10 نوفمبر 2024
ندفع ثمن ماذا؟
أعاد تقرير التنمية الإنسانية العربية 2016، الذي صدر أخيراً، بعنوان "الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في عالم متغير"، طرح موضوع الربيع العربي، من منظور تنموي، إذ ربط العوامل والديناميكيات التي أدت إلى الثورات الديمقراطية بأزمة التنمية العربية، وتحديداً مع الأزمة المالية العالمية التي ضاعفت من عجز السياسات الريعية للحكومات العربية، وفجّرت الغضب لدى الشعوب والطبقة الوسطى من حجم الفساد المنتشر، في ظل انعدام الشفافية والمساءلة وأدوات المشاركة الفاعلة في الحياة العامة.
تتحدث المقاربة الجديدة للتقرير المهم عن حالة الشباب العربي في ظل الوضع القائم، وتلخص المشهد بستّ أزماتٍ خطيرة، تعصف بالمنطقة العربية، هي: ضعف المشاركة السياسية، ضعف الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم، وسوء إدارة التنوع، وأفكار موروثة تعيق المساواة بين الجنسين، وأخيراً صراعات مطولة تجهز على ما تم إنجازه في التنمية.
يحاول التقرير الدفع نحو التفاؤل، في حال تم تفعيل طاقات الشباب بالاتجاه المطلوب، وجرى إدماجهم في المسارات الصحيحة، لكن المؤشرات التي يقدمها عن الواقع الحالي والسيناريوهات القادمة المبنية عليها ونمط استجابات الحكومات العربية، ذلك كله يجعل من غيمة التشاؤم هي التي تهيمن على التقرير وقراءتنا له.
يكفي الوقوف عند بعض المعطيات؛ فالدول العربية هي الأقل نسبة مشاركة لدى الشباب في العمل العام والتطوعي (ذلك مرتبط بدرجة كبيرة بالسياسات الأمنية العربية)، ونسبة العاملين في سن الشباب الأقل عالمياً، ومعدل البطالة من الأعلى عالمياً، ومعدل الهجرة واللجوء كذلك، ومعدل العمالة المهاجرة إلى الخارج. وإذا استمر الوضع العربي الحالي في هذا السياق فإنّ ثلاثة أرباع السكان في العالم العربي سيعيشون في مناطق فيها صراعات طويلة المدى (أكثر من 15 عاماً) في العام 2050، أكثر من 80% من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية عاجلة، بينما نصف الشعب السوري هُجّر إلى الخارج والداخل.
يقترح التقرير جملةً من السياسات بخصوص الشباب الذين يشكلون اليوم العمود الفقري للمجتمع العربي، وفي مقدمتها تغيير السياسات العامة، وتشجيعهم على الانخراط في المشاركة السياسية والعمل العام، وتحسين مستوى الخدمات ذات المخرجات الأساسية، بالإضافة إلى برامج تمكين الشباب وتأهيلهم.
يتمثل أحد المداخل المهمة في التقرير في ربطه شروط الربيع العربي بموضوع الشباب، فالسياسات الريعية الفاشلة مع الأزمة المالية العالمية التي فجّرت المشكلات الاقتصادية بالتزاوج مع فشل سياسات إدماج الشباب في العمل العام، وعدم وجود البيئة الصحية المناسبة لتوظيف طاقاتهم وإمكانياتهم، أحدث ذلك كله إيجاد الحركة الاحتجاجية العربية الواسعة في العام 2011، وكان الشباب هم من المشغّل الرئيسي والفاعل فيها، وهذه قراءة جيّدة ومهمة، بل ويحذّر التقرير من أنّ عجز الدول العربية، أو عدم رغبتها، في إعادة النظر في سياساتها سيؤدي إلى "ربيع عربيّ" آخر.
بالنتيجة والخلاصة؛ لم يكن الربيع العربي مؤامرةً كونية، وما نشهده في المجتمعات العربية من السلطوية المتجدّدة، على حد وصف تقرير جديد مهم لمؤسسة بروكينجز، أو حروبٍ أهليةٍ وتفكك النموذج المتطرف أو صعوده، ليست كل تلك الصور المرعبة جرّاء الربيع العربي وثوراته، بل هي نتاج ممانعته ومقاومته. هذه ليست النتيجة الطبيعية للديمقراطية، كما تروّج الأنظمة السلطوية ومثقفوها، فالديمقراطية هي إدماج الشباب في الحياة العامة، والتعدّدية السياسية والدينية والثقافية، والحريات السياسية والعامة، وتداول السلطة، وحكم القانون والمساءلة والشفافية، كل هذه العناوين هي التي تكفل إعادة هيكلة حالة الشباب ودورهم ومصيرهم، بل ما نراه هو نتيجة غياب الديمقراطية وعدم الإيمان بأنّها حبل الإنقاذ للدول والمجتمعات.
أما عصارة التقرير، فهي أنّ محاولة إرجاع القطار إلى الخلف، وإبقاء الأنظمة السلطوية والعودة إلى ما قبل 2011، بات مساراً مغلقاً غير ممكن، فإما السير بالطريق الذي أغلقته جرافات الأنظمة العربية، بأموالها وإعلامها وجيوشها، أي المسار الديمقراطي، أو النموذج الآخر الحروب الداخلية والأزمات الطاحنة والتفكك.
