمين المتطرف حول قدرة تنظيم "داعش" على تجنيد مقاتلين من بين المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين على الرغم من التكذيب الألماني الرسمي، تثير قلق عدد كبير من هؤلاء. وهو تخوّف أكده لنا حسين (عراقي) على الرغم من أن اسمه مدرج على قائمة تضمّ 24 ألف لاجئ وافقت فرنسا على استقبالهم وذويهم.
ويقرّ المسؤول في جمعية "سيماد" بوجود قلق بين طالبي اللجوء من تأثير ما جرى على مستقبلهم. ويقول إنه على الرغم من أن كثيرين منهم حصلوا على وعود بتسوية أوضاعهم، إلا إنهم يتساءلون: ماذا لو غيّرت فرنسا موقفها، بشكل مفاجئ؟
ويحاول الموظف الإنساني أن يطمئن هؤلاء إلى أن فرنسا تحترم تعهداتها، خصوصاً أنها تعهدات أوروبية تتجاوز الإطار الفرنسي الضيق. لكن كثيرين ممن خبروا كل أنواع الصدّ والنفور، يجدون صعوبة في إبداء الثقة. "ماذا فعل المجتمع الدولي ككلّ، من أجلنا، حتى وصلنا إلى هنا؟".
اقرأ أيضاً: تسامح وحريّة.. فرنسا تسعى إلى "حوار مفيد" في المدارس