مات النظام القُطري العربي وانتهى، والشعوب اليوم ترسم عقوداً اجتماعية جديدة، وقدرة السلطوية التقليدية وديناميكياتها في مرحلة التآكل والانهيار..
تتحدث المقاربة الجديدة للتقرير المهم عن حالة الشباب العربي في ظل الوضع القائم، وتلخص المشهد بستّ أزماتٍ خطيرة، تعصف بالمنطقة العربية، هي: ضعف المشاركة السياسية، ضعف الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم، وسوء إدارة التنوع، وأفكار موروثة تعيق المساواة بين الجنسين، وأخيراً صراعات مطولة تجهز على ما تم إنجازه في التنمية.
يحاول التقرير الدفع نحو التفاؤل، في حال تم تفعيل طاقات الشباب بالاتجاه المطلوب، وجرى إدماجهم في المسارات الصحيحة، لكن المؤشرات التي يقدمها عن الواقع الحالي والسيناريوهات القادمة المبنية عليها ونمط استجابات الحكومات العربية، ذلك كله يجعل من غيمة التشاؤم هي التي تهيمن على التقرير وقراءتنا له.
يكفي الوقوف عند بعض المعطيات؛ فالدول العربية هي الأقل نسبة مشاركة لدى الشباب في العمل العام والتطوعي (ذلك مرتبط بدرجة كبيرة بالسياسات الأمنية العربية)، ونسبة العاملين في سن الشباب الأقل عالمياً، ومعدل البطالة من الأعلى عالمياً، ومعدل الهجرة واللجوء كذلك، ومعدل العمالة المهاجرة إلى الخارج. وإذا استمر الوضع العربي الحالي في هذا السياق فإنّ ثلاثة أرباع السكان في العالم العربي سيعيشون في مناطق فيها صراعات طويلة المدى (أكثر من 15 عاماً) في العام 2050، أكثر من 80% من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية عاجلة، بينما نصف الشعب السوري هُجّر إلى الخارج والداخل.
يقترح التقرير جملةً من السياسات بخصوص الشباب الذين يشكلون اليوم العمود الفقري للمجتمع العربي، وفي مقدمتها تغيير السياسات العامة، وتشجيعهم على الانخراط في المشاركة السياسية والعمل العام، وتحسين مستوى الخدمات ذات المخرجات الأساسية، بالإضافة إلى برامج تمكين الشباب وتأهيلهم.
يتمثل أحد المداخل المهمة في التقرير في ربطه شروط الربيع العربي بموضوع الشباب، فالسياسات الريعية الفاشلة مع الأزمة المالية العالمية التي فجّرت المشكلات الاقتصادية بالتزاوج مع فشل سياسات إدماج الشباب في العمل العام، وعدم وجود البيئة الصحية المناسبة لتوظيف طاقاتهم وإمكانياتهم، أحدث ذلك كله إيجاد الحركة الاحتجاجية العربية الواسعة في العام 2011، وكان الشباب هم من المشغّل الرئيسي والفاعل فيها، وهذه قراءة جيّدة ومهمة، بل ويحذّر التقرير من أنّ عجز الدول العربية، أو عدم رغبتها، في إعادة النظر في سياساتها سيؤدي إلى "ربيع عربيّ" آخر.
بالنتيجة والخلاصة؛ لم يكن الربيع العربي مؤامرةً كونية، وما نشهده في المجتمعات العربية من السلطوية المتجدّدة، على حد وصف تقرير جديد مهم لمؤسسة بروكينجز، أو حروبٍ أهليةٍ وتفكك النموذج المتطرف أو صعوده، ليست كل تلك الصور المرعبة جرّاء الربيع العربي وثوراته، بل هي نتاج ممانعته ومقاومته. هذه ليست النتيجة الطبيعية للديمقراطية، كما تروّج الأنظمة السلطوية ومثقفوها، فالديمقراطية هي إدماج الشباب في الحياة العامة، والتعدّدية السياسية والدينية والثقافية، والحريات السياسية والعامة، وتداول السلطة، وحكم القانون والمساءلة والشفافية، كل هذه العناوين هي التي تكفل إعادة هيكلة حالة الشباب ودورهم ومصيرهم، بل ما نراه هو نتيجة غياب الديمقراطية وعدم الإيمان بأنّها حبل الإنقاذ للدول والمجتمعات.
أما عصارة التقرير، فهي أنّ محاولة إرجاع القطار إلى الخلف، وإبقاء الأنظمة السلطوية والعودة إلى ما قبل 2011، بات مساراً مغلقاً غير ممكن، فإما السير بالطريق الذي أغلقته جرافات الأنظمة العربية، بأموالها وإعلامها وجيوشها، أي المسار الديمقراطي، أو النموذج الآخر الحروب الداخلية والأزمات الطاحنة والتفكك.
مات النظام القُطري العربي وانتهى، والشعوب اليوم ترسم عقوداً اجتماعية جديدة، وقدرة السلطوية التقليدية وديناميكياتها في مرحلة التآكل والانهيار..